الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا أي : ويقول هؤلاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : سمعنا قولك وعصينا أمرك ، روي عن مجاهد أنهم قالوا : سمعنا قولك ، ولكن لا نطيعك ، ويقولون له أيضا : اسمع غير مسمع ، قال المفسرون : إن هذا دعاء عليه ، ولكن زاده الله تكريما وتشريفا ، ومعناه : لا سمعت أو لا أسمعك الله ، وهذا في مكان الدعاء المعتاد من المتأدبين للمخاطب : لا سمعت مكروها ، أو لا سمعت أذى ، وقيل : معناه : غير مقبول ما تقول ، وهذا مروي عن مجاهد ، وقال الأستاذ الإمام : يحتمل أن يكون المعنى : واسمع شيئا لا يستحق أن يسمع ، وأما " راعنا " فقد روي أن اليهود كانوا يتسابون بكلمة " راعينا " العبرانية أو السريانية فسمعوا بعض المؤمنين يقولون للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : راعنا ، من المراعاة أو بمعنى أرعنا سمعك فافترصوها وصاروا يلوون ألسنتهم بالكلمة ويصرفونها إلى المعنى الآخر : ليا بألسنتهم وطعنا في الدين فيجعلونها في الظاهر راعنا وبلي اللسان وإمالته " راعينا " ينوون بذلك الشتم والسخرية ، أو جعله راعيا من رعاء الشاء ، أو من الرعن والرعونة ، قال في الكشاف : ( فإن قلت ) : كيف جاءوا بالقول المحتمل ذي الوجهين بعد ما صرحوا ، وقالوا سمعنا وعصينا ؟ ( قلت ) : جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء ، ويجوز أن يقولوه فيما بينهم ويجوز ألا ينطقوا بذلك ، ولكنهم لما لم يؤمنوا جعلوا كأنهم نطقوا به اهـ ، وقد تقدم شرح ذلك في تفسير : يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا ( 2 : 104 ) ، من سورة البقرة وبينا هنالك أن الأستاذ الإمام لم يرتض ما قالوه في كون هذه الكلمة سبا بالعبرانية ، واختار في تعليل النهي عنها أنها لما كانت من المراعاة ، وهي تقتضي المشاركة ـ نهوا عنها تأديبا لهم ، إذ لا يليق أن يقولوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : [ ص: 116 ] ارعنا نرعك ، كما هو معنى المشاركة ، كما نهوا أن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض ( قال ) : وهناك وجه آخر ، يقال في اللغة : راعى الحمار الحمر ، إذا راعى معها ، فكان اليهود يحرفون الكلم إلى هذا المعنى ، وإن كان فيها سب لأنفسهم على حد : " اقتلوني ومالكا " ، ومن تحريف الكلام وليه في خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم في التحية " السام عليكم " يوهمون بفتل اللسان وجمجمته أنهم يقولون : السلام عليكم ، وقد ثبت هذا في الصحيح ، وأنه كان ـ عليه السلام ـ بعد العلم بذلك يجيبهم بقوله : " وعليكم " أي كل أحد يموت .

                          ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ، أي : لو أنهم قالوا : سمعنا قولك وأطعنا أمرك ، واسمع ما نقول وانظرنا أي : أمهلنا وانتظرنا ولا تعجل علينا ، يقال : نظره بمعنى انتظره ، وهو كثير في القرآن أو انظر إلينا نظر رعاية ورفق : لكان خيرا لهم أقوم ، مما قالوه لما فيه من الأدب والفائدة وحسن العاقبة .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية