الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التوحيد والوساطة في التربية الدعوية [الجزء الثاني]

فريد الأنصاري

المبحث الأول: مظاهر التربية التوحيدية في حركة الوعي الإسـلامي الحـديث

لا يمكن استقصاء جميع مظاهر التوحيد في التربية الدعوية لدى حركات الوعي الإسلامي الحديث، نظرا لشساعة التجربة الدعوية في العصر الحديث، وضخامة مادتها، وكثرة أدبياتها، وإنما سنقتصر على بعض التنبيهات التي تعلم عما سواها، وتنبئ عما شابهها.

ولا بد من التقرير ابتداء، أن حركة الوعي الإسلامي الحديث قد انطلقت من منطلق (سلفي) ، بمعناه الاصطلاحي الحديث، لكن مع نوع من التبلور والتطور ، الذي لم يخرج في عمومه عن حدود المنهج السلفي، الذي يقوم على الإرجاع للكتاب والسنة، في كل أمر عقدي أو تعبدي، وهذا ما ضمن للحركة، أن تتأسس على المنهج التوحيدي، وتصوغ رؤيتها التربوية في المجال الدعوي، على أساسه، وهو الأمر الذي بدا واضحا مع أعلام الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، بدءا بحسن البنا ، والمودودي ، ثم سيد قطب ، وكذا محمد قطب ، ويوسف القرضاوي ، وفتحي يكن ، وغيرهم كثير...

إن الروح السلفية، بقيت سارية في الفكر الحركي الإسلامي الحديث عموما، والتربوي منه خصوصا، وإن لم يخل من هـنات وساطية من حين لآخر، بسبب من الأسباب الطارئة، أو استجابة لبعض المؤثرات الجارفة. [ ص: 153 ]

إن أصداء دعوة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، بقيت مترددة في أقطار العالم الإسلامي طيلة القرون التالية لها، وإلى يومنا هـذا، فكان لها، كما ذكرنا، من التأثير على نهضة الحركات الإصلاحية الحديثة، ورجال الإصلاح المعاصرين ما كان.

فالمنهج التوحيدي في العقائد والعبادات، بقي مستمرا مع مجموعة من الشخصيات، حتى إذا كان بدء العمل الدعوي في صورته الحديثة، كان الأساس السلفي للدعوة، قد صار مكسبا لحركة الوعي الإسلامي الحديث، فبنت عليه مشروعها، واستأنفت في إطاره عملية إعادة التشكيل التربوي.

وكان للتربية التوحيدية آثار مختلفة، ومظاهر شتى، في صفوف الصحوة الإسلامية، في سلوكها، وأدبياتها، حيث تحولت الولاءات في الوطن الإسلامي، من ولاءات للتراب، أو الأيديولوجيات الحزبية ، أو الزعماء السياسيين، والعسكريين... الخ، إلى ولاء واحد، لله الواحد.

وهكذا دأبت حركة الوعي الإسلامي الحديث، على إبراز معاني التوحيد، حتى في المجال التنظيمي؛ حيث حاربت مظاهر الشخصانية، والانتماء إلى الزعامات، والأسماء، مركزة على ضرورة تخليص الولاء لله تعالى، من كل شائبة وساطية، يحتل فيها الأمير، أو التنظيم، صدارة [ ص: 154 ] الشعور بالانتماء الحركي لدى الفرد، فيغيب قصد التعبد الذي هـو من أهم غايات العمل الدعوي.

ولكن لا يعني هـذا كله، أن حركة الوعي الإسلامي، لم يخالطها شيء من الوساطة ، بل لقد تسرب إليها وساطات شتى، وتجلت أشكالها في مظاهر شتى، خاصة بعد تقدم الحركة وتطورها، تنظيميا وشعبيا، فاتسعت قاعدتها، وتقوت هـياكلها التنظيمية، والإدارية، فتشكلت فيها المناصب، والمراكز والألقاب، ثم كان لها احتكاك بالتنظيمات الصوفية الطرقية ، تأثرا وتأثيرا، مما أدى إلى تسرب مجموعة من صور الوساطة الروحية إلى مجالها التربوي.

أضف إلى ذلك، رسوخ بعض المفكرين العاملين في إطارها، في قلوب الأتباع، على أنهم من الكمل، وأن كتبهم من الإلهام الفكري المنقطع النظير، وهو ما أدى إلى بروز الوساطة الفكرية ، بين من اعتقدوا ذلك ومارسوه.

ويمكن بيان هـذه الأشكال الوساطية، في حركة الوعي الإسلامي الحديث، بنوع من الإيجاز فيما يلي: [ ص: 155 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية