الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. قال : ( وإذا افتتح الرجل صلاة المكتوبة في المسجد وحده ثم أقيم له فيها ففي ذوات الأربع كالظهر والعصر والعشاء ، إن كان صلى ركعة أضاف إليها أخرى وقعد وسلم ثم دخل مع الإمام ) ; لأنه لو قطعها كذلك كان مبطلا عمله ، فإن الركعة الواحدة لا تكون صلاة فيضيف إليها ركعة أخرى ليصير شفعا ثم يسلم فيدخل مع الإمام لإحراز فضيلة الجماعة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة } ( فإن قيل : ) كيف يقطع فرضه بعد الشروع فيها . ؟ ( قلنا : ) لا يقطعها رافضا لها ، وإنما يقطعها ليعيدها على أكمل الوجوه وذلك جائز كما يقطع الظهر إذا أقيمت الجمعة ، وكذلك إن قام إلى الثالثة ولم يقيدها بالسجدة عاد فقعد وسلم لكي لا [ ص: 175 ] تفوته فضيلة الجماعة ولا يسلم كما هو قائما ; لأن ما أتى به من القعدة كان سنة ، وقعدة الختم فرض فعليه أن يعود إلى القعدة ثم يسلم ليكون متنفلا بركعتين ، فإن قيد الثالثة بالسجدة مضى في صلاته ; لأنه أتى بأكثرها وللأكثر حكم الكمال ، فإذا فرغ منها دخل مع الإمام في الظهر والعشاء بنية النفل ; لأن التنفل بعدهما جائز ، ولو خرج من المسجد ربما توهم أنه ممن لا يرى الجماعة ، فلهذا دخل معه ، فأما في العصر لا يدخل ; لأن التنفل بعده مكروه كما بينا .

وعند الشافعي رضي الله تعالى عنه يدخل بناء على أصله في الصلاة التي لها سبب ، فإذا لم يدخل معه خرج من المسجد ; لأن في المكث تطول مخالفته للإمام ، وفي الخروج إنما يظهر مخالفته في لحظة فهو أولى ، ولم يذكر في الكتاب أنه إذا كان في الركعة الأولى ولم يقيدها بالسجدة كيف يصنع ، والصحيح أنه يقطعها ليدخل مع الإمام فيحرز به ثواب تكبيرة الافتتاح ; لأن ما دون الركعة ليس لها حكم الصلاة حتى إن من حلف أن لا يصلي لا يحنث على ما دون الركعة ألا ترى أنه من الركعة الثالثة يعود إذا لم يقيدها بالسجدة فكذلك في الركعة الأولى يقطعها ليدخل مع الإمام ، ( فأما في الفجر ، فإن كان صلى ركعة قطعها ) ; لأنه لو أدى ركعة أخرى تم فرضه وفاتته الجماعة ، فالأولى أن يقطعها ليعيدها على أكمل الوجوه ، ( وإن كان قيد الركعة الثانية بسجدة أتمها ) ; لأنه أدى أكثرها ثم إنه لا يدخل مع الإمام ; لأنه يكون متنفلا بعد الفجر وذلك مكروه ، والذي روي من حال الرجلين حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف صلاة الفجر كما روينا ، فقد ذكر أبو يوسف رحمه الله تعالى في الإملاء أن تلك الحادثة كانت في صلاة الظهر ، ولئن كانت في صلاة الفجر فقد كان في وقت لم ينههم عن صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ، ثم انتسخ بالنهي ، ( وأما المغرب ، فإن صلى ركعة قطعها ) ; لأنه لو أضاف إليها ركعة أخرى كان مؤديا أكثر الصلاة فلا يمكنه القطع بعد ذلك ، ولو قطع كان متنفلا بركعتين قبل المغرب وذلك منهي عنه ، فلهذا قطع صلاته ليعيدها على أكمل الوجوه ، وإن كان قيد الركعة الثانية بسجدة أتم صلاته ; لأنه قد أدى أكثرها ثم لا يدخل مع الإمام ، وذلك مروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، وإنما لا يدخل لا لأن التنفل بعد المغرب منهي عنه ، ولكن لأنه لو دخل معه فإما أن يسلم معه فيكون متنفلا بثلاث ركعات وهو غير مشروع ، أو يضيف إليها ركعة أخرى فيكون [ ص: 176 ] مخالفا لإمامه ، فلهذا لا يدخل معه ، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يدخل معه ، فإذا فرغ الإمام فصلى ركعة أخرى ليصير شفعا له ولا يبعد أن يقوم لإتمامه بعد فراغ الإمام كالمسبوق وهو بالشروع قد التزم ثلاث ركعات فكأنه التزمها بالنذر فيلزمه أربع ، وعندنا إن دخل فعل كما قال أبو يوسف رحمه الله تعالى ، وقال بشر المريسي يسلم مع الإمام ; لأن هذا التغير كان بحكم الاقتداء وذلك جائز كالمسبوق يدرك الإمام في القعدة يقعد معه وابتداء الصلاة لا يكون بالقعدة ، وجاز ذلك بحكم الاقتداء فهذا مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية