الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما إن أراد تقديم العصر إلى وقت الظهر فلا يصح له الجمع بينهما إلا بثلاث شرائط :

                                                                                                                                            أحدها : تقديم صلاة الظهر أولا ، ثم يفعل العصر بعدها لأن وقت الظهر ليس بوقت للعصر لا في الأداء ، ولا في القضاء ، وإنما تقديم العصر إلى وقت الظهر في الجمع تبعا لها ، فإن قدم العصر على الظهر أجزأته صلاة الظهر ، ولم تجزه صلاة العصر لأن بطلان الجمع يمنع من تقديم الصلاة على وقتها .

                                                                                                                                            والشرط الثاني : أن ينوي الجمع بينهما في الأولى منهما .

                                                                                                                                            وقال المزني : هذا الشرط غير معتبر والنية في الجمع غير واجبة ، وإنما يعتبر قرب الفصل بينهما ، قال : لأن السفر يرفع نية الجمع ، ويقطع حكم الصلاة فلم يكن لتقديم النية وجها يصح اعتباره ، قال : ولأن سجود السهو مع كونه جبرا للصلاة لو سها عن الإتيان به قبل السلام كان المعتبر فيه قرب الفصل ، ولم يفتقر إلى تقديم النية قبل السلام ، فلأن يكون ذلك في الجمع بين الصلاتين أولى .

                                                                                                                                            [ ص: 396 ] وهذا الذي قاله غلط : ونية الجمع في الصلاة الأولى واجبة ، والدلالة على ذلك هو أن الصلاتين المجموعتين في وقت إحداهما في حكم الصلاة الواحدة ، بدلالة أنه إذا طال الفصل بينهما لم يجز الجمع ، والصلاة الواحدة لا بد من وجود النية في ابتدائها ، ولأنه لما لم يجز تأخير الصلاة عن وقتها مع إمكان فعلها في الحال إلا بنية الجمع كان تقديم الصلاة عن وقتها مع تعذر فعلها أولى بإيجاب نية الجمع لها . وإن شئت حررت ذلك قياسا فقلت : لأنهما صلاتان مجموعتان في وقت إحداهما فوجب أن لا تصح إلا بنية الجمع .

                                                                                                                                            أصله : إذا جمع بينهما في وقت الثانية منهما .

                                                                                                                                            فأما ما ذكره من رفع نية الجمع ، وانقطاع حكم الصلاة بالخروج منها فدعوى غير مدلول عليها ، ولا موافق على صحتها ، إنما يكون كذلك إذا لم يتعقبها ما يتعلق بها أو يشاركها في حكمها ، ألا تراه لو نسي من أركانها ركنا من ركوع ، وسجود أتى به ، ولم يكن السلام رافعا لحكمه . كذلك أيضا لا يكون السلام رافعا لنية الجمع ، وأما سجود السهو فإنما لم يفتقر إلى النية : لأنه قد أتى بالنية مع الإحرام ، لأنه ينوي الصلاة بفروضها ، ومسنونها ، وسجود السهو يدل على المسنون ، فلم يفتقر إلى نية مجردة ، لأن نية الصلاة قد تضمنته ، وليس كذلك الجمع بين الصلاتين .

                                                                                                                                            فإذا تقرر أن نية الجمع في الصلاة واجبة ففي محلها قولان منصوصان :

                                                                                                                                            أحدهما : مع الإحرام ، فإن نوى الجمع بعد إحرامه لم يجزه لأن الرخصة المتعلقة بالصلاة في السفر رخصتان : قصر وجمع ، فلما لم تجزئه نية القصر إلا مع الإحرام لم تجز نية الجمع إلا مع الإحرام ، وتحريره قياسا أن يقول : لأنها رخصة متعلقة بالصلاة في السفر ، فافتقرت إلى النية مع الإحرام كالقصر ، ولأن الجمع جمعان ، جمع هو تأخير الأولى إلى الثانية ، وجمع هو تقديم الثانية إلى الأولى ، فلما وجبت نية أحد الجمعين مع التأخير اقتضى أن تجب نية الجمع الثاني مع التقديم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه إن نوى بعد إحرامه وقبل سلامه أجزأه ، لأن الجمع هو الضم والمتابعة ، ووقت الضم حال السلام ، فلما جاز أن ينوي الجمع في غير وقت الضم وهو وقت الإحرام ، كان يجزئه إذا نوى الجمع في وقت الضم ، وحين الفراغ أولى . ولا يلزم عليه إذا نوى بعد الفراغ من الأولى ، لأنه ليس بوقت الضم ليقضي الأولى بالفراغ منها ، فلا يكون جامعا بينهما ، فهذا توجيه القولين في محل النية .

                                                                                                                                            والشرط الثالث : الاتصال والموالاة من غير أن يتراخى فعل الثانية منهما عن فعل الأولى ليصح الضم ، والمتابعة ، وإن تراخى فعل الثانية ، أو تطاول ، أو تنفل بينهما ، أو أذن بطل الجمع ، وأجزأته الأولى ، ولم تجزه الثانية ، ووجب عليه تأخيرها إلى وقتها ، ولكن لو أقام بينهما [ ص: 397 ] جاز لأن الإقامة عمل يسير ، فلو كان متيمما وجب عليه طلب الماء بعد فراغه من الأولى ، فإن قرب عليه زمان الطلب جاز له الجمع ، وإن تطاول بطل الجمع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية