ومنها ، والبيوت ، والحوانيت ، وفي استئجار الظئر ; لأن المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدونه ، فترك بيانه يفضي إلى المنازعة ، وسواء قصرت المدة أو طالت من يوم أو شهر أو سنة أو أكثر من ذلك بعد أن كانت معلومة ، وهو أظهر أقوال : بيان المدة في إجارة الدور والمنازل . الشافعي
وفي بعضها أنه لا يجوز أكثر من سنة ، وفي بعضها أنه لا يجوز أكثر من ثلاثين سنة ، والقولان لا معنى لهما ; لأن المانع إن كان هو الجهالة فلا جهالة ، وإن كان عدم الحاجة فالحاجة قد تدعو إلى ذلك ، وسواء عين اليوم أو الشهر أو السنة أو لم يعين .
ويتعين الزمان الذي يعقب العقد لثبوت حكمه ، وقال : لا يصح العقد ما لم يعين الوقت الذي يلي العقد نصا . الشافعي
( وجه ) قوله إن قوله يوما أو شهرا أو سنة مجهول ; لأنه اسم لوقت منكر ، وجهالة الوقت توجب جهالة المعقود عليه ، وليس في نفس العقد ما يوجب تعيين بعض الأوقات دون بعض فيبقى مجهولا ، فلا بد من التعيين ، ولنا إن التعيين قد يكون نصا وقد يكون دلالة ، وقد وجد ههنا دلالة التعيين من وجهين : أحدهما : أن الإنسان إنما يعقد عقد الإجارة للحاجة ، والحاجة عقيب العقد قائمة ، والثاني : إن العاقد يقصد بعقده الصحة ولا صحة لهذا العقد إلا بالصرف في الشهر الذي يعقب العقد ، فيتعين ، بخلاف ما إذا قال : " لله علي أن أصوم شهرا أو أعتكف شهرا " أن له أن يصوم ويعتكف أي شهر أحب ولا يتعين الشهر الذي يلي النذر ; لأن تعين الوقت ليس بشرط لصحة النذر فوجب المنذور به في شهر منكر ، فله أن يعين أي شهر شاء ، ولو آجر داره شهرا أو شهورا معلومة فإن وقع العقد في غرة الشهر يقع على الأهلة ، بلا خلاف حتى لو نقص الشهر يوما كان عليه كمال الأجرة لأن الشهر اسم للهلال ، وإن وقع بعد ما مضى بعض الشهر ففي إجارة الشهر يقع على ثلاثين يوما بالإجماع لتعذر اعتبار الأهلة فتعتبر بالأيام .
وأما في إجارة الشهر ففيها روايتان عن في رواية اعتبر الشهور كلها بالأيام ، وفي رواية اعتبر تكميل هذا الشهر بالأيام من الشهر الأخير والباقي بالأهلة ، وهكذا ذكر في الأصل فقال : إذا استأجر سنة أولها هذا اليوم وهذا اليوم لأربعة عشر من الشهر فإنه يسكن بقية هذا الشهر ، وأحد عشر شهرا بالأهلة ، وستة عشر يوما من الشهر الأخير ، وهذا غلط وقع من الكاتب ، والصحيح أن يقال : وأربعة عشر يوما ; لأن ستة عشر يوما قد سكن فلم يبق لتمام الشهر بالأيام إلا أربعة عشر يوما ، وهكذا ذكر في بعض النسخ ، وإنما يسكن ستة عشر يوما إذا كان سكن أربعة عشر يوما ، وهو قول أبي حنيفة أبي يوسف ، ، ووجهه ما ذكرنا في كتاب الطلاق ; لأن اسم الشهور للأهلة إذ الشهر اسم للهلال لغة ، إلا أنه لا يمكن اعتبار الأهلة في الشهر الأول فاعتبر فيه الأيام ويمكن فيما بعده فيعمل بالأصل ; ولأن كل جزء من أجزاء المنفعة معقود عليه ; لأنه يتجدد ويحدث شيئا فشيئا فيصير عند تمام الشهر الأول كأنه عقد الإجارة ابتداء فيعتبر بالأهلة بخلاف العدة أنه يعتبر فيها الأيام على إحدى [ ص: 182 ] الروايتين ; لأن كل جزء من أجزاء العدة ليس بعدة ; ولأن العدة فيها حق الله تعالى فاعتبر فيها زيادة العدد احتياطا ، والإجارة حق العبد فلا يدخله الاحتياط ، وجه الرواية الأخرى أن الشهر الأول يكمل بالأيام بلا خلاف ، وإنما يكمل بالأيام من الشهر الثاني فإذا كمل بالأيام من الشهر الثاني يصير أول الشهر الثاني بالأيام ، فيكمل من الشهر الثالث وهكذا إلى آخر الشهور ، ولو ومحمد جاز بالإجماع ; لأن المدة معلومة والأجرة معلومة فلا يجوز - ولا يملك أحدهما - الفسخ قبل تمام السنة من غير عذر ، ولو لم يذكر السنة فقال : قال : أجرتك هذه الدار سنة كل شهر بدرهم جاز في شهر واحد عند أجرتك هذه الدار كل شهر بدرهم وهو الشهر الذي يعقب العقد كما في بيع العين بأن قال : بعت منك هذه الصبرة كل قفيز منها بدرهم أنه لا يصح إلا في قفيز واحد عنده ; لأن جملة الشهور مجهولة ، فأما الشهر الأول فمعلوم وهو الذي يعقب العقد ، وذكر أبي حنيفة القدوري أن الصحيح من قول أبي يوسف أنه لا يجوز أيضا ، وفرقا بين الإجارة وبيع العين من حيث إن كل شهر لا نهاية له فلا يكون المعقود عليه معلوما بخلاف الصبرة ; لأنه يمكن معرفة الجملة بالكيل ، وعامة مشايخنا قالوا تجوز هذه الإجارة على قولهما كل شهر بدرهم كما في بيع الصبرة كل قفيز بدرهم وفي بيع المذروع كل ذراع بدرهم ، وعند ومحمد لا يجوز البيع في المذروع في الكل لا في ذراع واحد ولا في الباقي ، وفي المكيل والموزون يجوز في واحد ولا يجوز في الباقي في الحال ، إلا إذا علم المشتري جملته في المجلس ; لأن بيع قفيز من صبرة جائز ; لأن الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لعدم التفاوت بين قفيز وقفيز فأما أبي حنيفة فلا يجوز لتفاوت في أجزاء الثوب فيفضي إلى المنازعة ، وقال بيع ذراع من ثوب : هذه الإجارة فاسدة واعتبرها ببيع كل ثوب من هذه الأثواب بدرهم ، وهذا الاعتبار غير سديد لأن الثياب تختلف في أنفسها اختلافا فاحشا ، ولا يمكن تعيين واحد منها لاختلافها ، فأما الشهور فإنها لا تختلف فيتعين واحد منها للإجارة عند الشافعي وهو الشهر الأول لما بينا ، وإذا جاز في الشهر الأول لا غير عند أبي حنيفة فلكل واحد منهما أن يترك الإجارة عند تمام الشهر الأول ، فإذا دخل الشهر الثاني ولم يترك أحدهما انعقدت الإجارة في الشهر الثاني ; لأنه إذا مضى الشهر الأول ولم يترك أحدهما فقد تراضيا على انعقاد العقد في الشهر الثاني فصارا كأنهما جددا العقد ، وكذا هذا عند مضي كل شهر بخلاف ما إذا أجر شهرا ، وسكت ولم يقل كل شهر ; لأن هناك لم يسبق منه شيء يبنى عليه العقد في الشهر الثاني ، ثم اختلف مشايخنا في وقت الفسخ وكيفيته قال بعضهم : إذا أهل الهلال يقول أحدهما على الفور : فسخت الإجارة فإذا قال ذلك لا ينعقد في الشهر الثاني ، وإن سكتا عنه انعقدت ، وقال بعضهم : يفسخ أحدهما الإجارة في الحال ، فإذا جاء رأس الشهر عمل ذلك الفسخ السابق ، وقال بعضهم : يفسخ أحدهما ليلة الهلال أو يومها وإن سكتا حتى غربت الشمس من اليوم الأول انعقدت الإجارة في الشهر الثاني ، وهذا أصح الأقاويل ، ومعنى الفسخ ههنا هو منع انعقاد الإجارة في الشهر الثاني ; لأنه رفع العقد الموجود من الأصل . أبي حنيفة
لم يجز ; لأن قدر الزمان الذي يسقي فيه الغنم غير معلوم فكان قدر المعقود عليه مجهولا وإن بين المدة جاز ; لأنه صار معلوما ببيان المدة والله عز وجل أعلم . ولو استأجر دلوا وبكرة ليسقي غنمه ولم يذكر المدة