الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( ولو قال غير المفوض قبضت ) الدين الذي وكلتني على قبضه ( وتلف ) مني أو أقبضته لموكلي ( برئ ) الوكيل ; لأنه أمين يصدق ( ولم يبرأ الغريم ) أي المدين فيرجع عليه رب الدين ثم يرجع المدين على الوكيل إن علم أنه ضاع بتفريطه لا إن علم عدمه وفي الجهل قولان ( إلا ببينة ) تشهد بمعاينة قبض الوكيل من الغريم فيبرأ الغريم حينئذ كما يبرأ لو قال المفوض قبضت وتلف ; لأن له الإقرار على موكله ( ولزم الموكل ) لشخص على شراء سلعة فاشتراها له ثم أخذ الثمن من الموكل ليدفعه للبائع فتلف منه قبل وصوله ( غرم الثمن ) ولو مرارا ( إلى أن يصل إلى ربه ) [ ص: 392 ] ( إن لم يدفعه ) الموكل ( له ) أي للوكيل ابتداء قبل الشراء وكان الأولى زيادة هذا القيد وهذا إذا كان الثمن لا يعرف بعينه كالعين ، فإن كان يعرف بعينه وأمره بالشراء على عينه ففعل لم يلزم الموكل بتلفه شيء ويفسخ البيع ( وصدق ) الوكيل بيمين ( في ) دعوى ( الرد ) لموكله ما قبضه من ثمن أو مثمن أو دين ( كالمودع ) يصدق في رد الوديعة لربها إلا أن يقبضها ببينة مقصودة للتوثق فلا يبرأ إلا ببينة كما يأتي في الوديعة وإذا صدق ( فلا يؤخر ) كل من الوكيل والمودع الرد ( للإشهاد ) أي لأجله أي ليس له أن يقول لا أرد ما عندي لربه حتى أشهد إذ لا فائدة له وهو مصدق ، فإن أخر فتلف المال ضمن بخلاف من قبض ببينة التوثق فله التأخير له ولا ضمان إن أخر له لكن الراجح أن له التأخير للإشهاد ليدفع عن نفسه اليمين ولا ضمان

التالي السابق


( قوله برئ الوكيل ) أي بالنسبة للموكل ( قوله ; لأنه أمين ) علة لمحذوف أي وصدق فيما ادعى ; لأنه أمين ( قوله وفي الجهل ) أي وفي جهل الغريم بتفريط الوكيل وعدم تفريطه قولان بالرجوع على ذلك الوكيل وعدم الرجوع عليه ، الأول منهما لمطرف حملا للوكيل عند الجهل على التفريط والثاني لابن الماجشون حملا له على عدم التفريط ( قوله فيبرأ الغريم حينئذ ) أي كما يبرأ الوكيل ويضيع المال على الموكل ومثل البينة الشاهدة بمعاينة القبض من الغريم إقرار الموكل بدفع الغريم للوكيل بخلاف شهادة الوكيل على إقباض الغريم فإنها لا تنفعه ; لأنها شهادة على فعل نفسه .

واعلم أن للغريم تحليف الموكل على عدم العلم بدفعه للوكيل وعدم وصول المال إليه عند عدم بينة للغريم تشهد بمعاينة القبض ( قوله كما يبرأ ) أي الغريم بل وكذا الوكيل ويضيع المال على الموكل حينئذ ( قوله ; لأن له الإقرار على موكله ) يفهم من هذا التعليل أن الوكيل المخصوص إذا جعل له الإقرار [ ص: 392 ] يكون كالوكيل المفوض في هذا أعني براءة الغريم إذا قال ذلك الوكيل قبضت منه وتلف مني وهو كذلك ( قوله إن لم يدفعه إلخ ) إنما ضمنه الموكل عند عدم دفعه قبل الشراء بأن كان الدفع بعده ; لأن الوكيل إنما اشترى على ذمة الموكل بالثمن في ذمته حتى يصل للبائع وقوله إن لم يدفعه له ابتداء مفهوم الشرط عدم غرم الوكيل إذا دفع الثمن للوكيل قبل الشراء وتلف بعده ; لأنه مال بعينه لا يلزمه غيره سواء تلف قبل قبض السلعة أو بعده وتلزم السلعة للوكيل بالثمن الذي اشتراها به وهذا حيث لم يأمره بالشراء في الذمة ثم ينقده وإلا لزم الموكل إلى أن يصل لربه ففي المفهوم تفصيل ا هـ عبق ، فإن دفعه له ابتداء قبل الشراء وتلف قبل أن يشتري لم يلزمه أن يدفع بدله ولا يلزم الوكيل شراء أيضا ( قوله هذا القيد ) أعني قوله قبل الشراء ; لأنه ليس معناه إن لم يدفعه للوكيل أصلا ; لأنه يقتضي أنه متى دفعه سواء كان قبل الشراء أو بعده فلا غرم عليه مع أنه إن كان الدفع قبل الشراء فلا غرم ، وإن كان بعده فإنه يغرم .

( قوله وهذا ) أي ومحل هذا أي غرم الموكل الثمن ولو مرارا إلى أن يصل لربه ( قوله ففعل ) أي ثم بعد ذلك أخذه من الموكل ليدفعه للبائع فتلف منه قبل وصوله له لم يلزم إلخ ( قوله ويفسخ البيع ) أي ; لأنه بمنزلة استحقاق الثمن المعين ( قوله بيمين ) أي ولو كان غير متهم ( قوله يصدق في رد الوديعة ) أي بيمين ولو كان غير متهم ا هـ عبق ( قوله فله التأخير له ) أي لأجل الإشهاد .

( قوله لكن الراجح أن له التأخير للإشهاد ) أي للوكيل والمودع الذي قبض بغير بينة التأخير للإشهاد خلافا لما مشى عليه المصنف تبعا لابن الحاجب وابن شاس .

والحاصل أن المودع إذا قبض بينة مقصودة للتوثق فله تأخير الرد للإشهاد اتفاقا فلا ضمان عليه إذا تلف للتأخير لذلك ، وأما الوكيل والمودع إذا قبض بغير بينة للتوثق فقيل ليس لواحد منهما التأخير للإشهاد وإذا أخر لأجله وتلف ضمن وهو ما مشى عليه المصنف تبعا لابن الحاجب وابن شاس وقيل له التأخير ولا ضمان وهو ما لابن عبد السلام وارتضاه الأشياخ وفي بن عن ابن عرفة أن هذا القول للغزالي لا لأهل المذهب فيفيد قوة ما ذكره المصنف من عدم التأخير




الخدمات العلمية