الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        أصحاب الاحتياجات الخاصة (رؤية تنموية)

        الدكتور / محمد مراح

        2- مبررات ودواعي إنشاء قناة فضائية متخصصة في الإعاقة وقضاياها:

        ينبغي أن نسجل بين يدي حديثنا عن هذه المبررات ندرة الدراسات الإعلامية الأكاديمية العربية في مجال الإعاقة، ففي دراسة تحليلية وصفية مسحية مقارنة بالدراسات الغربية في هذا المجال، تمحورت حول الدراسات التي اهتمت بذوي الاحتياجات الخاصة، والقضايا التي تناولتها الدراسات الإعلامية التي تعالج العلاقة بين ذوي الاحتياجات الخاصة ووسائل الإعلام خلال عشر سنوات، ما بين 1994-2004م [1] استخلص الباحث من مجمل الدراسات أن 80.3% منها كان باللغة الإنجليزية، و19.7% باللغة العربية، وأغلب الدراسات الأجنبية من الولايات المتحدة الأمريكية، وكل الدراسات العربية -إلا واحدة- تم تطبيقها ونشرها في مصر [2] ، مما يفيد المحدودية الكبيرة للدراسات العربية في هذا المجال [3] .

        وهذا الواقع يلقي على الباحثين الأكاديميين العرب مزيدا من مسؤولية تلمس الأسباب التي يمكن أن تدفع بالبحث النظري قدما نحو تكثيف [ ص: 94 ] البحوث الإعلامية الميدانية -خاصة- مما يسمح بإبراز الاحتياجات الإعلامية لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، وصياغة نظريات إعلامية تتلاءم مع واقعهم المحلي المعيش، وتوجيه التخطيط الإعلامي نحو الوسائل والرسائل الإعلامية المناسبة لهم.

        تتأكد ضرورة هذا الدور الإعلامي في المجتمع العربي، لانتمائه لدول العالم الثالث، الذي تصل فيه نسب الإعاقة إلى ما بين 8-15% من أفراد المجتمع [4] ، وهي النسبة التي -رغم ما تعانيه من قلة الدقة، لأسباب اجتماعية وقيمية- تجعل من ذوي الاحتياجات الخاصة طبقة اجتماعية مميزة، تحتاج إلى إفرادها بالرعاية والخدمات الإعلامية المتخصصة.

        وبناء عليه يمكن اعتبار ذلك المبرر الأول لدعوتنا إلى إعلام متخصص في الإعاقة، تتولى معظم أدائه قناة فضائية متخصصة في مضمونها وجمهورها.

        - أما المبرر الثاني فيندرج ضمن مبدأ ديمقراطية الاتصال، الذي يرتكز على ركائز: الحق في الاتصال؛ الانتفاع؛ المشاركة [5] . فهذا المبدأ يتيح للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة وجودا مميزا ضمن السياسة الإعلامية القائمة على مبدأ ديمقراطية الاتصال، وذلك على النحو الآتي: [ ص: 95 ]

        أ- بالنسبة لركيزة الحق في الاتصال، فهي تقتضي تلبية هذه الحاجة الإنسانية تبعا لتطور الوسائل الإعلامية التي تشبعها، وتعد "القنوات المتخصصة حلقة من حلقات التطور الطبيعي لوسائل الاتصال" [6] ، مما يتيح لذوي الاحتياجات الخاصة ممارسة هذا الحق على المستوى الإعلامي المتطور والمتخصص في المحتـوى والذي يبرز حاجاتـهم التي إذا اشتركوا في كثير منـها مع غيرهم فخصوصياتهم الناتجة عن أحوالهم الخاصة تستوجب الممارسة الإعلامية للحق في الاتصال عبر وسيلة إعلامية متخصصة في قضاياهم، متناسبة مع التطور الحاصل في وسائل الإعلام، والأكثر إقبالا عليها.

        وقد تضمنت الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في نوفمبر 1990م، في البند الرابع من المادة (32)، على: "تشجيع الدول الأطراف، بروح التعاون الدولي، تبادل المعلومات المناسبة في ميدان الرعاية الصحية الوقائية والعلاج الطبي والنفسي والوظيفي للأطفال المعوقين بما في ذلك نشر المعلومات المتعلقة بمناهج إعادة التأهيل والخدمات المهنية وإمكانية الوصول إليها، وذلك بغية تمكين الدول الأطراف من تحسين قدراتها ومهاراتها وتوسيع خبراتها في هذه المجالات، وتراعي بصفة خاصة في هذا الصدد احتياجات البلدان النامية". [ ص: 96 ]

        ومن الواضح أن هذه الخدمات وتبادل المعلومات لا يمكن أن يتحقق إلا عن "طريق شبكات الاتصال الدولي، والإنترنت، وأيضا الأقمار الصناعية" [7] ؛ وتندرج القناة الفضائية المتخصصة ضمن الوسائل الاتصالية الحديثة والفعالة في المساعدة على تحيق هذه الأهداف التي نصت عليها الاتفاقية في هذا الصدد.

        ب- الانتفاع: الذي يمنع استئثار فئة ما بوسيلة أو وسائل الاتصال دون غيرها [8] ، فإن من حق كل فئة أيضا أن تختار انتفاعها على وجه التخصص بوسيلة إعلامية مناسبة لتطور وسائل الاتصال، كما سبق القول.

        جـ- المشاركة: وهي بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة وقضاياهم يمكن أن تتحقق عن سبيلين هما:

        - إشراك فئات قادرة منهم في تحديد احتياجاتهم الإعلامية.

        - البحوث الإعلامية الميدانية وما يمكن أن تضطلع به من دور في مساعدة وتوجيه المخططين الإعلاميين في هذا الصدد، إذ "تعتبر بحوث الاتصال المتصلة بجماهير المتلقين، وتحري رغباتـهم واحتياجاتـهم ومتابعة، ما تتركه فيهم من آثار، وأخذ كل هذا في الاعتبار عند وضع السياسة التي [ ص: 97 ] تسير عليها القنوات المتخصصة، وصياغة ما تحمله من رسائل إعلامية، تعتبر شكلا غير مباشر من أشكال المشاركة الشعبية" [9] .

        وتوافقا مع هذا الاتجاه، ندرج المبرر الثالث، الذي أسفرت عنه نتائج دراسة ميدانية حول "الاحتياجات الإعلامية والثقافية للمعاقين من برامج التلفزيون" تناولت عينة عشوائية بلغت (400) مفردة من ذوي الاحتياجات الخاصة مختلفي الإعاقة، حركية وسمعية وبصرية وذهنية، من محافظتي القاهرة والجيزة، أفضت نتائجها إلى "رغبة المعاقين في الحصول على مزيد من الخدمات الإعلامية، ومنها تخصيص قناة تلفزيونية للمعاقين بنسبة 73.5 % (أي من مفردات العينة)، كما أظهرت علاقة ارتباطية بين هذه الرغبة ونوع إعاقة المبحوثين، حيث أبدى المعاقون سمعيا وبصريا ترحيبا أكبر بهذه القناة الخاصة بالمعاق، وذلك لأنهم سيجدون مزيدا من البرامج والخدمات التي تراعي توفير أساليب الاتصال الحديثة في التعامل معهم من خلال مواد هذه القناة " [10] .

        ونظرا للقوة العددية وارتفاع نسبة المطالبين بهذه القناة، جاء من بين توصيات البحث "الدعوة لإنشاء قناة خاصة بالمعاقين تتبنى مشاكلهم وتعرض إبداعاتهم وإنجازاتهم" [11] . [ ص: 98 ]

        وعلى الرغم من كون هذه الدراسة محدودة بمجـالها الجغرافي العربي، إلا أن التشابه في الأوضاع البيئية والثقافية، والتطلعات الثقافية والإعلامية لفئة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة في وطننا العربي، تسمح للباحث بالقول: إن النتائج نفسها يمكن أن تسفر عنها أي دراسة ميدانية في بيئة جغرافية وثقافية أخرى من هذا الوطن.

        وإذا كان للحـاجـات النفسية والذهنية العقلية والاجتماعية والاقتصادية لدى عينة الدراسـة المـذكورة دور كبير في الشعـور والدعوة لقناة تلفزيونية متخصصـة في الإعـاقة وقضـاياها، فإن المزاج العام لدى المتعرضـين لوسائل الإعلام المعـاصـر؛ ومنهم ذوي الاحتياجات الخاصة، قد يكون - وهو المبرر الرابع - متأثرا بالاتجاه العالمي للإعلام، كما عبر الرئيس المؤسس لقطاع النيل للقنوات المتخصصة "الذي ينحو إلى توجيه رسائل خاصة إلى جماهير بعينها طوال الوقت" [12] ، فسمة العصر التي تنحو بكل شيء وجهة التخصص، أضفت على الإعلام والقنوات التلفزية خاصية التخصص، إضافة إلى أهم مظاهر نتائج تطور تكنولوجيا الإعلام المتمثلة في القنوات الفضائية التي كادت ترتبط بظاهرة القنوات المتخصصة. [ ص: 99 ]

        - المبرر الخامس: إن من النتائج المترتبة على المبررين السابقين "الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة والرسائل الإعلامية المناسبة لهم، باعتبار أن القنوات المتخصصة الأكثر قدرة على التعامل معهم (إبراز أصلي)، فسواء كانت الإعاقة حسية أم ذهنية أم حركية فهي لا تستطيع في أي حال من الأحوال أن تطمس شخصية الفرد وتمنعه من إبراز مواهبه ومهاراته المتبقية إذا وجد العناية الخاصة لتنميتها وصقلها، ذلك أن المعاق طفلا أو كهلا هو مواطن له من الحقوق ما ضمنه دستور ونظام مجتمعه لكل الأفراد من تكافؤ الفرص المتاحة في الديمقراطية وحقوق الإنسان" [13] .

        ومن الواضح أنه كلما كانت القناة متخصصة كلما كان الوضع أكثر انسجاما مع مبدأ ديمقراطية الاتصال من جهة، وألصق بسمة العصر الإعلامية من جهة أخرى.

        - المبرر السادس: اعتماد ذوي الاحتياجات الخاصة بنسبة كبيرة جدا على التلفزيون في الحصول على المعلومات؛ فقد بلغت هذه النسبة - في دراسة متخصصة- 89.3% مما أعطاه التفوق المطلق على وسائل الإعلام الأخرى [14] ، وهم في هذه الخاصية لا يختلفون عن غيرهم، إذ يمثل التلفزيون بوصفه وسيلة بصرية سمعية نسبة 88 % في تحصيل المعرفة البشرية، حيث تقوم الصورة بدور كبير في الإدراك الحسي للمعلومات اللفظية التي [ ص: 100 ] تصاحبها [15] ، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف أنواع الإعاقات بطبيعة الحال بالنسبة للجانب البصري للتلفزيون للمعاقين بصريا.

        - المبرر السابع: بما أن الإعلام -خاصة التلفزيوني منه- صار صناعة وإنتاجا علميا يعتمد نتائج التجارب العلمية والبحوث الميدانية، فإن منتوجه من مضامين إعلامية وأداء القائمين على الاتصال أصبح يتسم بالترقي في مستويات الجودة، شكلا ومضمونا، وكلما ضاقت دائرة تخصصه تحددت مجالات البحوث العلمية الإعلامية فيه، وسمح التخصص "لهذه القنوات بتحقيق مستوى من الجودة يحقق مطلبا أساسيا من متطلبات المنافسة" [16] ؛ وحتى إذا استبعدنا جانب المنافسة من إنشاء قناة فضائية متخصصة في الإعاقة وقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن شرط الجودة يظل قائما، لتلازمه مع طبيعة الإعلام التلفزيوني الفضائي المتخصص المتطلع دائما إلى النجاح والتميز.

        - المبرر الثامن: تمثل التجربة الخليجية الاستثمارية في مجال الإعلام التلفزيوني الخاص والقنوات الفضائية الخاصة مبررا مهما في الإغراء بالاستثمار في قناة فضائية متخصصة في إعلام الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة، مما يضيف لرصيد هذه المنطقة المهمة من وطننا العربي سبقا إعلاميا آخر في الإعلام التلفزيوني الفضائي. [ ص: 101 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية