الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( و ) جاز بيع ( جزاف ) مثلث الجيم وذكر المصنف لجوازه سبعة شروط بقوله ( إن رئي ) حال العقد أو قبله واستمرا على المعرفة لوقت العقد وكفت رؤية بعضه المتصل به كما في مغيب الأصل وكصبرة فيكفي رؤية ما ظهر منها ومحل شرط الرؤية ما لم يلزم عليها تلف المبيع كقلال خل مطينة يفسدها فتحها وإلا جازت إن كانت مملوءة أو علم المشتري قدر نقصها ، ولو من إخبار البائع ولا بد من بيان صفة ما فيها من الخل ( ولم يكثر ) المبيع ( جدا ) أي أن يكون كثيرا لا جدا ، فإن كثر جدا بحيث يتعذر حزره أو قل جدا بحيث يسهل عده لم يجز جزافا ، وأما ما قل جدا من مكيل وموزون فيجوز بيعه جزافا ( وجهلاه ) يحترز به عما إذا علمه أحدهما فقط لا عما إذا علماه ; لأنه في هذه الحالة يخرج عن كونه جزافا ( وحزراه ) أي المبيع جزافا بالفعل ( واستوت أرضه ) شرط صحة فلا بد من علم أو ظن الاستواء وإلا فسد ثم إن وجد الاستواء في الواقع لزم وإلا ، فإن ظهر في الأرض علو فالخيار للمشتري وانخفاض فالخيار للبائع ( ولم يعد بلا مشقة ) بأن عد بمشقة ونبه بلفظ العد على أن المكيل والموزون يباع كل جزافا [ ص: 21 ] ولو لم يكن مشقة ( ولم تقصد أفراده ) أي آحاده وهذا كالمستثنى من الشرط قبله أي فإن كان في عده مشقة جاز بيعه جزافا إلا أن تقصد أفراده بالثمن كالعبيد والثياب والدواب فلا بد من عده ( إلا أن يقل ثمنه ) أي ثمن أفراده فيجوز كبيض وتفاح ورمان وبطيخ وبقي من شروط الجزاف أن لا يشتريه مع مكيل على ما سيأتي .

التالي السابق


( قوله : وجاز بيع جزاف ) الجزاف فارسي معرب وهو بيع الشيء بلا كيل ولا وزن ولا عدد والأصل منعه ولكنه خفف فيما شق علمه من المعدود أو قل جهله في المكيل والموزون إذ لا تشترط المشقة فيهما كما يأتي ( قوله : إن رئي حال العقد أو قبله واستمرا إلخ ) هذا مبني على ما اختاره ابن رشد وهو قول ابن حبيب أنه لا يشترط في الجزاف الحضور مطلقا سواء كان زرعا قائما أو صبرة طعام أو غيرهما ، وإنما يشترط فيه الرؤية بالبصر سواء كانت مقارنة للعقد أو سابقة عليه وعلى ما في المدونة ورواية ابن القاسم عن مالك يشترط في بيع الجزاف كله أن يكون حاضرا حين العقد ، لكن يستثنى منه الزرع القائم والثمار في رءوس الأشجار فقد اغتفر فيهما عدم الحضور إن تقدمت الرؤية وبالثاني قرر ح كلام المصنف فقال : مرادهم بالمرئي الحاضر كما يفيده كلام التوضيح ويلزم من حضوره رؤيته أو رؤية بعضه ; لأن الحاضر لا يكتفى فيه بالصفة على المشهور إلا لعسر الرؤية كقلال الخل المختومة إذا كان في فتحها مشقة وفساد فيجوز بيعها بدون فتح هذا محصل كلامه فحمل قول المصنف إن رئي على اشتراط الحضور ، وأخذ منه شرط الرؤية باللزوم انظر بن ( قوله : واستمرا ) أي البائع والمشتري وقوله : على المعرفة أي معرفة ذلك المبيع ( قوله : وإلا جاز ) أي عدم رؤيتها ( قوله : فإن كثر إلخ ) حاصله أن ما كثر جدا يمنع بيعه جزافا سواء كان مكيلا أو موزونا أو معدودا لتعذر حزره وما كثر لا جدا يجوز بيعه جزافا مكيلا كان أو موزونا أو معدودا لإمكان حزره ، وأما ما قل جدا يمنع بيعه جزافا إن كان معدودا ; لأنه لا مشقة في علمه بالعدد ويحزر إن إن كان مكيلا أو موزونا أي وجهلا قدر كيله أو وزنه ، ولو كان لا مشقة في كيله أو وزنه ( قوله : وجهلاه ) أي وجهل المتبايعان قدر ذلك المبيع من كيل أو وزن أو عدد ( قوله : عما إذا علمه أحدهما قط ) أي فإذا علم أحدهما قدره كيلا أو وزنا أو عددا وجهله الآخر ، فإنه لا يجوز العقد سواء علم صاحبه بعلمه أم لا ; لأن الذي علم قصد خديعة من لم يعلم لكن إن أعلمه حال العقد بعلمه بقدره فسد وإلا فلا ( قوله : وحزراه بالفعل ) أي مع كونهما من أهل الحزر بأن اعتاداه وإلا فلا يصح ، فلو وكلا من يحزره وكان من أهل الحزر كفى كانا من أهل الحزر أم لا فالشرط حزر المبيع بالفعل من أهل الحزر كان الحزر منهما أو ممن وكلاه ( قوله : واستوت أرضه ) أي في علمهما أو ظنهما ( قوله : وإلا فسد ) أي وإلا بأن علم أحدهما عدم الاستواء فسد .

( قوله : ولم يعد بلا مشقة ) سالبة معدولة المحمول أي جعل فيها السلب جزءا من مدخوله وقد صرحوا بأنها لا تقتضي وجود الموضوع وحينئذ فمنطوقها صادق بما إذا كان المبيع يعد بمشقة وبكونه لا يعد أصلا بأن كان مكيلا أو موزونا ، ولو لم يكن في كيله أو وزنه مشقة إذا علمت هذا تعلم أن الشارح لو ذكر هذا وأسقط قوله : ونبه بلفظ العد لكان صوابا ، وقول عبق وتبعه الشارح ولم يعد بلا مشقة بأن عد بمشقة وهذا منطوقه لأن نفي النفي إثبات ففيه نظر لما علمت أن منطوقه ثلاثة أمور أن يعد بمشقة ، وأن لا يعد أصلا لكونه مكيلا أو موزونا ، ولو لم يكن في كيله أو وزنه مشقة والحاصل أن المعدود لا يباع جزافا إلا إذا - [ ص: 21 ] كان في عده مشقة بخلاف المكيل والموزون ، فإنه يباع كل منهما جزافا ، ولو لم يكن مشقة في كيله ووزنه وذلك لأنهما مظنة للمشقة لاحتياجهما لآلة وتحرير لا يتأتى لكل الناس بخلاف العد لتيسره لغالب الناس فالجزاف يتعلق بكل من الثلاثة لكن بشروط سبعة في المعدود وخمسة في غيره بإسقاط ولم يعد بلا مشقة ولم تقصد أفراده ; لأن هذين الشرطين مختصان بالمعدود .

( قوله : ولو لم يكن مشقة ) أي في كيله أو وزنه ( قوله : وهذا كالمستثنى إلخ ) أي ومفهوم هذا الشرط كالمستثنى من منطوق الشرط قبله لا إن منطوق هذا كالمستثنى مما قبله كما هو واضح من تقريره وزاد الكاف في قوله كالمستثنى لعدم أداة الاستثناء ولا خصوصية لهذا الشرط بهذا الحكم بل كل شرط هو باعتبار مفهومه كالمستثنى من منطوق ما قبله ; لأن حقيقة الشرط تقتضي ذلك ( قوله : إلا أن تقصد أفراده ) أي إلا أن تكون أفراده مقصودة وكان التفاوت بينهما كثيرا فلا يجوز بيعه جزافا ، فإن قل التفاوت جاز وهو قوله : بعد إلا أن يقل إلخ .

( قوله : إلا أن يقل ثمنه ) أي ثمن أفراد ما تقصد أفراده بأن كان التفاوت بين أفراده قليلا وهذا استثناء من مفهوم ما قبله أي فإن قصدت أفراده فلا يباع جزافا ولا بد من عده إلا أن يقل ثمن تلك الأفراد ، فإنه يجوز حينئذ بيعه جزافا ولا يكون قصد الإفراد مضرا في بيعه جزافا فعلم من المصنف أن ما يباع جزافا إما أن يعد بمشقة أو لا وفي كل إما أن تقصد أفراده أم لا وفي كل إما أن يقل ثمنها أم لا فمتى عد بلا مشقة لم يجز جزافا قصدت أفراده أم لا قل ثمنها أم لا ومتى عد بمشقة ، فإن لم تقصد أفراده جاز بيعه جزافا قل ثمنها أم لا وإذا قصدت جاز جزافا إن قل ثمنها ومنع إن لم يقل فالمنع في خمسة أحوال والجواز في ثلاثة ( قوله : وبطيخ ) قال بعضهم : لعل المراد بطيخ كله كبير أو كله صغير لا ما بعضه صغير وبعضه كبير وهذا الترجي قصور قال في القباب ما نصه والجواز في المعدود إنما يكون إذا تحققت المشقة في عدده لكثرته وتساوي أفراده كالجوز والبيض أو يكون المقصود مبلغه لا آحاده كالبطيخ ، فإنه يجوز الجزاف فيه ، وإن اختلفت آحاده والنصوص بذلك في العتبية والموازية ( قوله : وبقي إلخ ) أي وأما عدم الدخول عليه فقيل : إنه شرط لا بد منه وعليه فلا يجوز أن تدفع درهما لعطار ليعطيك به شيئا من الأبزار من غير وزن ولا لفوال ليدفع لك بها فولا حارا أو مدمسا ولا أن تأتي لجزار وتتفق معه على أن يكوم لك كوما من اللحم لتشتريه جزافا بل لا بد في الجواز أن يكون مجزفا عنده قبل طلبك وأن تراه عند الشراء وقيل : إنه لا يشترط عدم الدخول عليه بل يجوز الدخول عليه وهو فسحة واختار شيخنا هذا القول الثاني




الخدمات العلمية