وأما الذي يرجع إلى المعقود عليه فضروب : منها فإن [ ص: 180 ] كان مجهولا ينظر إن كانت تلك الجهالة مفضية إلى المنازعة تمنع صحة العقد ، وإلا فلا ; لأن الجهالة المفضية إلى المنازعة تمنع من التسليم والتسلم فلا يحصل المقصود من العقد فكان العقد عبثا لخلوه عن العاقبة الحميدة . : أن يكون المعقود عليه وهو المنفعة معلوما علما يمنع من المنازعة ،
وإذا لم تكن مفضية إلى المنازعة يوجد التسليم والتسلم فيحصل المقصود ، ثم العلم بالمعقود عليه وهو المنفعة يكون ببيان أشياء منها : بيان محل المنفعة حتى لو أو أحد هذين العبدين ، أو قال : استأجرت أحد هذين الصانعين لم يصح العقد ; لأن المعقود عليه مجهول لجهالة محله جهالة مفضية إلى المنازعة فتمنع صحة العقد ، وعلى هذا قال قال : أجرتك إحدى هاتين الدارين : إذا أبو حنيفة أنه لا يجوز لجهالة النصيب ، وقال باع نصيبا له من دار غير مسمى ولا يعرفه المشتري أبو يوسف : يجوز إذا علم به بعد ذلك ، وإن كان عرفه المشتري وقت العقد أو عرفه في المجلس جاز ، سواء كان البائع يعرفه ، أو لا يعرفه بعد أن صدق المشتري فيما قال : وجواب ومحمد مبني على أصلين أحدهما : أن بيع النصيب لا يجوز عنده ، وهو قول أبي حنيفة ، وعند محمد جائز ، والثاني : أن أبي يوسف غير جائزة عنده ، وإن كان المستأجر معلوما من نصف أو ثلث أو غير ذلك فالمجهول أولى ، وعندهما إجارة المشاع جائزة ، وإنما فرق إجارة المشاع بين الإجارة والبيع حيث جوز إجارة النصيب ولم يجوز بيع النصيب ; لأن الأجرة لا تجب بنفس العقد على أصل أصحابنا ، وإنما تجب عند استيفاء المعقود عليه وهو المنفعة ، والنصيب عند الاستيفاء معلوم بخلاف البيع فإن البدل فيه يجب بنفس العقد ، وعند العقد النصيب مجهول ، وعلى هذا يخرج قول محمد ما إذا استأجر من عقار مائة ذراع أو استأجر من أرض جريبا أو جريبين أنه لا يجوز ، كما لا يجوز البيع ; لأن اسم الذراع عنده يقع على القدر الذي يحله الذراع من البقعة المعينة وذلك للحال مجهول ، وكذا إجارة المشاع لا تجوز عنده وإن كان معلوما فالمجهول أولى ، وعندهما الذراع كالسهم وتجوز أبي حنيفة كذا إجارة الذراع ، وقد ذكرنا المسألة في كتاب البيوع ، وعلى هذا تخرج إجارة المشاع من غير الشريك عند إجارة السهم أنها لا تجوز ، لأن المعقود عليه مجهول لجهالة محله ، إذ الشائع اسم لجزء من الجملة غير عين من الثلث والربع ونحوهما وإنه غير معلوم فأشبه إجارة عبد من عبدين ، وعندهما جائز كبيع الشائع ، وبه أخذ أبي حنيفة ، وتخرج المسألة على أصل آخر هو أولى بالتخريج عليه ونذكر الدلائل هناك إن شاء الله تعالى ، وإن استأجر طريقا من دار ليمر فيها وقتا معلوما لم يجز في قياس قول الشافعي ; لأن البقعة المستأجرة غير معلومة من بقية الدار فكان إجارة المشاع فلا يجوز عنده وعندهما يجوز ، ولو استأجر ظهر بيت ليبيت عليه شهرا أو ليضع متاعه عليه اختلف المشايخ فيه لاختلاف نسخ الأصل ذكر في بعضها أنه لا يجوز ، وفي بعضها أنه يجوز وهو الصحيح ; لأن المعقود عليه معلوم ، وذكر في الأصل إذا أبي حنيفة لا يجوز في قياس قول استأجر علو منزل ليبني عليها ; لأن البناء عليه يختلف في الخفة والثقل ، والثقيل منه يضر بالعلو ، والضرر لا يدخل في العقد ; لأن الأجير لا يرضى به فكان مستثنى من العقد دلالة ولا ضابط له فصار محل المعقود عليه مجهولا ، بخلاف ما إذا استأجر أرضا ليبني عليها أنه يجوز ; لأن الأرض لا تتأثر لثقل البناء وخفته ، ويجوز في قياس قول أبي حنيفة أبي يوسف ; لأن البناء المذكور ينصرف إلى المتعارف ، والجواب ما ذكرنا أنه ليس لذلك حد معلوم ، وعلى هذا يخرج ما إذا استأجر شربا من نهر أو مسيل ماء في أرض أنه لا يجوز ; لأن قدر ما يشغل الماء من النهر والأرض غير معلوم ، ولو استأجر نهرا ليسوق منه الماء إلى أرض له فيسقيها لم يجز ، وذكر في الأصل إذا ومحمد لا يجوز في قول استأجر نهرا يابسا يجري فيه الماء إلى أرضه أو رحى أبي حنيفة وأبي يوسف وقال : أرأيت لو ومحمد ألم يكن هذا فاسدا ؟ ، وذكر استأجر ميزابا ليسيل فيه ماء المطر على سطح المؤاجر هشام عن فيمن محمد أنه يجوز ، فصار عن استأجر موضعا معلوما من أرض مؤقتا بوقت معلوم يسيل فيه ماءه روايتان ، وجه هذه الرواية أن المانع جهالة البقعة وقد زالت الجهالة بالتعيين ، وجه الرواية المشهورة وهو قول محمد أبي حنيفة أن مقدار ما يسيل من الماء في النهر والمسيل مختلف والكثير منه مضر بالنهر والسطح ، والمضر منه مستثنى من العقد دلالة ، وغير المضر غير مضبوط ، فصار محل المعقود عليه مجهولا ، ولو استأجر ميزابا ليركبه في داره كل شهر بشيء مسمى جاز ; لأن الميزاب المركب في داره لا تختلف منفعته بكثرة ما يسيل فيه وقلته ، [ ص: 181 ] فكان محل المعقود عليه معلوما ، ولو وأبي يوسف لم يجز لأن مقدار ما يصب فيها من الماء مجهول ، والضرر يختلف فيه بقلته وكثرته ، فكان محل المعقود عليه مجهولا وعلى هذا يخرج أيضا ما إذا استأجر بالوعة ليصب فيها وضوءا أو يبني عليه سترة أو يضع فيه ميزابا أنه لا يجوز ; لأن وضع الجذع وبناء السترة يختلف باختلاف الثقل والخفة ، والثقيل منه يضر بالحائط والضرر مستثنى من العقد دلالة وليس لذلك المضر حد معلوم فيصير محل المعقود عليه مجهولا ، وكذلك لو استأجر حائطا ليضع عليه جذوعا لم يجز لما قلنا ، فإن قيل أليس أنه لو استأجر دابة بغير عينها يجوز وإن كان المعقود عليه مجهولا لجهالة محله ؟ فالجواب : إن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لحاجة الناس إلى سقوط اعتبارها ; لأن المسافر لو استأجر دابة بعينها فربما تموت الدابة في الطريق فتبطل الإجارة بموتها ، ولا يمكنه المطالبة بدابة أخرى ، فيبقى في الطريق بغير حمولة فيتضرر به ، فدعت الضرورة إلى الجواز وإسقاط اعتبار هذه الجهالة لحالة الناس ، فلا تكون الجهالة مفضية إلى المنازعة كجهالة المدة وقدر الماء الذي يستعمل في الحمام ، وقال استأجر من الحائط موضع كوة ليدخل عليه الضوء ، أو موضعا من الحائط ليتد فيه وتدا هشام : سألت عن الاطلاء بالنورة بأن قال : أطليك بدانق ولا يعلم بما يطليه من غلظه ونحافته ، قال : هو جائز ; لأن مقدار البدن معلوم بالعادة والتفاوت فيه يسير لا يفضي إلى المنازعة ; ولأن الناس يتعاملون ذلك من غير نكير فسقط اعتبار هذه الجهالة بتعامل الناس . محمدا