( سؤال ) ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم { } وقوله عليه السلام { صلة الرحم تزيد في العمر } مع أن المقدرات لا تزيد ولا تنقص وقد قدر الله تعالى جميع الممكنات ما وجد منها وما لم يوجد في الأزل فتعلقت إرادته القديمة الأزلية بوجود كل ممكن أراد وجوده وبعدم كل ممكن أراد بقاءه على العدم الأصلي أو أراد عدمه بعد وجوده فجميع الجائزات وجودا أو عدما قد نفذت فيها مشيئته سبحانه وتعالى فكيف بقيت الزيادة بعد ذلك بتيسير سبب من الأسباب . من سره السعة في الرزق والنساء في الأجل فليصل رحمه
( جوابه ) من العلماء من يقول : إنما ذلك من الرزق والأجل . بزيادة البركة فيما قدر في الأزل
وأما نفس الأجل والرزق المقدرين فلا يقبلان الزيادة قلت : وهذا الجواب عندي ضعيف بسبب أن البركة أيضا من جملة المقدرات فإن كان القدر مانعا من الزيادة فليمنع من البركة في العمر والرزق كما منع من الزيادة فيهما بل هذا الجواب يلزم منه مفسدتان : أحدهما إيهام أن البركة خرجت عن القدر فإن المجيب قد صرح بأن تعلق القدر مانع فحيث لا مانع لا قدر وهذا رديء جدا وثانيهما أنه يقل الرغبة في صلة الرحم بالنسبة لظاهر اللفظ فإنا إذا قلنا لزيد إن وصلت رحمك زادك الله تعالى في عمرك عشرين سنة فإنه يجد من الوقع لذلك ما لا يجده من قولنا إنه لا يزيدك الله تعالى بذلك يوما واحدا بل يبارك لك في عمرك فقط فيختل المعنى الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 148 ] من المبالغة في الحث على صلة الرحم والترغيب فيها بل الحق أن الله تعالى قدر له ستين سنة مرتبة على الأسباب العادية من الغذاء والتنفس في الهواء ورتب له عشرين سنة أخرى مرتبة على هذه الأسباب وصلة الرحم .
وإذا جعلها الله تعالى سببا أمكن أن يقال : إنها تزيد في العمر حقيقة كما نقول الإيمان يدخل الجنة والكفر يدخل النار بالوضع الشرعي لا بالاقتضاء العقلي ومتى علم المكلف أن الله تعالى نصب صلة الرحم سببا لزيادة النساء في العمر بادر إلى ذلك كما يبادر لاستعمال الغذاء وتناول الدواء والإيمان رغبة في الجنان ويفر من الكفر رهبة من النيران وبقي الحديث على ظاهره من غير تأويل يخل بالحديث على ما تقدم وكذلك القول في الرزق حرفا بحرف وكذلك نقول الدعاء يزيد في العمر والرزق ويدفع الأمراض ويؤخر الآجال وغير ذلك مما شرع فيه الدعاء فهو من القدر ولا يخل بشيء من القدر بل ما رتب الله سبحانه مقدورا إلا على سبب عادي ولو شاء لما ربطه به ومن هذا الباب الجواب عن سؤال صعب ورد في قوله تعالى { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء } فقال بعض الفقهاء : هنا سؤال وهو أنه عليه السلام إذا علم الغيب والذي في الغيب هو الذي قدره الله تعالى له من الخير فكيف يستكثر من الخير على تقدير الاطلاع على الغيب بل لو قدر الاطلاع على الغيب لبقي على ما هو فيه من الخير والجواب عنه أن الله تعالى قدر الخير والشر في الدنيا والآخرة وجعل لكل مقدور سببا يترتب عليه ويرتبط به ومن جملة الأسباب الأسباب التي جرت عادة الله تعالى بها من العلوم والجهالات فالجهل سبب عظيم في العالم لمفاسد من أمور الدنيا والآخرة وفوات المصالح والعلم سبب عظيم لتحصيل مصالح ودرء مفاسد في الدنيا والآخرة فالملك الذي دفع له السم فأكله فمات منه كيدا من أعدائه إنما قدر الله تعالى أن يموت بالسم مع جهله بتناوله أما لو علمه لم يتناوله .
وكذلك أن الله تعالى إذا كان قد قدر نجاته منه قدر اطلاعه عليه فيسلم فيكون سبب سلامته علمه به فالمقدر على تقدير الجهل نحن نمنع أنه مقدر على تقديره العلم بل المقدر على تقدير العلم ضده فالرزق الحقير إنما قدره الله تعالى لأهله على تقدير جهلهم بالكنوز وعمل الكيمياء وغير ذلك من أسباب الرزق أما مع العلم بهذه الأسباب العظيمة الموجبة في مجرى العادة سعة الرزق فلا نسلم أن الله تعالى قدر ضيق الرزق على هذا التقدير كما نقول ما قدر الله من دخول المؤمنين الجنة إلا على تقدير الإيمان أما مع عدمه فلا نسلم أن الله تعالى قدر لهم الجنة وما قدر للكفار النار إلا على تقدير جهلهم بالله تعالى أما على تقدير علمهم به تعالى فلا نسلم أنه قدر لهم النار وعلى هذه الطريقة يتضح لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اطلع على الغيب لذهبت عنه جهالات كثيرة كثر عنده من الخير ما لم يكن عنده الآن وما مسه السوء ولقد نجزم أن المحنة في أحد وقتل وغيره إنما قدرها الله تعالى [ ص: 149 ] بسبب عدم العلم بأمور وعواقبها في ذلك اليوم ولو قدر حصول العلم بعواقب ذلك اليوم لكان الأمر على خلاف ذلك وبالجملة فقد كثرت لك النظائر لتستيقظ لهذه القاعدة وسر القضاء والقدر فيندفع السؤال وهو موضع حسن . حمزة