الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          الذين يتربصون بكم ، أي الذين ينتظرون بكم أيها المؤمنون ما يحدث من كسر أو نصر أو خير أو شر ، وهذا وصف للمنافقين ، كقوله في الآية السابقة الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ، هذا تفضيل للتربص أي : فإن نصركم الله أو فتح عليكم ادعوا أنهم كانوا معكم وأنهم منكم يستحقون مشاركتكم في نعمتكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين ، أي : وإن كان للكافرين نصيب من الظفر - لأن الحرب سجال - متوا إليهم ومنوا عليهم بأنهم كانوا عونا لهم على المؤمنين بتخذيلهم ، والتواني في الحرب معهم ، والاستحواذ يفسرونه بالاستيلاء ، وهو في الأصل من الحوذ وهو السوق ، سمي حوذا لأن الحوذي السائق يضرب حاذيي البعير أو غيره من الدواب ، والحاذيان هما جانبا الفخذين من الوراء ، والحاذ الظهر ويطلق على جانبيه حاذيين ، وهذا الضرب من السوق يستولي به الحوذي على ما يسوقه ، فصاروا يطلقون الاستحواذ على الاستيلاء على الشيء والتمكن من تسخيره أو التصرف فيه فهم يقولون للكفار إننا قد استولينا عليكم ، وتمكنا من الإيقاع بكم ، ولم نفعل بل منعناكم أي جمعناكم وحفظناكم من المؤمنين والنكتة في التعبير عن ظفر المؤمنين بالفتح وأنه من الله ، وعن ظفر الكافرين بالنصيب هي إفادة أن العاقبة في القتال للمؤمنين ، فهم الذين يكون لهم الفتح والاستيلاء على الأمم الكافرة ، ولكن الحرب سجال قد يقع في أثنائها نصيب من الظفر للكافرين لا ينتهي إلى أن يكون فتحا يستولون به على المؤمنين ، وذلك أن الله تعالى وعد المؤمنين بالنصر في مثل قوله : وكان حقا علينا نصر المؤمنين ( 30 : 47 ) ، المقيد بقوله عز وجل : ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ( 47 : 7 ، 8 ) ، وإنما نصر الله أن يقصد بالحرب حماية الحق وتأييده وإعلاء كلمته ابتغاء مرضاة الله ومثوبته ، وآيته مراعاة سنن الله في أخذ أهبته ، وإعداد عدته ، التي أرشد إليها كتابه العزيز في مثل قوله : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ( 8 : 60 ) ، وقوله : إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( 8 : 45 ) ، وقد بينا غير مرة كون الإيمان نفسه من أسباب النصر ، وأنه يقتضي الاستعداد وأخذ الحذر ، وإنما غلب المسلمون في هذه القرون الأخيرة وفتح الكفار بلادهم التي فتحوها هم من قبل بقوة الإيمان ، وما يقتضيه من الأعمال ; لأنهم ما عادوا يقاتلون لإعلاء كلمة الله [ ص: 379 ] وتأييد الحق ونشر الإسلام ، ولا عادوا يعدون ما استطاعوا من قوة كما أمرهم القرآن ، فهم يستطيعون أن ينشئوا البوارج المدرعة ، والمدافع المدمرة ويتعلموا ما يلزم لها وللحرب من العلوم الرياضية والطبيعية والميكانيكية ، وهي فرض عليهم بمقتضى قواعد دينهم ; لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وقد تركوا كل ذلك بل صار أدعياء العلم فيهم يحرمون ذلك عليهم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية