الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الضرورة فنحو أن يموت أحد العبدين قبل الاختيار فيعتق الآخر ; لأنه بالموت خرج من أن يكون محلا لاختيار العتق المبهم فتعين الآخر ضرورة من غير تعيين المولى لا نصا ولا دلالة ، وهذا يدل على أن العتق غير نازل إذ لو كان نازلا ، لما تعين الآخر للعتق ; لأن التعيين للضرورة وهي ضرورة عدم المحل ولا ضرورة ; لأن الميت كان محلا للبيان إذ البيان تعيين لمن وقع عليه العتق بالإيجاب السابق وقت وجوده وكان حيا في ذلك الوقت ، وهذا بخلاف ما إذا باع أحد عبديه على أن المشتري بالخيار ثلاثة أيام ، فمات أحدهما أن ملك المشتري يتعين في الميت منهما ولا يتعين في الحي ; لأن هناك وجد المسقط للخيار في الميت قبل الموت وهو حدوث العيب فيه ، إذ الموت لا يخلو عن مقدمة مرض عادة ، فحدوث العيب فيه يبطل خيار المشتري فيه ; فيتعين بالبيع فيتعين الحي للرد ، وههنا حدوث العيب في أحدهما لا يوجب تعيينه للملك قبل الموت فيتعين للموت فيتعين الآخر للعتق ضرورة ، بخلاف ما إذا قال : أحد هذين ابني أو أحد هاتين أم ولدي ، فمات أحدهما لم يتعين الآخر للحرية والاستيلاد ، كذا روى ابن سماعة عن محمد ; لأن قوله : أحد هاتين أم ولدي ، أو أحد هذين ابني ، ليس بإنشاء بل هو إخبار عن أمر سابق والإخبار يصح في الحي والميت فيقف على بيانه ، وقوله : أحدكما حر ، أو أحد هذين حر إنشاء للحرية في أحدهما ، والإنشاء لا يصح إلا في الحي ، فإذا مات أحدهما تعين الآخر للحرية ، وكذا إذا قتل أحدهما سواء قتله المولى أو أجنبي ; لما قلنا ، غير أن القتل إن كان من المولى فلا شيء عليه وإن كان من الأجنبي فعليه قيمة العبد المقتول للمولى ، فإن اختار المولى عتق المقتول لا يرتفع العتق عن الحي ولكن قيمة المقتول [ ص: 105 ] تكون لورثته ; لأن المولى قد أقر بحريته فلا يستحق شيئا من قيمته ، فإن قطعت يد أحدهما لا يعتق الآخر سواء كان القطع من المولى أو من أجنبي ; لأن القطع لا يقطع خيار المولى لبقاء محل الخيار بخلاف القتل فإن قطع أجنبي يد أحدهما ثم بين المولى العتق فإن بينه في غير المجني عليه فالأرش للمولى بلا شك ، وإن بينه في المجني عليه ذكر القدوري في شرحه أن الأرش للمولى أيضا ولا شيء للمجني عليه من الأرش .

                                                                                                                                وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي إن الأرش يكون للمجني عليه ، وهكذا ذكر القاضي فيما إذا قطع المولى ، ثم بين العتق أنه إن بينه في المجني عليه يجب عليه أرش الأحرار ويكون للعبد ، وعلل بأنه أقر على نفسه بأنه جنى على حر ، وإن بينه في غير المجني عليه فلا شيء على المولى .

                                                                                                                                ولم يذكر القدوري هذا الفصل وإنما ذكر فصل الأجنبي ، وما ذكره القاضي قياس مذهب التنجيز ; لأن البيان يكون تعيينا لمن وقع عليه العتق فيتبين أنه كان حرا وقت ورود الجناية عليه ; فيوجب أرش الأحرار على المولى للعبد ، وما ذكره القدوري قياس مذهب التعليق ; لأن العتق ثبت وقت الاختيار مقصورا عليه فلا يظهر ; لأن الجناية صادفت يد حر ، والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية