المسألة العشرون : اعلم أن ، فقد اختلف أهل العلم : هل يجب على القاذف الحد أو لا يجب عليه ؟ وقال من قذف بنتا غير بالغة بالزنى ، أو قذف به ذكرا غير بالغ أبو عبد الله القرطبي في تفسير الآية التي نحن بصددها : إذا رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنى كان قذفا عند مالك ، وقال أبو حنيفة والشافعي : ليس بقذف ; لأنه ليس بزنى إذ لا حد عليها ويعزر ، قال وأبو ثور ابن العربي : والمسألة محتملة مشكلة لكن مالكا غلب حماية عرض المقذوف ، وغيره راعى حماية ظهر القاذف ، وحماية عرض المقذوف أولى ; لأن القاذف كشف ستره بطرف لسانه فلزمه الحد ، قال ابن المنذر : وقال أحمد في الجارية بنت تسع ، يحد قاذفها ، وكذلك الصبي إذا بلغ عشرا ضرب قاذفه ، قال إسحاق : إذا قذف غلاما يطأ مثله فعليه الحد ، والجارية إذا جاوزت تسعا مثل ذلك ، قال ابن المنذر : لا يحد من قذف من لم يبلغ ; لأن ذلك كذب ، ويعزر على الأذى ، اهـ محل الغرض منه بلفظه .
وإذا عرفت مما ذكرنا أقوال أهل العلم في المسألة ، فاعلم أن أظهرها عندنا قول ابن المنذر : إنه لا يحد ولكن يعزر ، ووجه ذلك أن من لم يبلغ من الذكور والإناث مرفوع عنه القلم ، ولا معرة تلحقه بذنب ; لأنه غير مؤاخذ ، ولو جاء قاذف الصبي بأربعة يشهدون على الصبي بالزنى فلا حد عليه إجماعا ، ولو كان قذفه قذفا على الحقيقة للزمه الحد بإقامة القاذف البينة على زناه ، وإن خالف في هذا جمع من أجلاء العلماء ، ولكنه يعزر التعزير البالغ الرادع له ، ولغيره عن قذف من لم يبلغ ، والعلم عند الله تعالى .