( الفرق الثاني والخمسون والمائة بين قاعدة وقاعدة ما لا يقر منها ) ما يقر من أنكحة الكفار
قال ابن يونس أنكحتهم عندنا فاسدة وإنما الإسلام يصححها وقال صاحب الجواهر لا يقرهم على ما هو فاسد عندهم إلا أن يكون صحيحا عندنا ولو اعتقدوا غصب امرأة أو رضاها بالإقامة مع الرجل بغير عقد أقررناهم عليه قاله رضي الله عنه ترغيبا في الإسلام كما سقط عنهم القصاص والغصوب وما جنوه على المسلمين في نفوسهم وأموالهم وأعراضهم ويثبت ما اكتسبوه بعقود الربا وغيره من ثمن الخمر والخنزير كل ذلك ترغيبا في الإسلام لأنهم لو فهموا [ ص: 133 ] المؤاخذة بذلك لنفروا عن الإسلام وضابط مذهب الشافعي رحمه الله أن كل مفسدة تدوم كالجمع بين الأختين أو لا تدوم لكن أدركه الإسلام كالزواج في العدة فيسلم فيها فهو يبطل وإن عرى نكاحهم عن هذين القسمين صح بالإسلام وقال مالك الشافعي رضي الله عنهما عقودهم صحيحة واعلم أن قولنا أيها المالكية إن أنكحتهم فاسدة مشكل فإن وابن حنبل صحيحة والشهادة عندنا ليست شرطا في العقد حتى نقول لا تصح شهادتهم لكفرهم فلو قلنا إنها شرط فأشهد ولاية الكافر للكافر أهل الذمة المسلمين ينبغي أن تصح له أن يشهد بعد العقد ويستقر عقده فينبغي التفصيل في عقودهم بين ما يكون مختل الشرط وبين ما لا يكون كذلك . والمسلم إذا تزوج بغير شهود
وأما الفضاء بالبطلان مطلقا فمشكل غاية ما في الباب أن صداقهم قد يقع بما لا يحل من الخمر والخنزير وقد يقع ذلك للمسلمين فتختل بعض الشروط أو كلها في بعض العقود فكما لا نقضي بفساد أنكحة عوام المسلمين وجهالهم من أهل البادية على الإطلاق بل نفصل ونقول ما صادف الأوضاع الشرعية واجتمعت شرائطه فهو صحيح سواء أسلموا أم لا وما لم يصادف فهو باطل قبل الإسلام وقد يصح بالإسلام كما نقدم رضاهم بالغصب ونحوه ترغيبا في الإسلام وعلى هذا القانون كان ينبغي أن لا يخير بين الأم وابنتها إذا أسلم عليهما بل يقول إن تقدم عقد البنت صحيحا تعينت من غير تخيير وإذا لا نقضي بالتخيير مطلقا بل نفرق كما قال أسلم على عشر نسوة إن وقع منها أربع أولا على وجه الصحة تعينت دون ما بعدها وإن عقد على العشر جملة واحدة خير بينهن لشمول البطلان لهن وكان يليق إذا حكمنا بفسادها مطلقا أن لا نفرق بين الموانع الماضية وما بقي بعد الإسلام لأن الكل فاسد إن كان المقصود هو الترغيب في الإسلام بسبب تقرير فاسد عقودهم لأن الزواج في العقد لا يزيد على قتل النفس في المفسدة وإن كان السبب أن الإسلام ينزل منزلة تجديد العقد فناسب التفرقة بين الماضي من الموانع والمقارن وينبغي أبو حنيفة قال إذا وطء في الكفر في نكاح صحيح مجتمع الشروط أن ذلك يوجب الإحصان إذا اتصل به الإسلام قلت { لغيلان لما أسلم عن عشر نسوة اختر أربعا وفارق سائرهن } . وفي قوله صلى الله عليه وسلم { أبي داود أنس بن الحارث أسلمت [ ص: 134 ] وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له ذلك فقال اختر أربعا منهن فهذه } قال
الأحاديث تقتضي أن عقودهن فاسدة إذ لو كانت صحيحة لكان السابق هو الصحيح والمتأخر هو المتعين للفساد الخامسة فما زاد عليها وكان الاختيار لا يكون إلا إذ عقد عقدا واحدا حتى لا يكون البعض أولى بالبقاء دون البعض الآخر لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خير مطلقا دل على أن الحكم كذلك سواء تقدم بعض العقود أو اتحدت العقود لأن هذه الأحاديث وردت في تأسيس قاعدة وتقرير أصل عام في الناس إلى يوم القيامة فلو كان يختلف الحال فيه لبينه صلى الله عليه وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهذا مستند ظاهر في فساد عقودهن وأن الأوائل في حكم الأواخر على السوية والأواخر المتأخرات العقود فاسدة العقود فكذلك الأوائل قلت إطلاق الخيار في هذه الأحاديث يحتمل وجهين أحدها أن تكون الأنكحة فاسدة كما قلت والثاني أن تكون المفسدات الواقعة في الكفر لا تعتبر كما تقدم من مذهبنا أنهم لو اعتقدوا غصب المرأة ومجرد رضاها بغير عقد ثم أسلموا على ذلك أقررناهم عليه فإن الإسلام يمنع من تأثير المفسدات المتقدمة من هذا النحو فهكذا كونها خامسة ونحو ذلك مفسدة في الإسلام وإذا قارن الكفر اعتبره صاحب الشرع ترغيبا في الإسلام وإذا احتمل الأمرين لم يلزم ما ذكرته من فساد العقول بل ذلك يدل على التخيير فقط وهذا مجمل فيما ذكرته من الفساد والصحة .
وهذا جواب سديد وهو خير من قول جماعة من الفقهاء لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنه عقد عليهن عقدا واحدا فلذلك خيره أو وكان يعتقد أنهن عنده بطريق الغصب والتقرير على الزوجية بالغصب لأن ذلك كان مذهبا لهم فإن هذا فاسد لوجهين
( أحدهما ) أن الأصل عدم علمه عليه السلام
( الثاني ) لو كان الأمر كذلك لبينه عليه السلام لأنه تقرير قاعدة فيتعين إيضاحها وإزالة اللبس عنها وزوال كل ما يوجب وهما فيها ولما لم يبين عليه السلام أني إنما حكمت في هذه القضية بهذا الحكم لأني أعلم أن من أمرها أمرا يقتضي هذه للحكم علمنا أن المدرك غير علمه بأمر يخصها بل الحكم عام في جميع صور من يسلم كيف كانت عقوده وهو معنى قول رضي الله عنه ترك الاستفصال في حكايات الأحوال يقوم مقام العموم في [ ص: 135 ] المقال معناه يقوم مقام التصريح بأن جميع الصور حكمها كذلك وإذا ظهر هذا الجواب ظهر أن الحق الأبلج القضاء على عقودهم بالصحة حتى يعلم فسادها كالمسلمين فإنه لم يدل دليل على أن الكفر مانع من عقد النكاح وقادح في صحته ولو أن الشافعي وقلنا لأخيها الكافر زوجها لأن المسلم لا ولاية له على الكافرة بل الكفار بعضهم أولى ببعض ولو أن نكاح الكافر فاسد لقلنا لهذه الكافرة لا سبيل لك إلى الزواج حتى تسلمي لأن الكفر أحد موانع صحة العقد عليك ولما لم يكن كذلك دل على صحة عقودهم . امرأة كافرة لها أخوان كافر ومؤمن فأرادت الزواج منعنا المسلم من تزويجهما