الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5789 164 - حدثنا عياش بن الوليد، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد الجريري، عن أبي عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن أبا بكر تضيف رهطا فقال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فافرغ من قراهم قبل أن أجيء، فانطلق عبد الرحمن، فأتاهم بما عنده فقال: اطعموا، فقالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا؟ قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه، فأبوا، فعرفت أنه يجد علي، فلما جاء تنحيت عنه، فقال: ما صنعتم؟ فأخبروه، فقال: يا عبد الرحمن، فسكت، ثم قال: يا عبد الرحمن، فسكت، فقال: يا غنثر، أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت، فخرجت فقلت: سل أضيافك؟ فقالوا: صدق، أتانا به، قال: فإنما انتظرتموني، والله لا أطعمه الليلة، فقال الآخرون: والله لا نطعمه حتى تطعمه، قال: لم أر في الشر كالليلة، ويلكم! ما أنتم؟! لم لا تقبلوا عنا قراكم، هات طعامك، فجاءه فوضع يده فقال: باسم الله، الأولى للشيطان، فأكل وأكلوا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: " إنه يجد علي"؛ أي: يغضب علي، و"يجد" من الموجدة، وهي الغضب، ووقع التصريح بالغضب في الطريق الذي بعد هذا.

                                                                                                                                                                                  وعياش، بفتح العين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة، ابن الوليد. وأبو الوليد الرقام البصري، مات سنة ست وعشرين ومائتين. وعبد الأعلى ابن عبد الأعلى. وسعيد بن إياس الجريري، وقال الحافظ الدمياطي: مات سنة أربع وأربعين ومائة.

                                                                                                                                                                                  و"الجريري" قال الكرماني: الجريري، مصغر الجر بالجيم والراء المشددة. قلت: هذا وهم عظيم، والجريري نسبة إلى جرير، بضم الجيم وفتح الراء، ابن عباد، بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة، أخي الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن بكر بن وائل. وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي، بفتح النون.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في باب: علامات النبوة؛ فإنه أخرجه هناك بأطول منه، عن موسى بن إسماعيل، عن معتمر، عن أبيه، عن أبي عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما، ومضى الكلام فيه هناك.

                                                                                                                                                                                  قوله: " تضيف"؛ أي: اتخذ الرهط ضيفا. قوله: " دونك أضيافك"؛ أي: خذهم والزمهم، من قراهم؛ القرى، بكسر القاف، الضيافة، وإضافة القرى إليهم مثل الإضافة في قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                  لتغني عني ذا إنائك أجمعا



                                                                                                                                                                                  قوله: " لنلقين منه"؛ أي: الأذى وما يكرهنا. قوله: " إنه يجد علي"؛ أي: يغضب كما ذكرناه. قوله: " تنحيت عنه"؛ أي: جعلت نفسي في ناحية بعيدة عنه. قوله: " غنثر" بضم الغين المعجمة والنون الساكنة وفتح الثاء المثلثة وبالراء، ومعناه الجاهل، وقيل: اللئيم، وقيل: الثقيل، وروي: يا عنتر، بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوق، وهو الذباب، وشبهه حين حقره بالذباب. قوله: " لما جئت" بمعنى ألا جئت؛ أي: لا أطلب منك إلا مجيئك، وقال الكرماني: "ما" زائدة. قوله: " كالليلة"؛ أي: لم أر ليلة مثل هذه الليلة في الشر. قوله: " ويلكم" لم يكن مقصوده منه الدعاء عليهم. قوله: "ما أنتم" كلمة "ما" استفهامية. قوله: [ ص: 178 ] " الأولى للشيطان"؛ أي: الحالة الأولى، أو الكلمة القسمية، وقال ابن بطال: الأولى، يعني اللقمة الأولى ترغيم للشيطان; لأنه هو الذي حمله على الحلف، وباللقمة الأولى وقع الحنث فيها، وقال: وإنما حلف; لأنه ترغيم للشيطان، وأنه اشتد عليه تأخير عشائهم، ثم لما لم يسعه مخالفة أضيافه ترك التمادي في الغضب، فأكل معهم; استمالة لقلوبهم. قال الكرماني: كيف جاز مخالفة اليمين؟ ثم أجاب بأنه إتيان بالأفضل كما ورد في الحديث.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية