الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        - الإعلام الفضائي العربي والمسؤولية الأخلاقية تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة:

        نسجل ابتداء أن القنوات الفضائية العربية المقصودة والمؤهلة لحمل الرسائل الإعلامية للعمل الخيري هي: القنوات التابعة للقطاع (الهيئات) العمومي الحكومي، والتابعة للقطاع (الهيئات) الخاص، مع استبعاد قنوات المجون والخلاعة والغناء الهابط والتسلية الفارغة، وقنوات الشعوذة، والقنوات التجارية ذات الهدف الربحي التجاري البحت المنبتة الصلة بأية قيمة إنسانية غير مادية.

        وقد يكون من المناسب هنا ربط موضوعنا بالمسؤولية الأخلاقية الاجتماعية الملقاة على عاتق الإعلام العربي والتلفزيوني الفضائي منه تحديدا، تجاه المجتمع؛ لما له من التزامات أخلاقية تقتضيها المهنة والمواثيق الإعلامية من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإعلام العربي، الذي يعمل في هذه البيئة ملزم حضاريا ومهنيا بأن يتمثل القيم التي يدين بها الجمهور المستهدف والمخاطب بشتى رسائله الإعلامية، ولا نرى نوعا من الإعلام والقنوات الفضائية يحق له أن يتنصل أو يشذ عن هذا الإلزام، وأن ما نراه يبث من برامج وحصص وأعمال إعلامية وفنية تصادم هذا الأمر إنما هو شذوذ وخروج عن الميثاق الذي بمقتضاه تبث قناة تلفزيونية عربية برامجها، حتى وإن لم تنص القوانين والمواثيق والتراخيص الخاصة بالبث صراحة على ذلك، فنحن نرى أن [ ص: 113 ] الثوابت الأخلاقية والقيم الحاكمة في المجتمـع العربي لها من القوة والسلطان ما يفوق كل القوانين والمواثيق؛ لأنها من المفترض أن تستمد من تلك القيم والمبادئ والأخلاقيات.

        ومن أهم المسؤوليات الأخلاقية المنوطة بالإعلام الفضائي العربي إحياء الفضائل الأخلاقية الأصيلة في المجتمع العربي المسلم -في أغلبه- كالولاء للأسرة وطاعة الوالدين والطابع الإنساني، وأهمية التربية، وقيم الإتقان والاجتهاد [1] . والعمل الخيري لمصلحة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة مشمول في العمل الإنساني الذي هو من أوكد الواجبات الإنسانية والدينية.

        - احتياجات (ذوي الاحتياجات الخاصة) الإعلامية:

        تقتضى مبادئ المساواة الإنسانية والحق في التعبير والاختيار، التعرف على الاحتياجات الإعلامية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة؛ والخطوة الأولى في هذا الصدد سعي الإعلاميين والباحثين الأكاديميين والجهات العاملة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة للتعرف على تلك الاحتياجات؛ باعتبارها ضرورة ملحة لوسائل الإعلام من جهة، وللجمعيات والمؤسسات المهتمة بذوي الاحتياجات الخاصة واحتياجاتهم ورعايتهم من جهة أخرى، إذ أنهم يمثلون شريحة مهمة من الجماهير، لها خصائصها وسماتها المستقلة والتي تؤثر في طبيعة احتياجاتهم الإعلامية وطرق تعرضهم واستخدامهم للوسائل الإعلامية الجماهيرية. [ ص: 114 ]

        ومن هنا فإنه يتوجب على وسائل الإعلام التعرف على احتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة ودوافع تعرضهم ودرجة تعرضهم لرسائلها حتى تستطيع أن تلبي احتياجاتهم وتشبع رغباتهم من خلال إشراكهم في الاستفادة من برامجها العامة أو تخصيص برامج خاصة لهم [2] .

        ومثلما هو عليه الحال في الدول المتطورة فقد كشفت دراسات عربية علمية إعلامية عن جملة من احتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة من وسائل الإعلام، منها: - رغبة فئة منهم أن تقدم البرامج التلفزيونية مشاكلهم الحقيقية؛ فكان 71% منهم يرون البرامج التي تتناول قضايا الإعاقة والمعاقين في القنوات المصرية -مثلا- تقدم مشاكلهم الحقيقية، و17% لا يرونها كذلك، مما يفيد رغبة ذوي الاحتياجات الخاصة في تناول البرامج مزيدا من المشكلات والمعوقات التي يواجهونها [3] .

        أما عن حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة المشبعة من هذه البرامج، من خلال فقرات متنوعة، في مقدمتها الحاجة للتعليم والتدريب فجاءت كالآتي:

        - 27.8% ترى أن يتم الأمر من خلال أسلوب الدمج في المدارس العامة أو مدارس ومؤسسات التربية الخاصة. [ ص: 115 ]

        - الحاجة لوسائل ثقافية ومعرفية 23.1% ليكون ذوو الاحتياجات الخاصة على صلة بالمجتمع والعالم.

        - الحاجة للترفيه 22.4%.

        - الحاجة للتكيف والمشاركة الاجتماعية 5.3% لتوفير فرص الاحتكاك مع المجتمع والأقران.

        - الحاجة لتوفير مساعدات مادية 5.9%.

        - الحاجة لتوفير أجهزة تعويضية وللرعاية الطبية وإعادة التأهيل.

        وكذلك الحاجات التي يرون أن البرامج تؤدي إلى إشباعها، شملت الاحتياجات الآتية: مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة على التوافق نفسيا واجتماعيا بنسبة 38.5%؛ وتعريفه بالنماذج المشرفة من ذوي الاحتياجات الخاصة لرفع روحه المعنوية بنسبة 33.3%؛ وإعطاءه إرشادات لمواجهة احتياجاته الخاصة بنسبة 31.8% [4] .

        وتتقارب نتائج هذه الدراسـة مع دراسـة أخـرى أجريت على فئات من ذوي الاحتياجـات الخـاصة في الممـلكة العربية السعودية، حيث استهدفت الدراسـة التعرف على المجالات التي يفترض أن تركز عليها وسائل الإعلام بناء على وجهة نظر المبحوثين، وقد تم تصنيف المجالات إلى ستة أنواع، وتم ترتيبها حسب الأولوية من وجهة نظر المبحوثين، كما في الجدول الآتي: [ ص: 116 ]

        المجالات المتوسط الترتيب المعلومات والأخبار 4.71 1 المعرفة والثقافة والإطلاع 4.54 2 التسلية والترفيه 3.65 3 التفاعل الاجتماعي 3.64 4 تعزيز الثقة بالنفس 3.62 5 المساعدة في تحقيق الذات 3.51 6

        ويظهر من خلال قراءة بيانات الجدول أن المعلومات والأخبار جاءت في المرتبة الأولى من حيث الأهمية لدى أفراد العينة، أتى بعدها مباشرة المعرفة والثقافة والإطلاع بالمرتبة الثانية، ثم جاءت التسلية والترفيه عن النفس بالمرتبة الثالثة، ثم التفاعل الاجتماعي في المرتبة الرابعة، وجاء تعزيز الثقة بالنفس بالمرتبة الخامسة، ثم جاء في المرتبة الأخيرة المساعدة في تحقيق الذات [5] .

        وعن الفئات التي يرغب ذوو الاحتياجات الخاصة أن تستهـدفهم برامج التلفزيون: عبر مبحوثون من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة كما يأتي:

        - أفراد المجتمع بنسبة 47.8%، لتعرفهم معلومات عن الإعاقة وطبيعة المعاق والأسلوب الأنسب للتعامل معه.

        - الأسرة والأقارب 19.5%. [ ص: 117 ]

        - المسؤولين 14%، لمساعدتهم على حل مشاكلهم العديدة، وأخصائي التأهيل، والأصدقاء من ذوي الاحتياجات الخاصة [6] .

        ويلاحظ هنا حضور الحاجة لأعمال الخير، التي يمكن للإعلام أن يحملها للمجتمع من خلال ما عبروا عنه من احتياجات ورغبات، وتقييمهم لما يقدم عنهم ولهم في وسائل الإعلام. وأبرز هذه الاحتياجات التي تصنف ضمن العمل الخيري:

        - الحاجة لتوفير مساعدات مادية.

        - الحاجة لتوفير أجهزة تعويضية.

        - التعريف بالنمـاذج المشرفة من ذوي الاحتياجات الخاصة لرفع الروح المعنوية.

        - إرشادات لمواجهة الاحتياجات الخاصة لهم.

        - مخاطبة المسـؤولين للمساعدة على حل مشاكلهم، وأخصائيي التأهيل والأصدقاء.

        ورغم هذا فإن سعة مفهوم ومجال الخير والعمل الخيري في ديننا الإسلامي -الذي ننطلق من قيمه وأحكامه ومبادئه في موضوع بحثنا- تسمح لنا بإدراج احتياجات أخرى ضمن الرغبات المعبر عنها؛ كالتسلية والترفيـه، التفـاعل الاجتمـاعي، تعزيز الثقـة في النفس، المساعـدة على تحقيق الذات. [ ص: 118 ]

        والحاجة ماسة لمزيد من الدراسات للتعرف على احتياجات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من وسائل الإعلام مما يندرج ضمن العمل الخيري بمفهومه الإسلامي؛ على أن تتوسع على مستوى البلاد العربية، وتبحث إلى جانب ذوي الاحتياجات الخاصة أولياء أمورهم والجهات العاملة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة الجهات الأهلية، والتطوعية، والأخصائيين.

        - دور القنوات الفضائية في تنمية العمل الخيري لذوي الاحتياجات الخاصة:

        يمكن الاستناد في محاولة رسم الملامح العامة لآفاق واستراتيجية العمل الخيري الذي تقوم به القنوات الفضائية تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة إلى مؤيدات دافعة لهذا الدور، من أهمها:

        - العامل الديني (الشرعي الإسلامي) [7] : وفي الوقت الذي يعتقد فيه الناس أن هذه الفئة الاجتماعية (ذوي الاحتياجات الخاصة) هي التي في حاجة للفئات الاجتماعية السوية، تأتي مبادئ الإسلام الخلقية السامية لتجعل المجتمع برمته هو الذي في أشد الحاجة للفئة الضعيفة فيه، خاصة أثناء أصعب الفترات والظروف التي يمكن أن يمر بها، بل هو مدين لها حتى في استمرار وجوده؛ فعن مصعب بن سعد، رضي الله عنهما، قال: رأى سعد، رضي الله عنه، أن له فضلا على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ) [8] . [ ص: 119 ]

        فالضعفاء -بهذا- هم سبب استمرار الوجود المادي للمجتمع وسر قوته ومنعته وعزته في التصور الإسلامي، وبالتالي تصبح رعاية ومعاملة هذه الفئة -كسائر الضعفاء- قاعدة ذهبية وغاية اجتماعية يجند المجتمع برمته لتحقيقها، فترتفع معنويات ذوي الاحتياجات الخاصة، ويشعرون بمكانتهم المميزة في مجتمعهم [9] .

        ومن التطبيقات الفريدة في تاريخ الإنسانية لهذا المبدأ، الذي وعاه الصحابة الكرام، رضوان الله تعـالى عليهم، عن نبي البشرية والرحمة صلى الله عليه وسلم ، ما روي أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خرج في سواد الليل فرآه طلحة فذهب عمر فدخل بيتا ثم دخل بيتا آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا عجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني لما يصلحني ويخرج عني الأذى. قال طلحة ثكلتك أمك طلحة، أعثرات عمر تتبع [10] .

        إذا وعي الإعلاميون والجهات المالكة لتلك القنوات الفضائية هذا الموقف الإسلامي السامق لم يسعهم إلا أن يطوعوها لكل ما يخدم هذه الفئة، مصدر قوة المجتمع الإسلامي. [ ص: 120 ]

        - ما أثبتته الدراسات الميدانية من اتجاه إيجابي مجتمعيا نحو تقبل ذوي الاحتياجات الخاصة، باعتبارهم عنصرا لا يجب فصله عن قطاعات المجتمع [11] ، مما يسهل مهمة الإعلام الفضائي في تفعيل وتنمية العمل الخيري عموما؛ حيث تسهم وسائل الإعلام في حشد المؤسسات الخيرية العاملة في مجال خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة [12] .

        - الانخراط في التوجه العالمي لخدمة قضايا الإعاقة، ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة في مسار التنمية الإنسانية الشاملة، باعتبارهم جزءا أساسا من المجتمع، كامل الحقوق والمساواة مع غيرهم [13] .

        يقدر الباحث أن يكون دور القنوات الفضائية في تنمية العمل الخيري لذوي الاحتياجات الخاصة وفق استراتيجية إعلامية واضحة ومحددة، تدعو إلى توفير رعاية كاملة من كافة مؤسسات المجتمع، في ظل ما يمكن توفيره من قدرات في إطار التنوع الإعلامي الذي تشهده منطقتنا العربية [14] . [ ص: 121 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية