[ ص: 469 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنعام
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28977ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ، في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1يعدلون [ 6 \ 1 ] ، وجهان للعلماء :
أحدهما : أنه من العدول عن الشيء بمعنى الانحراف ، والميل عنه ، وعلى هذا فقوله : بربهم متعلق بقوله : كفروا ، وعليه فالمعنى : إن الذين كفروا بربهم يميلون وينحرفون عن طريق الحق إلى الكفر والضلال ، وقيل على هذا الوجه : إن " الباء " بمعنى " عن " أي : يعدلون عن ربهم ، فلا يتوجهون إليه بطاعة ، ولا إيمان .
والثاني : أن " الباء " متعلقة بيعدلون ، ومعنى يعدلون يجعلون له نظيرا في العبادة ، من قول العرب : عدلت فلانا بفلان إذا جعلته له نظيرا وعديلا ، ومنه قول
جرير : [ الوافر ]
أثعلبة الفوارس أم رياحا عدلت بهم طهية والخشابا
يعني أجعلت طهية والخشاب نظراء وأمثالا
لبني ثعلبة وبني رياح ، وهذا الوجه الأخير يدل له القرآن ، كقوله تعالى ، عن الكفار الذين عدلوا به غيره :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97تالله إن كنا لفي ضلال مبين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إذ نسويكم برب العالمين [ 26 \ 97 ، 98 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله [ 2 \ 165 ] ، وأشار تعالى في آيات كثيرة إلى أن الكفار ساووا بين المخلوق والخالق ، قبحهم الله تعالى ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار [ 13 \ 16 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون [ 16 \ 17 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء الآية [ 30 \ 28 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، وعدل الشيء في اللغة مثله ونظيره ، قال بعض علماء العربية : إذا كان من جنسه ، فهو عدل بكسر العين ، وإذا كان من غير جنسه ، فهو عدل بفتح العين ، ومن الأول قول مهلهل : [ الوافر ]
[ ص: 470 ] على أن ليس عدلا من كليب إذا برزت مخبأة الخدور
على أن ليس عدلا من كليب إذا اضطرب العضاه من الدبور
على أن ليس عدلا من كليب غداة بلابل الأمر الكبير
يعني أن القتلى الذين قتلهم من
بكر بن وائل بأخيه
كليب الذي قتله
جساس بن مرة البكري لا يكافئونه ، ولا يعادلونه في الشرف .
ومن الثاني قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95أو عدل ذلك صياما [ 5 \ 95 ] ; لأن المراد نظير الإطعام من الصيام ، وليس من جنسه ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=70وإن تعدل كل عدل [ 6 \ 70 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=123ولا يقبل منها عدل [ 2 \ 123 ] ، والعدل : الفداء ، لأنه كأنه قيمة معادلة للفدى تؤخذ بدله ، قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم الآية [ 6 \ 3 ] ، في هذه الآية الكريمة ثلاثة أوجه للعلماء من التفسير ، وكل واحد منها له مصداق في كتاب الله تعالى :
الأول : أن المعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وهو الله في السماوات وفي الأرض ، أي : وهو الإله المعبود في السماوات والأرض ; لأنه جل وعلا هو المعبود وحده بحق في الأرض والسماء ، وعلى هذا فجملة يعلم حال ، أو خبر ، وهذا المعنى يبينه ويشهد له قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله [ 43 \ 84 ] ، أي : وهو المعبود في السماء والأرض بحق ، ولا عبرة بعبادة الكافرين غيره ; لأنها وبال عليهم يخلدون بها في النار الخلود الأبدي ، ومعبوداتهم ليست شركاء لله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان [ 53 \ 23 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون [ 10 \ 66 ] .
وهذا القول في الآية أظهر الأقوال ، واختاره
القرطبي .
الوجه الثاني : أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3في السماوات وفي الأرض [ 6 \ 3 ] ، يتعلق بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3يعلم سركم ، أي : وهو الله يعلم سركم في السماوات وفي الأرض ; ويبين هذا القول ويشهد له قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض الآية [ 25 \ 6 ] .
قال
النحاس : وهذا القول من أحسن ما قيل في الآية ، نقله عنه
القرطبي .
[ ص: 471 ] الوجه الثالث : وهو اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، أن الوقف تام على قوله في : السماوات ، وقوله : وفي الأرض يتعلق بما بعده ، أي يعلم سركم وجهركم في الأرض ، ومعنى هذا القول : أنه جل وعلا مستو على عرشه فوق جميع خلقه ، مع أنه
nindex.php?page=treesubj&link=28781يعلم سر أهل الأرض وجهرهم ، لا يخفى عليه شيء من ذلك .
ويبين هذا القول ، ويشهد له قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=17أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا الآية [ 67 \ 16 ، 17 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى [ 20 \ 5 ] ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وهو معكم أين ما كنتم [ 57 \ 4 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=7فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين [ 7 \ 7 ] ، وسيأتي إن شاء الله تحقيق هذا المقام بإيضاح في سورة " الأعراف " ، واعلم أن ما يزعمه
الجهمية من أن الله تعالى في كل مكان ، مستدلين بهذه الآية على أنه في الأرض ، ضلال مبين ، وجهل بالله تعالى ; لأن جميع الأمكنة الموجودة أحقر وأصغر من أن يحل في شيء منها رب السماوات والأرض ، الذي هو أعظم من كل شيء ، وأعلى من كل شيء ، محيط بكل شيء ، ولا يحيط به شيء ، فالسماوات والأرض في يده - جل وعلا - أصغر من حبة خردل في يد أحدنا ، وله المثل الأعلى ، فلو كانت حبة خردل في يد رجل فهل يمكن أن يقال : إنه حال فيها ، أو في كل جزء من أجزائها ، لا وكلا ، هي أصغر وأحقر من ذلك ، فإذا علمت ذلك ، فاعلم أن رب السماوات والأرض أكبر من كل شيء ، وأعظم من كل شيء ، محيط بكل شيء ، ولا يحيط به شيء ، ولا يكون فوقه شيء :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين [ 34 \ 3 ] ، سبحانه وتعالى علوا كبيرا لا نحصي ثناء عليه ، هو كما أثنى على نفسه :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=110يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما [ 20 \ 110 ] .
[ ص: 469 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الْأَنْعَامِ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28977ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1يَعْدِلُونَ [ 6 \ 1 ] ، وَجْهَانِ لِلْعُلَمَاءِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مِنَ الْعُدُولِ عَنِ الشَّيْءِ بِمَعْنَى الِانْحِرَافِ ، وَالْمَيْلِ عَنْهُ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : بِرَبِّهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ : كَفَرُوا ، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَمِيلُونَ وَيَنْحَرِفُونَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ إِلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ ، وَقِيلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ : إِنَّ " الْبَاءَ " بِمَعْنَى " عَنْ " أَيْ : يَعْدِلُونَ عَنْ رَبِّهِمْ ، فَلَا يَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِ بِطَاعَةٍ ، وَلَا إِيمَانٍ .
وَالثَّانِي : أَنْ " الْبَاءَ " مُتَعَلِّقَةٌ بِيَعْدِلُونَ ، وَمَعْنَى يَعْدِلُونَ يَجْعَلُونَ لَهُ نَظِيرًا فِي الْعِبَادَةِ ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ : عَدَلْتُ فُلَانًا بِفُلَانٍ إِذَا جَعَلْتُهُ لَهُ نَظِيرًا وَعَدِيلًا ، وَمِنْهُ قَوْلُ
جَرِيرٍ : [ الْوَافِرُ ]
أَثَعْلَبَةَ الْفَوَارِسِ أَمْ رِيَاحًا عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ وَالْخِشَابَا
يَعْنِي أَجَعَلْتَ طُهَيَّةَ وَالْخِشَابَ نُظَرَاءَ وَأَمْثَالًا
لِبَنِي ثَعْلَبَةَ وَبَنِي رِيَاحٍ ، وَهَذَا الْوَجْهُ الْأَخِيرُ يَدُلُّ لَهُ الْقُرْآنُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ، عَنِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ عَدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [ 26 \ 97 ، 98 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [ 2 \ 165 ] ، وَأَشَارَ تَعَالَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ إِلَى أَنَّ الْكُفَّارَ سَاوَوْا بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْخَالِقِ ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [ 13 \ 16 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [ 16 \ 17 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ الْآيَةَ [ 30 \ 28 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَعِدْلُ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ مِثْلُهُ وَنَظِيرُهُ ، قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ : إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ ، فَهُوَ عِدْلٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، فَهُوَ عَدْلٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ ، وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُ مُهَلْهِلٍ : [ الْوَافِرُ ]
[ ص: 470 ] عَلَى أَنْ لَيْسَ عِدْلًا مِنْ كُلَيْبٍ إِذَا بَرَزَتْ مُخَبَّأَةُ الْخُدُورِ
عَلَى أَنْ لَيْسَ عِدْلًا مِنْ كُلَيْبٍ إِذَا اضْطَرَبَ الْعِضَاهُ مِنَ الدَّبُورِ
عَلَى أَنْ لَيْسَ عِدْلًا مِنْ كُلَيْبٍ غَدَاةَ بَلَابِلِ الْأَمْرِ الْكَبِيرِ
يَعْنِي أَنَّ الْقَتْلَى الَّذِينَ قَتَلَهُمْ مِنْ
بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ بِأَخِيهِ
كُلَيْبٍ الَّذِي قَتَلَهُ
جَسَّاسُ بْنُ مُرَّةَ الْبَكْرِيِّ لَا يُكَافِئُونَهُ ، وَلَا يُعَادِلُونَهُ فِي الشَّرَفِ .
وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [ 5 \ 95 ] ; لِأَنَّ الْمُرَادَ نَظِيرُ الْإِطْعَامِ مِنَ الصِّيَامِ ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=70وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ [ 6 \ 70 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=123وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ [ 2 \ 123 ] ، وَالْعَدْلُ : الْفِدَاءُ ، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قِيمَةٌ مُعَادَلَةٌ لِلْفِدَى تُؤْخَذُ بَدَلَهُ ، قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ الْآيَةَ [ 6 \ 3 ] ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِلْعُلَمَاءِ مِنَ التَّفْسِيرِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَهُ مِصْدَاقٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ، أَيْ : وَهُوَ الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ; لِأَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا هُوَ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ بِحَقٍّ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ ، وَعَلَى هَذَا فَجُمْلَةُ يَعْلَمُ حَالٌ ، أَوْ خَبَرٌ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُبَيِّنُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=84وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ [ 43 \ 84 ] ، أَيْ : وَهُوَ الْمَعْبُودُ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِحَقٍّ ، وَلَا عِبْرَةَ بِعِبَادَةِ الْكَافِرِينَ غَيْرَهُ ; لِأَنَّهَا وَبَالٌ عَلَيْهِمْ يَخْلُدُونَ بِهَا فِي النَّارِ الْخُلُودَ الْأَبَدِيَّ ، وَمَعْبُودَاتُهُمْ لَيْسَتْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=23إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [ 53 \ 23 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [ 10 \ 66 ] .
وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْآيَةِ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ ، وَاخْتَارَهُ
الْقُرْطُبِيُّ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ [ 6 \ 3 ] ، يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=3يَعْلَمُ سِرَّكُمْ ، أَيْ : وَهُوَ اللَّهُ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ; وَيُبَيِّنُ هَذَا الْقَوْلَ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ [ 25 \ 6 ] .
قَالَ
النَّحَّاسُ : وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ ، نَقَلَهُ عَنْهُ
الْقُرْطُبِيُّ .
[ ص: 471 ] الْوَجْهُ الثَّالِثُ : وَهُوَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ ، أَنَّ الْوَقْفَ تَامٌّ عَلَى قَوْلِهِ فِي : السَّمَاوَاتِ ، وَقَوْلُهُ : وَفِي الْأَرْضِ يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَهُ ، أَيْ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ فِي الْأَرْضِ ، وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ : أَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ ، مَعَ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28781يَعْلَمُ سِرَّ أَهْلِ الْأَرْضِ وَجَهْرَهُمْ ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ .
وَيُبَيِّنُ هَذَا الْقَوْلَ ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=17أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا الْآيَةَ [ 67 \ 16 ، 17 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ 20 \ 5 ] ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=4وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [ 57 \ 4 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=7فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [ 7 \ 7 ] ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ بِإِيضَاحٍ فِي سُورَةِ " الْأَعْرَافِ " ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَزْعُمُهُ
الْجَهْمِيَّةُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ ، مُسْتَدِلِّينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْأَرْضِ ، ضَلَالٌ مُبِينٌ ، وَجَهْلٌ بِاللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَمْكِنَةِ الْمَوْجُودَةِ أَحْقَرُ وَأَصْغَرُ مِنْ أَنْ يَحِلَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَأَعْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ ، فَالسَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي يَدِهِ - جَلَّ وَعَلَا - أَصْغَرُ مِنْ حَبَّةِ خَرْدَلٍ فِي يَدِ أَحَدِنَا ، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ، فَلَوْ كَانَتْ حَبَّةُ خَرْدَلٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ حَالٌ فِيهَا ، أَوْ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا ، لَا وَكَلَّا ، هِيَ أَصْغَرُ وَأَحْقَرُ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ ، فَاعْلَمْ أَنَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَأَعْظَمُ مَنْ كُلِّ شَيْءٍ ، مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ ، وَلَا يَكُونُ فَوْقَهُ شَيْءٌ :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [ 34 \ 3 ] ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ ، هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=110يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [ 20 \ 110 ] .