( كتاب الظهار ) مشتق من الظهر سمي بذلك لتشبيه الزوجة بظهر الأم وإنما خص الظهر دون غيره لأنه موضع الركوب ، إذ المرأة مركوبة إذا غشيت فقوله : أنت علي كظهر أمي أي ركوبك للنكاح حرام علي كركوب أمي للنكاح ، فأقام الظهر مقام المركوب لأنه مركوب ، وأقام الركوب مقام النكاح لأن الناكح راكب ويقال : كانت المرأة تحرم بالظهار على زوجها ولا تباح لغيره فنقل الشارع حكمه إلى تحريمها ووجوب الكفارة بالعود وأبقى محله وهو الزوجة ( وهو محرم ) إجماعا حكاه [ ص: 369 ] لقوله تعالى : { ابن المنذر وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا } وقول المنكر والزور من أكبر الكبائر للخبر .
ومعناه أن الزوجة كالأم في التحريم لقوله تعالى : { ما هن أمهاتهم } وقوله : { وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم } ولحديث { أوس بن الصامت حين ظاهر من زوجته خولة بنت مالك بن ثعلبة فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم تشتكيه فأنزل الله أول سورة المجادلة } رواه أبو داود وصححه ابن حبان وفيه أحاديث أخر تأتي ( وهو أن يشبه ) الزوج ( امرأته أو ) يشبه ( عضوا منها ) أي من امرأته ( بظهر من تحرم عليه على التأبيد ) كأمه وأخته من نسب أو رضاع أو حماته ( أو ) يشبه ذلك بظهر من تحرم عليه ( إلى أمد ) كأخت امرأته وعمتها وخالتهما ( أو ) يشبه امرأته أو عضوا منها ( بها ) أي بمن تحرم عليه على التأبيد أو إلى أمد . والحاكم
( ولو ) كان التشبيه المذكور ( بغير العربية ) ممن يحسنها كالإيلاء والطلاق ( ولو اعتقد الحل ) أي حل المشبه بها من أم وأخت ( كمجوسي ) قال لزوجته : أنت علي كظهر أختي وهو يعتقد حل أخته فلا أثر لاعتقاده ذلك ويكون مظاهرا لأنه اعتقاد لا سند له فنأمره بالكفارة إذا رفع إلينا أو أسلم وقد وطئ ( أو ) يشبه امرأته أو عضوا منها ( بعضو منها ) أي ممن تحرم عليه على التأبيد أو إلى أمد ( أو ) يشبه امرأته أو عضوا منها ( بذكر ) كأبيه أو زيد ( أو ) يشبه امرأته أو عضوا منها ب ( عضو منه ) أي من الذكر كظهره أو رأسه وأمثلة ما سبق ( ك ) أو أنت علي كظهر أمي أو ) أنت علي ك ( بطن ) أمي ( أو ) أنت علي ( كيد ) أمي ( أو ) أنت علي ك ( رأس أمي أو ) أنت علي كيد ( أختي أو كوجه حماتي ونحوه ) . قوله لامرأته ( أنت كظهر أمي
قال في المبدع : الأحماء في اللغة أقارب الزوج والأختان أقارب المرأة والأصهار لكل واحد منهما ونقل ابن فارس أن الأحماء كالأصهار فعلى هذا يقال هذه حمأة زيد وحمأة هند ( أو يقول ظهرك ) كظهر أمي أو بطنها ونحوه ( أو ) يقول ( يدك أو رأسك أو جلدك أو فرجك علي كظهر أمي أو كيد أختي أو عمتي أو خالتي من نسب أو رضاع ) في الكل ( وإن قال ) أنت أو يدك ونحوها علي ( كشعر أمي أو كسنها أو ) ك ( ظفرها ) فليس بظهار لأنها ليست من الأعضاء الثابتة ( أو شبه شيئا من ذلك ) أي الظفر والشعر والسن ونحوها من امرأته بأمه ( أو بعضو [ ص: 370 ] من أعضائها ) بأن قال شعر امرأتي أو سنها أو ظفرها علي كأمي أو كظهرها ( أو قال كروح أمي أو عرقها أو ريقها أو دمعها أو دمها ) فليس بظهار لما سبق .
( أو قال وجهي من وجهك حرام فليس بظهار ) بل لغو نص عليه ، لأنه يستعمل كثيرا في غير الظهار ولا يؤدي معناه ( وإن قال أنا مظاهر ) فلغو ( أو ) قال ( علي الظهار أو علي الحرام أو الحرام لي لازم فلغو ) إلا مع نية أو قرينة ( ومع نية أو قرينة ) تدل على الظهار ( ظهار ) لأنه نوى الظهار بما يحتمل لفظه فكان ظهارا وتقدم كلام الفروع وتصحيحه لو نوى به الطلاق ( وكذا أنا عليك حرام ) يكون ظهارا مع نية أو قرينة لأن تحريم نفسه عليها يقتضي تحريم كل واحد منهما على الآخر ( أو ) أنا عليك ( كظهر رجل ) يكون ظهارا مع نية أو قرينة لأن تشبيه نفسه بغيره من الرجال يلزم منها تحريمها عليه كما تحرم على ذلك الغير ، فيكون ظهارا كما لو شبهها بمن تحرم عليه ، فإن لم تكن نية ولا قرينة فلغو .
كقوله لها يا أختي يا ابنتي ونحوه ) لما روي { ( ويكره أن يسمى ) أي ينادي ( الرجل امرأته بمن تحرم عليه } لأنه لفظ يشبه الظهار ( ولا يثبت به حكم الظهار ) لأنه ليس صريحا في الظهار و ( ما نواه به ) وكذا نداؤها له يا أخاها ونحوه ( وإن قال ) لامرأته ( أنت عندي ) كأمي أو مثل أمي ( أو ) قال أنت مني كأمي أو مثل أمي ( أو ) قال ( أنت علي كأمي كان مظاهرا ) لأنه شبه امرأته بأمه أشبه ما لو شبهها بعضو من أعضائها ، وسواء نوى به الظهار أو أطلق لأنه الظاهر من اللفظ ( وإن قال أردت كأمي في الكرامة قبل حكما ) لأنه ادعى بلفظه ما يحتمله فقبل . أن رجلا قال لامرأته يا أختي فقال النبي صلى الله عليه وسلم هي أختك فكره ذلك ونهى عنه
( و ) إن قال ( أنت كظهر أمي طالق وقع الظهار والطلاق معا ) لأنه أتى بصريحهما وسواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا ( وأنت طالق كظهر أمي طلقت ) لأنه أتى بصريح الطلاق ( ولم يكن ظهارا ) جزم به في الشرح لأنه أتى بصريح الطلاق أولا ، وجعل قوله كظهر أمي صفة له فأشبه ما لو نوى به تأكيده ( إلا أن ينويه ) أي الظهار ، كان الطلاق رجعيا وجعلها في المنتهى كالتي قبلها ( فإن نواه ) أي الظهار ( وكان الطلاق بائنا فكالظهار من الأجنبية لأنه أتى به ) أي بالظهار ( بعد بينونتها بالطلاق وإن كان ) الطلاق ( رجعيا كان ظهارا صحيحا ) لأن الرجعية زوجة .
( و ) قوله لامرأته ( أنت أمي أو كأمي أو مثل أمي أو ) قوله ( امرأتي أمي ليس بظهار ) لأن هذا اللفظ ظاهر في الكرامة فتعين حمله [ ص: 371 ] عليه عند الإطلاق .
ولأنه ليس بصريح فيه لكونه غير اللفظ المستعمل فيه ، كما لو قال أنت كبيرة مثل أمي ( إلا أن ينويه ) أي الظهار ( أو يقرن به ) أي بهذا اللفظ ( ما يدل على إرادته ) أي الظهار لأن النية تعين اللفظ في المنوي والقرينة شبيهة بها ( وإن قال أمي امرأتي أو ) أمي ( مثل امرأتي لم يكن مظاهرا ) لأن اللفظ لا يصلح للظهار .
( و ) قوله لامرأته ( أنت علي كظهر أبي أو كظهر غيره من الرجال ) الأقارب أو الأجانب ( أو ) قال أنت علي ( كظهر أجنبية أو ) كظهر أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها ونحوه ظهار لأنه شبهها بظهر من تحرم عليه أشبه ظهر الأم وكذا إن شبهها بالميتة قاله في المبدع .
( و ) لو قال ( أنت علي كظهر البهيمة ) فلا ظهار لأنه ليس محلا للاستمتاع ( أو ) قال ( أنت حرام إن شاء الله فلا ظهار ) وكذا لو قدم الاستثناء ، كقوله والله لا أفعل كذا إن شاء الله بجامع أنها يمين مكفرة ( وأنت علي حرام ظهار ولو نوى طلاقا ) فقط أو مع ظهار ( أو ) نوى ( يمينا ) لأنه تحريم أوقعه على الزوجة فكان ظهارا كتشبيهها بظهر أمه وحكاه عن إبراهيم الحربي عثمان وغيرهما ( وإن قال ذلك ) أي أنت علي حرام ( لمحرمة عليه بحيض أو نحوه ) كنفاس أو إحرام ( ونوى الظهار فظهار ) لأن اللفظ يصلح له ( وإن نوى أنها محرمة عليه لذلك ) أي للحيض ونحوه ( أو أطلق ) فلم ينو شيئا ( فليس بظهار ) لأنه صادق في تحريمها عليه للحيض ونحوه ( وإن قال الحل علي حرام أو ما أحل الله لي ) حرام ( أو ما أنقلب إليه حرام فمظاهر ) لتناول ذلك لتحريم الزوجة ( وإن صرح بتحريم المرأة أو نواها ، كقوله ما أحل الله علي حرام من أهل ومال فهو آكد وتجزيه كفارة الظهار لتحريم المرأة والمال ) لأنه يمين واحدة فلا يوجب كفارتين واختار وابن عباس يلزمه كفارتان للظهار ولتحريم المال لأنه لو انفرد أوجب كذلك فكذا إذا اجتمعا ( وأنت علي كظهر أمي حرام ) ظهار ( أو أنت علي حرام كظهر أمي ) ظهار لأنه صريح فيه . ابن عقيل