الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وكثرة شرب ماء زمزم ، ونقله ) ش أما استحباب الإكثار من شربه فقد صرح به في الواضحة ، ونقله صاحب الطراز وصاحب الذخيرة والمصنف في مناسكه وغير واحد ، وكذلك الإكثار من الوضوء ، وأما استحباب نقله فقد صرح به في الواضحة أيضا في مختصرها ، واستحب لمن حج أن يتزود منه إلى بلده ، فإنه شفاء لمن استشفى ، ونقله عنه ابن الحاج في مناسكه ونصه : قال ابن حبيب : ويستحب لمن حج أن يتزود منه إلى بلده [ ص: 116 ] ونقله ابن معلى والتادلي وغيرهم ، وظاهر كلام الشارح : أنه في الذخيرة ، ولم أره فيها ، وكذلك نكت عليه ابن غازي فقال : أما شربه فذكره غير واحد ثم ذكر كلام الذخيرة ثم قال : وأما نقله ففي مسلك السالك لقاسم بن أحمد الحضرمي الطرابلسي وكأنه لم يقف عليه لغيره ( تنبيهات الأول : ) ذكر المصنف في مناسكه ناقلا عن ابن حبيب أنه يستحب أن يكثر من شرب ماء زمزم والوضوء به ، ولم يذكر الاغتسال به ، وقد نص ابن حبيب على استحباب ذلك فقال في مختصر الواضحة : يستحب لمن حج أن يستكثر من ماء زمزم تبركا ببركته ، ويكون منه شربه ووضوءه واغتساله ما أقام بمكة ويكثر من الدعاء عند شربه قال : واستحب لمن حج أن يتزود منه إلى بلده ، فإنه شفاء لمن يستشفى به انتهى .

                                                                                                                            ( الثاني : ) قال ابن غازي : ومن الغرائب ما حدثنا به شيخنا وأبو عبد الله القوري قال : حدثنا الحاج أبو عبد الله بن عزوز المكناسي أنه سمع الإمام الأوحد الرباني أبا عبد الله البلالي بالديار المصرية يرجح حديث { الباذنجان لما أكل له } على حديث { ماء زمزم لما شرب له } قال ، وهذا خلاف المعروف انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) لا شك أن هذا من أغرب الغرائب بل هو من الأمور التي لا يجوز نقلها إلا مع التنبيه على بطلانها قال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة لما ذكر حديث { الباذنجان لما أكل له } أنه باطل لا أصل له . وقال الحافظ ابن حجر : لم أقف عليه ، وقال بعض الحفاظ : إنه من وضع الزنادقة ، وقال الزركشي : وقد لهج به العوام حتى سمعت قائلا منهم يقول هو أصح من حديث { ماء زمزم لما شرب له } ، وهو خطأ وكل ما يروى فيه باطل انتهى .

                                                                                                                            كلام السخاوي ، وأما حديث { ماء زمزم لما شرب له } فقال فيه الحافظ السخاوي : رواه الحاكم ، وقال : إنه صحيح الإسناد ، وقد صحح هذا الحديث من المتقدمين ابن عيينة ، ومن المتأخرين الحافظ الدمياطي انتهى . ورأيت لابن حجر كلاما جوابا بالسؤال سئل فيه عن هذا الحديث ، قال في آخره بعد أن ذكر طرق هذا الحديث : إذا تقرر هذا فرتبة هذا الحديث عند الحفاظ باجتماع هذه الطرق أنه لا يصلح للاحتجاج به على ما عرف من قواعد الحديث ثم ذكر عن الحافظ الدمياطي أنه صححه ثم قال : واشتهر عن الشافعي أنه شربه للرمي فكان يصيب من كل عشرة تسعة وشربه أبو عبد الله الحاكم لحسن التصنيف وغيره فكان أحسن عصره تصنيفا ، ولا يحصى كم شربه من الأئمة لأمور نالوها ، وقد ذكر لنا الحافظ العراقي أنه شربه لشيء فحصل له ، وأنا شربته مرة ، وأنا في بداءة طلب الحديث ، وسألت الله أن يرزقني حالة الذهبي في حفظ الحديث ثم حججت بعد عشرين سنة ، وأنا أجد من نفسي طلب المزيد على تلك الرتبة فسألت مرتبة أعلى منها فأرجو الله أن أنال ذلك ، وذكر الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن والده أنه كان يطوف بالليل واشتدت عليه الإراقة ، وخشي إن خرج من المسجد أن تتلوث أقدامه بأذى الناس ، وكان في الموسم فتوجه إلى زمزم وشرب من ذلك ، ورجع إلى الطواف قال : فلم أحس بالبول حتى أصبحت انتهى . كلام ابن حجر ( قلت : ) وهذا من الغرائب ، فإن ماء زمزم يرد الإراقة ، كما هو المشهور ونحو هذا ما أخبرني به بعض أصحابنا أنه أصابه إسهال فشرب له ماء زمزم فذهب مع أن ماء زمزم يطلق البطن غالبا ، وقد شربته لأمور فحصل بعضها والحمد لله ونرجو من الله حصول باقيها ، وقد شربه بعضهم لعطش يوم القيامة ، ولو أردنا استقصاء ما رجح به هذا الحديث لطال الكلام

                                                                                                                            ، وإنما أردنا التنبيه على بطلان ذلك الكلام الموضوع أعني قولهم { الباذنجان لما أكل له } فضلا عن كونه أصح من حديث { ماء زمزم لما شرب له } ( الثالث : ) يستحب الإكثار من الطواف أيضا قال في مختصر الواضحة في ترجمة العمل في الطواف : فإذا فرغت من [ ص: 117 ] السعي بين الصفا والمروة فارجع إلى المسجد الحرام فطف بالبيت وأكثر من الطواف ماكثا مقيما بمكة ، ومن الصلاة في المسجد الحرام الفريضة والنافلة انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن الحاج في مناسكه : وتكثر من الطواف في الليل والنهار بلا رمل ، ولا تسعى بين الصفا والمروة وتصلي كل أسبوع ركعتين خلف المقام فإنه يستحب كثرة الطواف مع كثرة الذكر انتهى .

                                                                                                                            ونقله التادلي أيضا ، وقال ابن المنير في حاشية البخاري وبسطه الدماميني أيضا في قول البخاري باب من لم يقرب الكعبة ، ولم يطف أي : طوافا آخر تطوعا بعد طواف القدوم ومشى على مذهب مالك رضي الله عنه في أنه لا يتنفل بطواف بعد طواف القدوم حتى يتم حجه انتهى من الدماميني ، وقال ابن حجر : ونقل عن مالك أن الحاج لا يتنفل بطواف حتى يتم حجه ، وعنه الطواف بالبيت أفضل من صلاة النافلة لمن كان من أهل البلاد البعيدة ، وهو المعتمد انتهى . فتأمل ذلك ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية