( وحجتهما ) أن هذا الفعل زنى فيتعلق به حد الزنا بالنص ، فأما من حيث الاسم فلأن الزنا فاحشة ، وهذا الفعل فاحشة بالنص قال الله تعالى { أتأتون الفاحشة } ومن حيث المعنى أن الزنا فعل معنوي له غرض وهو إيلاج الفرج في الفرج على وجه محظور لا شبهة فيه لقصد سفح الماء وقد وجد ذلك كله ، فإن القبل والدبر كل واحد منهما فرج يجب ستره شرعا ، وكل واحد منهما مشتهى طبعا حتى إن من لا يعرف الشرع لا يفصل بينهما ، والمحل إنما يصير مشتهى طبعا لمعنى الحرارة واللين وذلك لا يختلف بالقبل والدبر ولهذا وجب [ ص: 78 ] الاغتسال بنفس الإيلاج في الموضعين ولا شبهة في تمحض الحرمة هنا ; لأن المحل باعتبار الملك ، ويتصور هذا الفعل مملوكا في القبل ولا يتصور في الدبر فكان تمحض الحرمة هنا أبين ، ومعنى سفح الماء هنا أبلغ منه في القبل ; لأن هناك المحل منبت فيتوهم أن يكون الفعل حرثا وإن لم يقصد الزاني ذلك ، ولا توهم هنا فكان تضييع الماء هنا أبين ، وليس هذا الكلام على سبيل القياس فالحد بالقياس لا يثبت ولكن هذا إيجاب الحد بالنص وما كان اختلاف اسم المحل إلا كاختلاف اسم الفاعل فإن النص ورد بالحد في حق ماعز رضي الله عنه ، فإيجاب الحد على الغير بذلك الفعل لا يكون قياسا ، فكذلك هنا ورد النص بإيجاب الحد على من باشر هذا الفعل في محل هو قبل فإيجابه على المباشر في محل هو دبر بعد ثبوت المساواة في جميع المعاني لا يكون قياسا رحمه الله تعالى يقول : هذا الفعل ليس بزنا لغة ، ألا ترى أنه ينفى عنه هذا الاسم بإثبات غيره ؟ فيقال : لاط وما زنى ، وكذلك أهل اللغة فصلوا بينهما قال القائل : وأبو حنيفة
من كف ذات حر في زي ذي ذكر لها محبان لوطي وزناء
فقد غاير بينهما في الاسم ولا بد من اعتبار اسم الفعل الموجب للحد ، ولهذا لا يجب القطع على المختلس والمنتهب .
والذي ورد في الحديث { } مجاز لا تثبت حقيقة اللغة به والمراد في حق الإثم ، ألا ترى أنه قال { إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان } والمراد في حق الإثم دون الحد ، كما أن الله تعالى سمى هذا الفعل فاحشة فقد سمى كل كبيرة فاحشة فقال { وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } ثم هذا الفعل دون الفعل في القبل في المعنى الذي لأجله وجب حد الزنا من وجهين :
أحدهما ، أن الحد مشروع زجرا وطبع كل واحد من الفاعلين يدعو إلى الفعل في القبل وإذا آل الأمر إلى الدبر كان المفعول به ممتنعا من ذلك بطبعه فيتمكن النقصان في دعاء الطبع إليه ، والثاني : أن حد الزنا مشروع صيانة للفراش ، فإن الفعل في القبل مفسد للفراش ويتخلق الولد من ذلك الماء لا والد له ليؤدبه فيصير ذلك جرما يفسد بسببه عالم ، وإليه أشار صلى الله عليه وسلم في قوله { } . وولد الزنا شر الثلاثة
وإذا آل الأمر إلى الدبر ينعدم معنى فساد الفراش ، ولا يجوز أن يجبر هذا النقصان بزيادة الحرمة من الوجه الذي قالا ; لأن ذلك يكون مقايسة ، ولا مدخل لها في الحدود ، ثم اختلف الصحابة رضي الله عنهم في هذه المسألة فالمروي عن رضي الله عنه أنهما يحرقان بالنار وبه [ ص: 79 ] أمر في السبعة الذين وجدوا على اللواطة ، وكان أبي بكر الصديق رضي الله عنه يقول : يجلدان إن كانا غير محصنين ويرجمان إن كانا محصنين ، وكان علي رضي الله عنهما يقول : يعلى أعلى الأماكن من القرية ثم يلقى منكوسا فيتبع بالحجارة وهو قوله تعالى { ابن عباس فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة } الآية ، وكان رضي الله عنه يقول يحبسان في أنتن المواضع حتى يموتا نتنا ، وقال ابن الزبير أبو يوسف رحمهما الله تعالى اتفقت الصحابة رضي الله عنهم أنه لا يسلم لهما أنفسهما ، وإنما اختلفوا في كيفية تغليظ عقوبتهما فأخذنا بقولهم فيما اتفقوا عليه ورجحنا قول ومحمد رضي الله عنه بما يوجب عليهم من الحد علي رحمه الله يقول : الصحابة اتفقوا على أن هذا الفعل ليس بزنا ; لأنهم عرفوا نص الزنا ومع هذا اختلفوا في موجب هذا الفعل ، ولا يظن بهم الاجتهاد في موضع النص فكان هذا اتفاقا منهم أن هذا الفعل غير الزنا ولا يمكن إيجاب حد الزنا بغير الزنا بقيت هذه جريمة لا عقوبة لها في الشرع مقدرة فيجب التعزير فيه يقينا ، وما وراء ذلك من السياسة موكول إلى رأي الإمام إن رأى شيئا من ذلك في حق فله أن يفعله شرعا وأبو حنيفة