[ ص: 62 ] الفرق الثامن والعشرون والمائتان بين قاعدة وقاعدة ما لا يقع به الترجيح ) ما يقع به الترجيح بين البينات عند التعارض
قلت يقع الترجيح بأحد ثمانية أشياء وقع في الجواهر منها أربعة فقال يقع الترجيح بزيادة العدالة وقوة الحجة كالشاهدين يقدمان على الشاهد واليمين واليد عند التعادل وزيادة التاريخ .
وقال في النوادر ابن أبي زيد والنظر في التفصيل والإجمال مقدم على النظر في الأعدلية فإن استووا في التفصيل والإجمال نظر في الأعدلية ، ومنها وترجح البينة المفصلة على المجملة فتقدم بينة عدم الحوز إذ لم تتعرض الأخرى لرد هذا القول السادس قال شهادة إحداهما بحوز الصدقة قبل الموت ، وشهدت الأخرى برؤيته يخدمه في مرض الموت إن اختصت أحدهما بمزيد الاطلاع كشهادة إحداهما بحوز الرهن ، والأخرى بعدم الحوز لأنها مثبتة للحوز ، وهي زيادة اطلاع قاله ابن أبي زيد ابن القاسم . وسحنون
وقال محمد يقضي به لمن هو في يده . السابع استصحاب الحال ، والغالب ومنه قال شهادة إحداهما أنه أوصى ، وهو صحيح ، وشهدت الأخرى أنه أوصى ، وهو مريض ابن القاسم تقدم بينة الصحة لأن ذلك هو الأصل والغالب .
وقال إذا سحنون إن كان القيام عليه ، وهو عاقل قدمت بينة العقل ، وإن كان القيام عليه ، وهو مجنون قدمت بينة الجنون ، وهو ترجيح بشهادة الحال وهو الثامن . شهدت بأنه زنى عاقلا ، وشهدت الأخرى بأنه كان مجنونا
وقال يعتبر وقت الرؤية لا وقت القيام فلم يعتبر ظاهرا لحال ، ونقل عن ابن اللباد ابن القاسم في إثبات الزيادة إذا شهدت إحداهما بالقتل أو السرقة أو بالزنا ، وشهدت الأخرى أنه كان بمكان بعيد أنه تقدم بينة القتل ونحوه لأنها مثبتة زيادة ، ولا يدرأ عنه الحد قال إلا أن يشهد الجمع العظيم كالحجيج ونحوهم أنه وقف بهم أو صلى بهم العيد في ذلك اليوم فلا يحد لأن هؤلاء لا يشتبه عليهم أمره بخلاف الشاهدين فهذه الثمانية الأوجه هي ضابط قاعدة ترجيح البينات ، وما خرج عن ذلك لا يقع به الترجيح ، ووقع الخلاف في هذه الترجيحات بين العلماء فعندنا يقدم صاحب اليد عند التساوي أو هو مع البينة الأعدل كانت الدعوة أو الشهادة بمطلق الملك أو مضافا إلى سبب نحو هو ملكي نسجته أو ولدته الدابة عندي في ملكي كان السبب المضاف إليه الملك يتكرر كنسج الخز وغرس النخل أم لا . سحنون
وقاله [ ص: 63 ] ، وقال الشافعي الخارج أولى ، ولا تقبل بينة صاحب اليد أصلا ، وقال ابن حنبل تقدم بينة الخارج إن ادعى مطلق ملك فإن كان مضافا إلى سبب يتكرر فأعاده كلاهما فكذلك أو لا يتكرر كالولادة ، وادعياه ، وشهدت البينة به فقالت كل بينة ولد على ملكه قدمت بينة صاحب اليد لنا على أبو حنيفة رضي الله عنه ما روي { أحمد بن حنبل } ؛ ولأن اليد مرجحة كما لو لم يكن لهما ، ولنا على عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تحاكم إليه رجلان في دابة ، وأقام كل واحد البينة أنها له فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب اليد رضي الله عنه ما تقدم ، والقياس على المضاف إلى سبب لا يتكرر احتجوا بوجوه : أبي حنيفة
( الأول ) قوله عليه السلام { } ، وهو يقتضي صنفين مدعيا ، والبينة حجته ، ومدعى عليه ، واليمين حجته فبينته غير مشروعة فلا تسمع كما أن اليمين في الجهة الأخرى لا تفيد شيئا . البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر
( الثاني ) ولأنهما لما تعارضتا في سبب لا يتكرر كالولادة شهدت هذه بالولادة ، والأخرى بالولادة تعين كذبهما فسقطتا فبقيت اليد فلم يحكم له بالبينة فأما ما يتكرر ، ولم يتعين الكذب فلم تفد بينته إلا ما أفادته يده فسقطت لعدم الفائدة
( الثالث ) ولأن صاحب اليد إذا لم يقم الطالب بينة لا تسمع بينته ، وإذا لم تسمع في هذه الحالة ، وهي أحسن حالتيه فكيف إذا أقام الطالب بينة لا تسمع بطريق الأولى لأنه في هذه الحالة أضعف
( الرابع ) إنا إنما أعملنا بينته في صورة النتاج لأن دعواه أفادت الولادة ، ولم تفدها يده ، وشهدت البينة بذلك فأفادت البينة غير ما أفادت اليد فقبلت .
والجواب عن الأول القول بالموجب فإن الحديث جعل بينة المدعى عليه ، وأنتم تقولون به فتعين أن يكون المراد بها بينة ذي اليد لأنها هي التي عليه سلمنا عدم القول بالموجب لكن المدعي إن فسر بالطالب فصاحب اليد طالب لنفسه ما طلبه الآخر لنفسه فتكون البينة مشروعة في حقه ، وإن فسر بأضعف المتداعيين سببا فالخارج لما أقام بينة صار الداخل أضعف فوجب أن يكون مدعيا تشرع البينة في حقه سلمنا دلالته لكنه معارض بقوله تعالى { إن الله يأمر بالعدل } والعدل التسوية في كل شيء حتى يقوم المخصص فلا تسمع بينة إحداهما دون الآخر { لعلي رضي الله عنه لا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر } ، وهو يفيد وجوب الاستماع منهما وأن من قويت حجته حكم بها ، وأنتم تقولون لا نسمع بينة الداخل ، وعن الثاني أنه ينتقض بما إذا تعارضتا في [ ص: 64 ] دعوى طعام ادعيا زراعته ، وشهدنا بذلك ، والزرع لا يزرع مرتين كالولادة ، ولم يحكموا به لصاحب اليد ، وبالملك المطلق في الحال لاستحالة ثبوته لهما في الحال ، ولأنه لو حكم له باليد دون البينة لما حكم له إلا باليمين لأنه شأن اليد المنفردة . ، وبقوله عليه الصلاة والسلام
ولما لم يحتج إلى اليمين علم أنه إنما حكم بالبينة ، ولأنه لما حكم له حيث كذبت بينته كان أولى أن يحكم به إذا لم تكذبت بينته ، ولأن اليد أضعف من البينة بدليل أن اليد لا يقضى بها إلا باليمين ، والبينة يقضى بها بغير يمين ، ولو أقام الخارج بينة قدمت على يد الداخل إجماعا فعلمنا أن البينة تفيد ما لا تفيده اليد وعن
( الثالث ) أنه إنما لم تسمع بينة الداخل عند بينة الخارج لأنه حينئذ قوي باليد ، والبينة إنما تسمع من الضعيف فوجب سماعها للضعف ، ولم يتحقق إلا عند إقامة الخارج بينته ، وعن
( الرابع ) أن الدعوى ، واليد لا يفيدان مطلقا شيئا ، وإلا لكان مع المدعي حجج اليد ، والدعوى ، والبينة يخيره الحاكم بينهما أيها شاء أقام كمن خير بينهما وبين اليمين مع إحداهما فعلم أن المفيد إنما هو البينة ، واليد لا تفيد ملكا ، وإلا لم يحتج معها لليمين كالبينة بل تفيد التبقية عنده حتى تقوم البينة ، ولأنها لو أفادت ، وأقام المدعي بينة أنه اشتراها منه لم يحتج إلى يمين . شهد له شاهدان ، وشاهد وامرأتان
وأما الأعدلية فمنع أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهم الترجيح بها لنا أن البينة إنما اعتبرت لما تثيره من الظن ، والظن في الأعدل أقوى فيقدم كأخبار الآحاد إذا رجح إحداهما ، ولأن مقيم الأعدل أقرب للصدق فيكون هو المعتبر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { وأحمد بن حنبل أمرت أن أحكم بالظاهر } ، ولأن الاحتياط مطلوب في الشهادة أكثر من الرواية بدليل جواز العبد والمرأة والمنفرد في الرواية دون الشهادة فإذا كان الاحتياط مطلوبا أكثر في الشهادة وجب أن لا يعدل عن الأعدل ، والظن أقوى فيها قياسا على الخبر بطريق الأولى ، والمدرك في هذا الوجه الاحتياط ، وفي الوجه الأول الجامع إنما هو الظن .
وإذا اختلفت الجوامع في القياسات تعددت . احتجوا بوجوه .
( الأول ) أن الشهادة مقدرة في الشرع فلا تختلف بالزيادة كالدية ، ولا تختلف بزيادة المأخوذ فيه فدية الصغير الحقير كدية الكبير الشريف العالم العظيم .
( وثانيها ) أن الجمع العظيم من الفسقة يحصل الظن أكثر من الشاهدين ، وهو غير معتبر فعلم أنها تعبد لا يدخلها الاجتهاد ، وكذلك الجمع من النساء والصبيان إذا كثروا ، وثالثها أنه لو اعتبرت [ ص: 65 ] زيادة العدالة ، وهي صفة لاعتبرت زيادة العدد ، وهي بينات معتبرة إجماعا فيكون اعتبارها أولى من الصفة ، والعدد غير معتبر فالصفة غير معتبرة ، والجواب عن الأول أن وصف العدالة مطلوب في الشهادة ، وهو موكول إلى اجتهادنا ، وهو يتزايد في نفسه فما رجحنا إلا في موطن اجتهاد لا في موضع تقدير ، وعن الثاني أنا لا ندعي أن الظن كيف كان يعتبر بل ندعي أن مزيد الظن بعد حصول أصل معتبر كما أن قرائن الأحوال لا نثبت بها الأحكام والفتاوى ، وإن حصلت ظنا أكثر من البينات والأقيسة وأخبار الآحاد لأن الشرع لم يجعلها مدركا للفتوى والقضاء ، ولما جعل الأخبار والأقيسة مدركا للفتيا دخلها الترجيح فكذا هاهنا أصل البينة معتبر بعد العدالة والشروط المخصوصة فاعتبر فيها الترجيح .
وعن الثالث أن الترجيح بالعدد يفضي إلى كثرة النزاع وطول الخصومات فإذا ترجح أحدهما بمزيد عدد سعى الآخر في زيادة عدد بينته ، وتطول الخصومة ، وتعطل الأحكام ، وليس في قدرته أن يجعل بينته أعدل فلا يطول النزاع ، ولأن العدد يعين ما تقدم فيمتنع الاجتهاد فيه بخلاف وصف العدالة ، ولذلك يختلف باختلاف الأمصار والأعصار فعدول زماننا لم يكونوا مقبولين في زمن الصحابة رضوان الله عليهم ، وأما العدد فلم يختلف ألبتة مع أنا نلتزم الترجيح بالعدد على أحد القولين عندنا .
[ ص: 63 - 65 ]