الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وقسم ) مال المفلس المتحصل ( بنسبة الديون ) بعضها إلى بعض ويأخذ كل غريم من مال المفلس بتلك النسبة وطريق ذلك أن تجمع الديون وتنسب كل دين إلى المجموع فيأخذ كل غريم من مال المفلس بتلك النسبة ، فإذا كان لغريم عشرون ولآخر ثلاثون ولآخر خمسون فالمجموع مائة ونسبة العشرين لها خمس ، ونسبة الثلاثين لها خمس وعشر ، ونسبة الخمسين لها نصف ، فإذا كان مال المفلس عشرين أخذ صاحب الخمسين نصفها عشرة وصاحب الثلاثين خمسها وعشرها ستة وصاحب العشرين خمسها أربعة .

ويحتمل طريقا آخر وهي نسبة مال المفلس لمجموع الديون فلو كان لشخص مائة ولآخر خمسون ولآخر مائة وخمسون ومال المفلس مائة وخمسون فنسبته لمجموع الديون النصف فكل غريم يأخذ نصف دينه ( بلا بينة حصرهم ) أي لا يكلف القاضي غرماء المفلس ، وكذا غرماء الميت إثبات أن لا غريم غيرهم [ ص: 272 ] ( واستؤني به ) أي بالقسم ( إن عرف بالدين في الموت فقط ) لاحتمال طرو غريم آخر والذمة قد خربت ، وأما في الفلس فلا يستأنى لعدم خراب الذمة لكن ذلك في المفلس الحاضر أو قريب الغيبة أو بعيدها حيث لا يخشى عليه دين وإلا استؤني كالموت ففي مفهومه تفصيل والظاهر أن المراد ببعد الغيبة ما قابل القريبة فيشمل المتوسطة ( وقوم ) دين على المفلس ( مخالف النقد ) منه من مقوم أو مثلي بأن كان ما عليه عرضا أو طعاما متفق الصفة أو مختلفها فليس المراد بمخالف النقد من مال المفلس إذ لا يتعلق به تقويم ( يوم الحصاص ) أي قسم المال يقوم حالا ولو مؤجلا ; لأنه حل بالفلس ( واشترى له ) أي لصاحب مخالف النقد ( منه ) أي من جنس دينه وصفته من طعام أو عرض ( بما يخصه ) في الحصاص من مال المفلس كأن يكون مال المفلس مائة دينار وعليه لشخص مائة دينار وعليه أيضا عروض تساوي مائة وطعام يساوي مائة فلصاحب المائة ثلث مائة المفلس ويشترى لصاحب العرض عرض صفة عرضه بثلثه الثاني ولصاحب الطعام صفة طعامه بالثلث الثالث ، وجاز مع التراضي أخذ الثمن إن خلا من مانع كما سيأتي ( ومضى ) القسم ( إن رخص ) السعر بالضم ككرم عند الشراء كأن يشتري لصاحب العرض بما نابه ما يزيد على الثلث ولو جميع دينه ( أو غلا ) كأن يشتري له به سدس دينه [ ص: 273 ] فلا رجوع للغرماء عليه في الرخص ، ولا له عليهم في الغلاء ويرجع على المدين فيهما بما بقي له ، فإن زاد ما اشترى له على دينه رد الزائد على الغرماء ( وهل يشتري ) لمن دينه يخالف النقد كأن أسلم للمفلس في عشرة أثواب أو أرادب ( في شرط جيد ) شرطه المسلم عليه عند عقد السلم ( أدناه ) أي أدنى الجيد رفقا بالمفلس ( أو ) يشتري له ( وسطه ) ; لأنه العدل بينهما ( قولان ) ولو اشترط دنيء هل يشتري له بما ينوبه أدنى الدنيء أو وسطه قولان أيضا ( وجاز ) لمن له دين مخالف ( الثمن ) أي أخذ الثمن الذي نابه في الحصاص ( إلا لمانع ) شرعي ( كالاقتضاء ) أي كالمانع المتقدم في الاقتضاء في قوله وبغير جنسه إن جاز بيعه قبل قبضه وبيعه بالمسلم فيه مناجزة وأن يسلم فيه رأس المال فلو كان رأس المال عرضا كعبد أسلمه في عرض كثوبين فحصل له في الحصاص قيمة ثوب جاز له أخذ تلك القيمة ; لأنه آل أمره إلى أنه دفع له عبدا في عين وثوب ، ولا مانع في ذلك بخلاف ما لو كان رأس المال ذهبا ونابه في الحصاص فضة أو بالعكس فلا يجوز أخذ ما نابه ; لأنه يؤدي إلى بيع وصرف متأخر وبيع الطعام قبل قبضه إن كان المسلم فيه طعاما .

التالي السابق


( قوله وقسم بنسبة الديون ) يحتمل أن المراد بنسبة كل دين لمجموع الديون ويحتمل أن المراد نسبة مال المفلس لمجموع الديون ويأخذ كل واحد من دينه بتلك النسبة فهو صادق بكل من الطريقتين في عمل المحاصة ( قوله وهي نسبة مال المفلس لمجموع الديون ) أي وبتلك النسبة يأخذ كل غريم من دينه . ( قوله أي لا يكلف القاضي إلخ ) أي بخلاف الورثة فإن الحاكم لا يقسم عليهم حتى يكلفهم ببينة تشهد بحصرهم وموت مورثهم وتعددهم أي مرتبتهم من الميت اتفاقا وذلك لأن عددهم معلوم للجيران وأهل [ ص: 272 ] البلد فلا كلفة في إثباته والدين يقصد إخفاؤه غالبا فإثبات حصر الغرماء متعسر ا هـ ثم إنه يجب أن يكون شهادة البينة الشاهدة للورثة على نفي العلم لا على القطع بأن يقول الشاهد لا نعلم له وارثا سوى هذا فلو قال لا وارث له غير هذا قطعا بطلت شهادته ( قوله واستؤني به ) أي وجوبا وحاصله أن الميت إذا كان معروفا بالدين فإن الحاكم لا يعجل بقسم ماله بين الغرماء بل يستأني به وجوبا بقدر ما يراه لاحتمال طرو غريم آخر فتجمع الغرماء ، وأما المفلس فلا يستأني بقسم ماله إن كان حاضرا أو غائبا غيبة قريبة أو كان بعد الغيبة وكان لا يخشى أن يكون عليه دين لغير الحاضرين من الغرماء ، فإن كان يخشى أن يكون عليه دين لغيرهم فإنه يستأني بالقسم باجتهاده ففي مفهوم الموت وهو المفلس تفصيل .

( قوله فقط ) مرتبط بقوله إن عرف بالدين أي إن عرف بالدين لا غير ولا يصح أن يكون مرتبطا بقوله في الموت ; لأن معنى فقط فحسب فهو صريح في الحصر فكأنه قال واستؤني بالقسم في الموت فحسب أي لا غيره ، وهذا ينافيه ما علمت من التفصيل في الفلس وأنه قد يستأنى فيه ( قوله والذمة قد خربت ) أي حقيقة وحكما .

( قوله لعدم خراب الذمة ) أي لعدم خرابها حقيقة وإن خربت حكما ، ولذا عجل ما كان فيها مؤجلا من الدين فذمة المفلس لما كانت باقية حقيقة فإذا طرأ غريم تعلق حقه بذمته لم يحتج للاستيناء في الفلس بخلاف الميت فإن ذمته قد زالت بالمرة فلو طرأ غريم لم يجد من يتعلق حقه بذمته فلذا وجب الاستيناء في الموت ولأن المفلس لو كان له غريم آخر لأعلم به بخلاف الميت فإنه لا يمكنه الإعلام به ( قوله منه ) أي حالة كون ذلك المخالف من جملة الدين ( قوله من مقوم إلخ ) بيان لمخالف النقد ( قوله بأن كان ما عليه عرضا إلخ ) أي بأن كان الذي عليه مخالفا للنقد عرضا إلخ .

( قوله فليس المراد بمخالف النقد من مال المفلس إلخ ) أي ، وإنما المراد بمخالف النقد من الدين الذي على المفلس ، وقوله إذ لا يتعلق به تقويم أي بل يباع ليقسم ثمنه على الغرماء ، وحاصله إذا كان على المفلس ديون مختلفة بعضها نقد وبعضها عرض وبعضها طعام بأن كان لأحد الغرماء دنانير ولأحدهم عروض ولبعضهم طعام فإن ما خالف النقد من مقوم ومثلي يقوم يوم قسم المال وهو مراده بيوم الحصاص فإذا كان لغريم مائة دينار عليه ولغريم عرض قيمته مائة ولآخر طعام قيمته مائة ومال المفلس مائة فإنها تقسم بين الغرماء أثلاثا فيأخذ صاحب النقد ثلثها ولكل من صاحبي العرض والطعام الثلث فيعطي لصاحب النقد منابه ويشتري لصاحب العرض عرضا من صفة عرضه بما نابه وكذلك صاحب الطعام كما أشار له المصنف بقوله واشترى إلخ . واعلم أن محل تقويم مخالف النقد إذا كان مال المفلس نقدا ، وأما لو كان الدين كله عروضا موافقة لمال المفلس في النوع والصفة فلا حاجة للتقويم بل يتحاصون بنسبة عرض كل لمجموع العروض ( قوله ومضى إن رخص أو غلا ) فإذا كان على المفلس مائة دينار لواحد وعشرة أرادب لواحد وعشرة أثواب لواحد وقوم كل من الأرادب والثياب بمائة فجملة الدين ثلثمائة وكان مال المفلس مائة فاقتسمها أرباب الديون فخص كل واحد ثلثها ثلاثة وثلاثون وثلث فلم يشتر لصاحب الطعام أو الثياب بما نابه في الحصاص حتى رخص السعر فاشترى له خمسة أرادب أو خمسة أثواب أو عشرة فإن ذلك يمضي فيما بين رب ذلك الدين وما بين الغرماء وليس لهم عليه رجوع في الرخص بل يفوز بنصف دينه أو كله دونهم وليس لهم أن يقولوا له نحاصصك فيما زاد على ثلث دينك بل يختص بما زاده الرخص إلا أن يزيد على دينه فيرد الزائد عليهم [ ص: 273 ] يتحاصون فيه كما لو اشترى أحد عشر ثوبا فالثوب الحادية عشرة كمال طرأ وكذلك لو أخر الشراء حتى حصل غلو كما لو اشترى في المثال المذكور خمس دينه كإردبين أو ثوبين فليس لمن له الطعام أو العرض أن يقول ارجع على الغرماء بما نقص عن ثلث ديني الذي نابني في الحصاص ، وإنما يكون التحاسب بين من له الطعام أو العرض وبين المفلس فيسقط عن المفلس ما زاده الرخص من دين من له الطعام أو العرض ويتبعه في الغلاء بما نقص من دينه فيصير لمن له الطعام أو العرض في الرخص في المثال نصف الأرادب أو الثياب ويبقى له في ذمة المفلس في الغلاء أربعة أخماس دينه وهو ثمانية أرادب أو أثواب .

( قوله فلا رجوع للغرماء عليه ) أي على صاحب العرض الذي حصل الرخاء أو الغلو عند الشراء له ( قوله ويرجع ) أي الغريم صاحب العرض على المدين إلخ ( قوله فيهما ) أي في الرخص والغلاء فيسقط ما زاده الرخص عن المفلس من دين من له الطعام أو العرض وفي الغلاء يتبعه بما نقص لأجل الغلاء من دينه ( قوله بما بقي له ) أي بعد الذي أخذه ( قوله على الغرماء ) أي يتحاصون فيه ( قوله في شرط جيد ) أي فيما إذا كان المسلم اشترط على المسلم إليه المفلس عند عقد السلم جيدا بأن أسلمه في عشرة أرادب سمراء أو محمولة جيدة أو أسلمه في عشرة أثواب محلاوي جيدة ( قوله أدنى الجيد ) أي من ذلك النوع المسلم فيه ( قوله وسطه ) أي وسط الجيد من ذلك النوع المسلم فيه ( قوله لأنه العدل بينهما ) أي بين المفلس وصاحب الدين ; لأن الأعلى ظلم على المفلس والأدنى ظلم على صاحب الدين ( قوله ولو اشترط ) أي رب الدين على المسلم إليه المفلس أدنى أي من النوع المسلم فيه ( قوله قولان ) إن قلت هذا يخالف ما مر من قوله في السلم وحمل في الجيد والرديء على الغالب وإلا فالوسط قلت ما مر إذا لم يفلس المسلم إليه وما هنا فيما إذا فلس فللمفلس حكم غير حكم غيره .

( قوله وجاز ) أي عند التراضي ، وأما عند المشاحة فقد سبق أنه يشتري له صفة طعامه أو مثل عرضه بما نابه في الحصاص ( قوله أخذ الثمن الذي نابه في الحصاص ) أي بدلا عما ينوبه من دينه ( قوله إلا لمانع كالاقتضاء ) المواق هذا مبني على أن التفليس لا يرفع التهمة ، وقيل إن التفليس يرفع التهمة فيجوز في التفليس ما لا يجوز في الاقتضاء ابن عرفة وهما روايتان ا هـ بن ( قوله وبغير جنسه ) أي وجاز وفاء المسلم فيه بغير جنسه ، وقوله إن جاز بيعه أي المسلم فيه قبل قبضه ( قوله وبيعه ) أي وجاز بيع المأخوذ بالمسلم فيه ( قوله وأن يسلم فيه ) أي في المأخوذ ( قوله لأنه ) أي المسلم آل أمره ، وقوله إلى أنه أي المسلم دفع له أي للمسلم إليه ( قوله فلا يجوز أخذ ما نابه ) بل يتعين الشراء له من جنس دينه ( قوله لأنه يؤدي إلى بيع وصرف متأخر ) أي وإلى اجتماع البيع والصرف .

( قوله وبيع الطعام إلخ ) أي والبيع والسلف إن كان المسلم فيه العين عرضا كثوبين ، والحاصل أن رأس المال إذا كان ذهبا فلا يجوز أخذ ما نابه في الحصاص إن كان فضة لما فيه من الصرف المؤخر واجتماع البيع والصرف أو كان ذهبا وكان المسلم فيه طعاما أو عرضا كثوبين لما في الأول من بيع الطعام قبل قبضه ولما في الثاني من اجتماع البيع والسلف ( قوله إن كان المسلم فيه طعاما ) قال في التوضيح لو أسلم عشرين درهما في إردبين قمحا ونابه في الحصاص عشرة مثلا فلا يجوز أن يأخذها ; لأنه يدخله بيع الطعام قبل قبضه ويدخله أيضا البيع والسلف ا هـ وهو ظاهر ; لأن العشرة عن مثلها من العشرين سلف والإردب الباقي بذمته عن العشرة الأخرى بيع ا هـ بن .




الخدمات العلمية