الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          قال : والمنافقون هنا غير من نزلت فيهم آيات البقرة وسورة المنافقين وأمثالها من الآيات ، والمراد بالمنافقين هنا فريق من المشركين كانوا يظهرون المودة للمسلمين والولاء لهم وهم كاذبون فيما يظهرون ، ضلعهم مع أمثالهم من المشركين ، ويحتاطون في إظهار الولاء للمسلمين إذا رأوا منهم قوة ، فإذا ظهر لهم ضعفهم انقلبوا عليهم وأظهروا لهم العداوة ، فكان المؤمنون فيهم على قسمين ، منهم من يرى أن يعدوا من الأولياء ويستعان بهم على سائر المشركين المحادين لهم جهرا ، ومنهم من يرى أن يعاملوا كما يعامل غيرهم من المجاهرين بالعداوة - وعبارته ممن لا ينافق - فأنكر الله عليهم ذلك وقال :

                          والله أركسهم بما كسبوا أي : كيف تتفرقون في شأنهم ، والحال أن الله - تعالى - أركسهم وصرفهم عن الحق الذي أنتم عليه بما كسبوا من أعمال الشرك والمعاصي ، حتى أنهم لا ينظرون فيه نظر إنصاف ، وإنما ينظرون إليكم وما أنتم عليه نظر الأعداء المبطلين ، ويتربصون بكم الدوائر ، انتهى ما نقلناه عن الدرس وليس عندنا عنه هنا شيء آخر .

                          أقول : الركس - بفتح الراء - مصدر ركس الشيء يركسه - بوزن نصر - إذا قلبه على رأسه أو رد آخره على أوله ، يقال : ركسه وأركسه فارتكس ، قال في اللسان بعد معنى ما ذكر ، وقال شمر : بلغني عن ابن الأعرابي أنه قال : المنكوس والمركوس المدبر عن حاله ، والركس رد الشيء مقلوبا اهـ ، ويظهر أنه مأخوذ من الركس - بكسر الراء - وهو كما في اللسان شبيه بالرجيع ، وأطلق في الحديث على الروث ، والحاصل أن الركس والإركاس شر ضروب التحول والارتداد ، وهو أن يرجع الشيء منكوسا على رأسه إن كان له رأس ، أو مقلوبا متحولا عن حالة إلى أردأ منها كتحول الطعام والعلف إلى الرجيع والروث ، والمراد هنا تحولهم إلى الغدر والقتال أو إلى الشرك ، وقد استعمل هنا في التحول والانقلاب المعنوي أي : من إظهار الولاء والتحيز إلى المسلمين إلى إظهار التحيز إلى المشركين ، وهو [ ص: 263 ] شر التحول والارتداد المعنوي ، كأن صاحبه قد نكس على رأسه وصار يمشي على وجهه أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم ( 67 : 22 ) ، ومن كانت هذه حاله في ظهور ضلالته في أقبح مظاهرها فلا ينبغي أن يرجو أحد من المؤمنين نصر الحق من قبله ، ولا أن يقع الخلاف بينهم وبين سائر إخوانهم في شأنه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية