( الثاني ) : ظاهر كلام المصنف أن وابن الحاجب عرفة لا يحله إلا البيت قريبا كان أو بعيدا وقال من أحصر عن ابن عرفة : وإن عرفة فقط وبعد عن مكة فقول أحصر [ ص: 201 ] عن اللخمي حل مكانه صواب ، وإن قرب منها ، ففي كون تحلله بعمرة أو دونها قولان لنص اللخمي ، وظاهر قول الباجي وفي كلام صاحب الطراز إشارة إلى ذلك فإنه قال : المشهور أن من حصره العدو بمكة إنما يتحلل بالطواف والسعي كما يتحلل المعتمر ، وهذا عندي استحسان ، وإنما العمرة في حق من يفوته الحج إذ لا يجوز له التحلل إلا بفعل إحرام تام ، والحصر يبيح التحلل من غير فعل بدليل من بعد عن مكة ، ففي الموضعين ممن صد عن عرفة فإن كان قادما على مكة دخلها ، وطاف ، وسعى وكذلك إن كان بمكة ، وقد دخل من الحل محرما ، فإنه يطوف ، ويسعى ، ولا يخرج إلى الحل فإن طرأ الحصر وسعيه ، استحب له الإعادة ليتحلل بالسعي كما يتحلل المعتمر ، فإن أخر تحلله حتى خرج زمن الوقوف بعد طوافه وفاته الحج وجب عليه عمل العمرة ; لأن من فاته الحج لا يتحلل إلا بعمرة والأول لم يفته ، وإنما يتحلل للحصر ، فإن كان إحرامه بالحج من مكة ، فلم يطف ، ولم يسع حتى أحصر عن عرفة أخر ما رجا كشف ذلك حتى إذا خاف الفوات حل ، فيطوف ويسعى ; لأنه قادر على السعي ، ويستحب له أن يخرج إلى الحل ليكون سعيه عقب طواف من الحل قدم به كما يفعل من يفوته الحج ، فإن طاف وسعى ، ولم يخرج أجزأه كما يجزي ذلك من أحرم من مكة ، فطاف ، وسعى ، ثم أتم حجه ، ورجع إلى بلاده بخلاف المعتمر ولا دم فيه بخلاف الراجع إلى أهله ; لأن الراجع لا يستحب له أن يخرج من مكة في إحرامه ، ثم يعود إليها ، فيطوف ويسعى ولو فعله لم يسقط عنه الأمر بالإعادة ، وإن كان مأمورا بأن يسعى عقب إفاضته ، فإن لم يأت به حتى رجع ، فعليه دم وهذا سقط عنه طواف الإفاضة إذ لا إفاضة في حقه ، وإنما الإفاضة بالرجوع من منى ، فيستحب له أن يخرج إلى الحل ، ثم يدخل فيطوف ويسعى انتهى .
ونص كلام اللخمي لا يخلو المحصر عن الحج إما أن يكون بعيدا من مكة أو قريبا منها أو فيها أو بعد أن خرج منها ، ولم يقف أو بعد وقوفه بعرفة فإن كان المحصر على بعد من مكة حل مكانه ، وكذلك إن كان قريبا ، وصد عن البيت ، وإن صد عن عرفة خاصة دخل مكة ، وحل بعمرة ، وكذلك إن كان فيها ، وكان إحرامه من الحل ، فإنه يحل بعمرة ، ولا يخرج للحل وإن كان إحرامه من مكة ، وقدر على الخروج للحل فعل ، ثم يدخل بعمرة ، فإن لم يخرج ، وطاف ، وسعى ، وحلق ، ثم أصاب النساء لم يكن عليه شيء ، وقد قال : فيمن مالك الحرم ، وطاف ، وسعى قبل الوقوف ، ثم طاف الإفاضة ثم حل ، وأصاب النساء لا شيء عليه ، وإن خرج من أحرم من مكة ، ثم صد عن الوقوف خاصة حل بعمرة ، وإن صد عن الوقوف وعن مكة حل مكانه ، وإن وقف بعرفة ، وذكر بقية الكلام في ذلك ، والله أعلم .