الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأما الذي يعيش في البر من حيوان البحر فأصح الأقوال فيه وهو المنصوص عن الشافعي في " الأم " و " مختصر المزني " ، واختلاف العراقيين : أن ميتته كله حلال ; للأدلة التي قدمنا آنفا ، ومقابله قولان : أحدهما : منع ميتة البحري الذي يعيش في البر مطلقا .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : التفصيل بين ما يؤكل نظيره في البر ، كالبقرة والشاة فتباح ميتة البحري منه ، وبين ما لا يؤكل نظيره في البر كالخنزير والكلب فتحرم ميتة البحري منه ، ولا يخفى أن حجة الأول أظهر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " الحل ميتته " وقوله تعالى : ( وطعامه ) كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما مذهب الإمام أحمد - رحمه الله - فهو أن كل ما لا يعيش إلا في الماء فميتته حلال ، والطافي منه وغيره سواء ، وأما ما يعيش في البر من حيوان البحر فميتته عنده حرام ، فلا بد من ذكاته إلا ما لا دم فيه ، كالسرطان فإنه يباح عنده من غير ذكاة ، واحتج لعدم إباحة ميتة ما يعيش في البر ; بأنه حيوان يعيش في البر له نفس سائلة فلم يبح بغير ذكاة ، كالطير . وحمل الأدلة التي ذكرنا على خصوص ما لا يعيش إلا في البحر . ا ه .

                                                                                                                                                                                                                                      وكلب الماء عنده إذا ذكي حلال ، ولا يخفى أن تخصيص الأدلة العامة يحتاج [ ص: 52 ] إلى نص ، فمذهب مالك والشافعي أظهر دليلا ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      ومذهب الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - أن كل ما يعيش في البر لا يؤكل البحري منه أصلا ; لأنه مستخبث ، وأما ما لا يعيش إلا في البحر وهو الحوت بأنواعه فميتته عنده حلال ، إلا إذا مات حتف أنفه في البحر وطفا على وجه الماء ، فإنه يكره أكله عنده ، فما قتله إنسان ، أو حسر عنه البحر فمات ؛ حلال عنده ، بخلاف الطافي على وجه الماء ، وحجته فيما يعيش في البر منه : أنه مستخبث ، والله تعالى يقول : ( ويحرم عليهم الخبائث ) [ 7 \ 157 ] وحجته في كراهة السمك الطافي ما رواه أبو داود في " سننه " : حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي ، حدثنا إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه ، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه " ا ه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو داود : روى هذا الحديث سفيان الثوري ، وأيوب ، وحماد ، عن أبي الزبير أوقفوه على جابر . وقد أسند هذا الحديث أيضا من وجه ضعيف ، عن ابن أبي ذئب ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . ا ه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأجاب الجمهور عن الاحتجاج الأول بأن ألفاظ النصوص عامة في ميتة البحر ، وأن تخصيص النص العام لا بد له من دليل من كتاب أو سنة يدل على التخصيص ، كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      ومطلق ادعاء أنه خبيث لا يرد به عموم الأدلة الصريحة في عموم ميتة البحر ، وعن الاحتجاج الثاني بتضعيف حديث جابر المذكور .

                                                                                                                                                                                                                                      قال النووي في " شرح المهذب " ما نصه : وأما الجواب عن حديث جابر الذي احتج به الأولون ، فهو أنه حديث ضعيف باتفاق الحفاظ ، لا يجوز الاحتجاج به لو لم يعارضه شيء ، فكيف وهو معارض بما ذكرناه من دلائل الكتاب والسنة ، وأقاويل الصحابة - رضي الله عنهم - المنتشرة ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الحديث من رواية يحيى بن سليم الطائفي ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير ، عن جابر .

                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي : يحيى بن سليم الطائفي كثير الوهم سيئ الحفظ ، قال : وقد رواه [ ص: 53 ] غيره ، عن إسماعيل بن أمية موقوفا على جابر قال : وقال الترمذي : سألت البخاري عن هذا الحديث ، فقال : ليس هو بمحفوظ ، ويروى عن جابر خلافه قال : ولا أعرف لأثر ابن أمية ، عن أبي الزبير شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي : وقد رواه أيضا يحيى بن أبي أنيسة ، عن أبي الزبير مرفوعا ، ويحيى بن أبي أنيسة متروك لا يحتج به ، قال : ورواه عبد العزيز بن عبيد الله ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر مرفوعا ، وعبد العزيز ضعيف لا يحتج به ، قال : ورواه بقية بن الوليد ، عن الأوزاعي ، عن أبي الزبير ، عن جابر مرفوعا ، ولا يحتج بما ينفرد به بقية ، فكيف بما يخالف ؟ قال : وقول الجماعة من الصحابة على خلاف قول جابر مع ما رويناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في البحر : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ا ه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي في " السنن الكبرى " في باب " من كره أكل الطافي " ما نصه : أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه ، أنبأنا علي بن عمر الحافظ ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن فيروز ، حدثنا محمد بن إسماعيل الحساني ، حدثنا ابن نمير ، حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن أبي الزبير ، عن جابر - رضي الله عنه - أنه كان يقول : " ما ضرب به البحر ، أو جزر عنه ، أو صيد فيه فكل ، وما مات فيه ، ثم طفا فلا تأكل " وبمعناه رواه أبو أيوب السختياني ، وابن جريج ، وزهير بن معاوية ، وحماد بن سلمة ، وغيرهم عن أبي الزبير ، عن جابر موقوفا ، وعبد الرزاق وعبد الله بن الوليد العدني ، وأبو عاصم ، ومؤمل بن إسماعيل ، وغيرهم عن سفيان الثوري موقوفا ، وخالفهم أبو أحمد الزبيري فرواه عن الثوري مرفوعا وهو واهم فيه ، أخبرنا أبو الحسن بن عبدان ، أنبأ سليمان بن أحمد اللخمي ، حدثنا علي بن إسحاق الأصبهاني ، حدثنا نصر بن علي ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا طفا السمك على الماء فلا تأكله ، وإذا جزر عنه البحر فكله ، وما كان على حافته فكله " قال سليمان : لم يرفع هذا الحديث عن سفيان إلا أبو أحمد ، ثم ذكر البيهقي بعد هذا الكلام حديث أبي داود الذي قدمنا ، والكلام الذي نقلناه عن النووي .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده - عفا الله عنه - فتحصل : أن حديث جابر في النهي عن أكل السمك الطافي ذهب كثير من العلماء إلى تضعيفه وعدم الاحتجاج به . وحكى النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه كما قدمنا عنه ، وحكموا بأن وقفه على جابر أثبت . وإذن فهو قول صحابي معارض بأقوال جماعة من الصحابة منهم : أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - [ ص: 54 ] وبالآية والحديث المتقدمين . وقد يظهر للناظر أن صناعة علم الحديث والأصول لا تقتضي الحكم برد حديث جابر المذكور ; لأن رفعه جاء من طرق متعددة وبعضها صحيح ، فرواية أبي داود له مرفوعا التي قدمنا ضعفوها بأن في إسنادها يحيى بن سليم الطائفي ، وأنه سيئ الحفظ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد رواه غيره مرفوعا مع أن يحيى بن سليم المذكور من رجال البخاري ومسلم في " صحيحيهما " ، ورواية أبي أحمد الزبيري له عن الثوري مرفوعا عند البيهقي والدارقطني ، ضعفوها بأنه واهم فيها ، قالوا : خالفه فيها وكيع وغيره ، فرووه عن الثوري موقوفا .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعلوم أن أبا أحمد الزبيري المذكور وهو محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي ثقة ثبت ، وإن قال ابن حجر في " التقريب " : إنه قد يخطئ في حديث الثوري فهاتان الروايتان برفعه تعضدان برواية بقية بن الوليد له مرفوعا عند البيهقي وغيره ، وبقية المذكور من رجال مسلم في " صحيحه " وإن تكلم فيه كثير من العلماء . ويعتضد ذلك أيضا برواية عبد العزيز بن عبيد الله له ، عن وهب بن كيسان ، عن أبي الزبير ، عن جابر مرفوعا .

                                                                                                                                                                                                                                      ورواية يحيى بن أبي أنيسة له ، عن أبي الزبير ، عن جابر مرفوعا ، وإن كان عبد العزيز بن عبيد الله ، ويحيى بن أبي أنيسة المذكوران ضعيفين ؛ لاعتضاد روايتهما برواية الثقة ، ويعتضد ذلك أيضا برواية ابن أبي ذئب له ، عن أبي الزبير ، عن جابر مرفوعا عند الترمذي وغيره ، فالظاهر أنه لا ينبغي أن يحكم على حديث جابر المذكور بأنه غير ثابت ; لما رأيت من طرق الرفع التي روي بها وبعضها صحيح ، كرواية أبي أحمد المذكورة ، والرفع زيادة ، وزيادة العدل مقبولة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال في " مراقي السعود " : [ الرجز ]

                                                                                                                                                                                                                                      والرفع والوصل وزيد اللفظ مقبولة عند إمام الحفظ

                                                                                                                                                                                                                                      إلخ . . . نعم لقائل أن يقول : هو معارض بما هو أقوى منه ; لأن عموم قوله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم في البحر : " هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته " أقوى من حديث جابر هذا ، ويؤيد ذلك اعتضاده بالقياس ; لأنه لا فرق في القياس بين الطافي وغيره . وقد يجاب عن هذا بأنه لا يتعارض عام وخاص ، [ ص: 55 ] وحديث جابر في خصوص الطافي فهو مخصص لعموم أدلة الإباحة .

                                                                                                                                                                                                                                      فالدليل على كراهة أكل السمك الطافي لا يخلو من بعض قوة ، والله تعالى أعلم . والمراد بالسمك الطافي هو الذي يموت في البحر ، فيطفو على وجه الماء وكل ما علا على وجه الماء ، ولم يرسب فيه تسميه العرب طافيا . ومن ذلك قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه : [ الوافر ]


                                                                                                                                                                                                                                      وأن العرش فوق الماء طاف     وفوق العرش رب العالمين



                                                                                                                                                                                                                                      ويحكى في نوادر المجانين أن مجنونا مر به جماعة من بني راسب ، وجماعة من بني طفاوة يختصمون في غلام ، فقال لهم المجنون : ألقوا الغلام في البحر فإن رسب فيه فهو من بني راسب ، وإن طفا على وجهه فهو من بني طفاوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري في " صحيحه " باب قول الله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ) [ 5 \ 96 ] . قال عمر : صيده ما اصطيد ، وطعامه ما رمى به .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو بكر : الطافي حلال ، وقال ابن عباس : طعامه ميتته إلا ما قذرت منها ، والجري لا تأكله اليهود ونحن نأكله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال شريح صاحب النبي صلى الله عليه وسلم : كل شيء في البحر مذبوح ، وقال عطاء : أما الطير فأرى أن نذبحه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن جريج : قلت لعطاء : صيد الأنهار وقلات السيل أصيد بحر هو ؟ قال : نعم ، ثم تلا : ( هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا ) [ 35 \ 12 ] وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء . وقال الشعبي : لو أن أهلي أكلوا الضفادع لأطعمتهم . ولم ير الحسن بالسلحفاة بأسا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس : كل من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي . وقال أبو الدرداء في المري : ذبح الخمر النينان والشمس . انتهى من البخاري بلفظه . ومعلوم أن البخاري - رحمه الله - لا يعلق بصيغة الجزم إلا ما كان صحيحا ثابتا عنده .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " في الكلام على هذه المعلقات التي ذكرها البخاري ما نصه : قوله : قال عمر - هو ابن الخطاب - " صيده " ما اصطيد ، و " طعامه " ما رمى به . وصله المصنف في " التاريخ " وعبد بن حميد من طريق [ ص: 56 ] عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : لما قدمت البحرين سألني أهلها عما قذف البحر ؟ فأمرتهم أن يأكلوه ، فلما قدمت على عمر فذكر قصة قال : فقال عمر : قال الله تعالى في كتابه : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه ) [ 5 \ 96 ] فصيده : ما صيد ، وطعامه : ما قذف به . قوله : وقال أبو بكر - هو الصديق - : الطافي حلال ، وصله أبو بكر بن أبي شيبة ، والطحاوي والدارقطني من رواية عبد الملك بن أبي بشير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أشهد على أبي بكر أنه قال : السمكة الطافية حلال . زاد الطحاوي : لمن أراد أكله ، وأخرجه الدارقطني ، وكذا عبد بن حميد ، والطبري منها . وفي بعضها أشهد على أبي بكر أنه أكل السمك الطافي على الماء ، وللدارقطني من وجه آخر ، عن ابن عباس ، عن أبي بكر : أن الله ذبح لكم ما في البحر فكلوه كله فإنه ذكي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وقال ابن عباس : طعامه ميتته إلا ما قذرت منها ، وصله الطبري من طريق أبي بكر بن حفص ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه ) ، قال طعامه : ميتته . وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر ، عن ابن عباس وذكر صيد البحر : لا تأكل منه طافيا ، في سنده الأجلح وهو لين ، ويوهنه حديث ابن عباس الماضي قبله ، قوله : والجري لا تأكله اليهود ونحن نأكله ، وصله عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه سئل عن الجري فقال : لا بأس به ، إنما هو شيء كرهته اليهود . وأخرجه ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن الثوري به ، وقال في روايته : سألت ابن عباس عن الجري ، فقال : لا بأس به ; إنما تحرمه اليهود ونحن نأكله ، وهذا على شرط الصحيح . وأخرج عن علي وطائفة نحوه . والجري بفتح الجيم قال ابن التين : وفي نسخة بالكسر ، وهو ضبط الصحاح ، وكسر الراء الثقيلة قال : ويقال له أيضا : الجريت وهو ما لا قشر له .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن حبيب من المالكية : إنما أكرهه ; لأنه يقال : إنه من الممسوخ . وقال الأزهري : الجريت نوع من السمك يشبه الحيات . وقيل : سمك لا قشر له ، ويقال له أيضا : المرماهي ، والسلور مثله . وقال الخطابي : هو ضرب من السمك يشبه الحيات ، وقال غيره : نوع عريض الوسط ، دقيق الطرفين . قوله : وقال شريح صاحب النبي صلى الله عليه وسلم : كل شيء في البحر مذبوح ، وقال عطاء : أما الطير فأرى أن تذبحه ، وصله المصنف في " التاريخ " وابن منده في [ ص: 57 ] " المعرفة " من رواية ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، وأبي الزبير أنهما سمعا شريحا صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : كل شيء في البحر مذبوح . قال : فذكرت ذلك لعطاء . فقال : أما الطير فأرى أن تذبحه ، وأخرجه الدارقطني وأبو نعيم في " الصحابة " مرفوعا من حديث شريح ، والموقوف أصح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرجه ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار ، سمعت شيخا كبيرا يحلف بالله ما في البحر دابة إلا قد ذبحها الله لبني آدم ، وأخرج الدارقطني من حديث عبد الله بن سرجس رفعه : " أن الله قد ذبح كل ما في البحر لبني آدم " وفي سنده ضعف ، والطبراني من حديث ابن عمر رفعه نحوه ، وسنده ضعيف أيضا ، وأخرج عبد الرزاق بسندين جيدين عن عمر ، ثم عن علي : الحوت ذكي كله ، قوله ، وقال ابن جريج : قلت لعطاء : صيد الأنهار وقلات السيل أصيد بحر هو ؟ قال : نعم ، ثم تلا : ( هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا ) [ 35 \ 12 ] ، وصله عبد الرزاق في " التفسير " عن ابن جريج بهذا سواء ، وأخرجه الفاكهي في كتاب " مكة " من رواية عبد المجيد بن أبي رواد ، عن ابن جريج أتم من هذا ، وفيه : وسألته عن حيتان بركة القشيري - وهي بئر عظيمة في الحرم - أتصاد ؟ قال : نعم ، وسألته عن ابن الماء وأشباهه أصيد بحر أم صيد بر ؟ فقال : حيث يكون أكثر فهو صيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقلات : بكسر القاف وتخفيف اللام وآخره مثناة ، ووقع في رواية الأصيلي مثلثة . والصواب الأول : جمع قلت بفتح أوله مثل : بحر وبحار ، وهو النقرة في الصخرة ، يستنقع فيها الماء . قوله : وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء ، وقال الشعبي : لو أن أهلي أكلوا الضفادع لأطعمتهم ، ولم ير الحسن بالسلحفاة بأسا . أما قول الحسن الأول فقيل إنه ابن علي ، وقيل : البصري ، ويؤيد الأول أنه وقع في رواية : وركب الحسن - عليه السلام - وقوله : على سرج من جلود ، أي : متخذ من جلود كلاب الماء . وأما قول الشعبي : فالضفادع جمع ضفدع ، بكسر أوله وفتح الدال وبكسرها أيضا ، وحكي ضم أوله مع فتح الدال ، والضفادي بغير عين لغة فيه ، قال ابن التين : لم يبين الشعبي هل تذكى أم لا ؟ ومذهب مالك أنها تؤكل بغير تذكية ، ومنهم من فصل بين ما مأواه الماء وغيره ، وعن الحنفية ورواية عن الشافعي : لا بد من التذكية .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية