الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
، ولما ذكر أنه كالشاهد في قدر الدين والشاهد لا بد أن يحلف مع من شهد له وكانت أحواله ثلاثا وهي شهادته للراهن أو للمرتهن أو لا يشهد لواحد منهما ; لأن الراهن إذ قال الدين عشرة ، وقال المرتهن عشرون فقيمته إما عشرة أو عشرون فأكثر أو خمسة عشر أشار إلى الأولى بقوله ( وحلف مرتهنه ) الذي شهد له الرهن بقدر دينه ( وأخذه ) في دينه لثبوته حينئذ بشاهد ويمين ( إن لم يفتكه ) الراهن بما حلف عليه المرتهن وإلا فهو أحق به وهذا صادق بما إذا كانت قيمته عشرين كما ادعى أو أكثر كخمسة وعشرين ، وإنما أخذه في هذه الحالة مع أنه لم يدع إلا عشرين ; لأن خبرة ربه تنفي ضرره ، فإذا لم يدفع الحق كان متبرعا بالزائد ، فإن نكل المرتهن حلف الراهن وغرم ما أقر به [ ص: 260 ] وأشار للحالة الثانية بقوله ( فإن زاد ) قول المرتهن على قيمة الرهن ووافقت قيمته قول الراهن وهو العشرة ( حلف الراهن ) على أنه عشرة فقط وأخذه ودفع ما أقر به ، فإن نكل حلف المرتهن وأخذ ما ادعاه وأشار إلى الثالثة بقوله ( وإن نقص ) قول الراهن عن قيمة الرهن ، والموضوع بحاله أنه زاد قول المرتهن على قيمته بأن كانت قيمته خمسة عشر في المثال ( حلفا ) أي الراهن والمرتهن كل على دعواه ويبدأ المرتهن ( وأخذه ) المرتهن ( إن لم يفتكه ) الراهن ( بقيمته ) وهو الخمسة عشر لا بما حلف عليه المرتهن ونكولهما كحلفها وقضي للحالف على الناكل .

التالي السابق


( قوله وكانت أحواله ) أي أحوال الرهن ثلاثة ( قوله ; لأن الراهن إلخ ) تعليل لكون الأحوال ثلاثة ( قوله فقيمته إما عشرة ) الأولى فقيمته إما عشرون فأكثر أو عشرة أو خمسة عشر لأجل قوله أشار للأولى بقوله إلخ ( قوله وحلف مرتهنه إلخ ) حاصله أن المرتهن إذا ادعى أن الدين عشرون وادعى الراهن أنه عشرة فوجدت قيمة الرهن عشرين أو أكثر فإن المرتهن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أن الدين عشرون فإذا حلف خير الراهن بين أن يدفع له العشرين التي حلف عليها أو يدفع له الرهن في دينه سواء كانت قيمة الرهن عشرين أو أكثر وإذا دفع له الراهن الرهن فإنه يجبر على قبوله على المشهور ، وقيل لا يجبر على قبوله إلا إذا حلف الراهن أن الدين عشرة بعد حلف المرتهن أنه عشرون فإذا حلف وأراد أن يدفع للمرتهن الرهن فإنه يجبر على قبوله وإن لم يحلف أجبر الراهن على دفع العشرين وذلك لأن المرتهن قد يكره أخذ الرهن لما في أخذه من كلفة بيعه وخوفا من استحقاقه من يده ، فإن سلم الراهن الرهن للمرتهن واستحق من يده رجع المرتهن على الراهن بقيمته إن كانت قدر ما ادعاه ، وأما إن كانت أكثر مما ادعاه كما لو كانت قيمته خمسة وعشرين فليس له إلا دينه ; لأنه هو الذي خرج من يده خلافا لما يوهمه عبق من الرجوع بالقيمة في هذه أيضا انظر بن ( قوله وإلا فهو أحق ) أي وإلا بأن افتكه فهو أي الراهن أحق به ( قوله وهذا ) أي قول المصنف وأخذه إن لم يفتكه صادق إلخ ( قوله كما ادعى ) أي المرتهن ( قوله وغرم ما أقر به ) أي ، فإن نكل أيضا عمل بقول المرتهن فيعمل بقوله [ ص: 260 ] إذا حلف أو نكل ( قوله حلف الراهن على أنه ) أي الدين عشرة ، وقوله وأخذه أي الرهن ، وقوله ودفع أي للمرتهن ما أقر به وهو عشرة ( قوله وأخذ ما ادعاه ) أي وهو عشرون ، فإن نكل المرتهن أيضا عمل بقول الراهن فيعمل بقوله في صورتين إذا حلف وحده أو نكلا معا .

( قوله كل على دعواه ) أي يحلف كل واحد على ما يدعيه فيحلف الراهن أن الدين عشرة ويحلف المرتهن أنه عشرون وإن كان يأخذ قيمة الرهن فقط خمسة عشر ، وهذا بخلاف من ادعى على شخص بعشرين وأقام شاهدا بخمسة عشر فإنه يحلف على ما شهد به الشاهد فقط والفرق أن المرتهن يدعي أن الرهن في مقابلة ما يدعيه من الدين وأن شهادته سارية في كل جزء من أجزاء الدين ، واليمين تابعة للشهادة ( قوله ويبدأ المرتهن ) أي لأن الرهن كالشاهد لقيمته ومن المعلوم أنه لا يبدأ بالحلف إلا من تقوى جانبه وقيمة الرهن قريبة من دعوى المرتهن فقد تقوى جانبه ( قوله وأخذه المرتهن ) أي فلو أخذه واستحق من يده رجع على الراهن بقيمته خمسة عشر ( قوله إن لم يفتكه الراهن بقيمته ) أي يوم الحكم ، فإن افتكه بقيمته يوم الحكم وهي الخمسة عشر في المثال المذكور أخذه ، وهذا هو قول مالك وابن نافع وابن المواز خلافا لمن قال إذا أراد الراهن أن يفتكه فلا يفتكه إلا بما قال المرتهن وحلف عليه وهو العشرون والأول هو المعتمد ، وإنما اعتبر هنا فكه بالقيمة فقط لا بما ادعاه المرتهن وحلف عليه لدعوى المرتهن الزيادة على قيمته ، وأخذه فيما مر بما ادعاه المرتهن ولو زادت قيمته على ما ادعاه لشهادة الرهن له .




الخدمات العلمية