الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تكررت هذه الجملة فللمرأة حالان ، حال عورة ، وحال إباحة ، فأما حال الإباحة فمع زوجها فليس بينهما عورة وله النظر إلى سائر بدنها

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا هل له النظر إلى فرجها ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي عبد الله الزبيري : لا يجوز له النظر إلى فرجها ، ولا لها النظر إلى فرجه : لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله الناظر والمنظور إليه

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يجوز له النظر إلى فرجها ، ويجوز لها النظر إلى فرجه لقوله تعالى : هن لباس لكم وأنتم لباس لهن [ البقرة : 187 ] ، ولأنه قد استباح جملتها بعقد النكاح وفرجها هو المقصود بالاستمتاع فلم يجز أن يكون الاستمتاع به أقل من الاستمتاع بغيره ، ولو تنزه عن ذلك كان أولى

                                                                                                                                            وأما العورة فضربان صغرى وكبرى ، فأما الكبرى فجميع البدن إلا الوجه والكفان ، وأما الصغرى فما بين السرة والركبة وما يلزمها ستر هاتين العورتين من أجله على ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يلزمها ستر العورة الكبرى ، وذلك في ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : في الصلاة وقد مضى حكمها

                                                                                                                                            والثاني : مع الرجال الأجانب ، ولا فرق بين مسلمهم ، وكافرهم ، وحرهم ، وعبدهم ، وعفيفهم ، وفاسقهم ، وعاقلهم ، ومجنونهم في إيجاب ستر العورة الكبرى من جميعهم

                                                                                                                                            والثالث : مع الخناثى المشكلين ، لأن جملة المرأة عورة فلا يستباح النظر إلى بعضها بالشك

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما يلزمها ستر العورة الصغرى وذلك مع ثلاثة أصناف أحدها مع النساء كلهن ، ولا فرق بين البعيدة والقريبة ، والحرة والأمة ، والمسلمة والذمية

                                                                                                                                            [ ص: 171 ] والثاني : مع الرجال من ذوي محارمها كابنها ، وأبيها ، وأخيها ، وعمها من نسب أو رضاع

                                                                                                                                            والثالث : مع الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم ، ولا تحركت عليهم الشهوة

                                                                                                                                            والقسم الثالث : مختلف فيه وهم ثلاثة أصناف :

                                                                                                                                            أحدها : عبيدها المملوكون فاختلف أصحابنا في عورتها معهم على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : العورة الكبرى كالأجانب وبه قال أبو إسحاق المروزي ، وأبو سعيد الإصطخري لقوله تعالى : ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم [ النور : 58 ]

                                                                                                                                            والثاني : العورة الصغرى كذي الرحم وبه قال أبو علي بن أبي هريرة ، وقد حكي نحوه عن أبي العباس لقوله تعالى : ما ملكت أيمانهن [ النور : 31 ]

                                                                                                                                            والثالث : وهو تقريب أنها تبرز إليهم وهي فضل بارزة الذراعين والساقين ، لكن لم يختلف أصحابنا أنه لا يلزمهم الاستئذان إلا في وقت مخصوص بخلاف الحر ، فأما عبدها الذي نصفه حر ونصفه مملوك فعليها ستر عورتها الكبرى منه لا يختلف أصحابنا فيه

                                                                                                                                            والصنف الثاني : الشيوخ المسنون الذين قد عدموا الشهوة وفارقوا اللذة ففي عورتها معهم وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : الكبرى كالرجال الأجانب

                                                                                                                                            والثاني : الصغرى كالصبيان

                                                                                                                                            والصنف الثالث : المجبوبون دون المخصيين ففي عورتها معهم وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : الكبرى كغيرهم من الرجال

                                                                                                                                            والثاني : الصغرى كالصبيان لقوله تعالى : غير أولي الإربة من الرجال فأما العنين والمأيوس من جماعة كالخصي والمؤنث المتشبه بالنساء فكل هؤلاء كغيرهم من الرجال في حكم العورة منهم ولهم

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية