( حدثنا هناد حدثنا عبدة عن محمد بن عمر ، وحدثنا أبو سلمة عن عائشة قالت : لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم في الشهر ) أي : في شهر من الأشهر ( أكثر من صيامه ) صفة مفعول مطلق أي : صياما أكثر من صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - ( في شعبان ) متعلق بصيامه ، ومن المعلوم أن المراد هنا صيام التطوع ، فلا يشكل برمضان ثم جملة يصوم حال من مفعول لم أر إن كانت الرؤية بصرية ، وإلا بأن كانت علمية ، وهو الأظهر فهي مفعول ثان لها وأما قول ابن حجر ، فأكثر ثاني مفعوليه فليس له وجه ( كان يصوم [ ص: 121 ] شعبان إلا قليلا بل كان يصوم كله ) أي : كان يصوم كله يعني أن ما لا يصومه من شعبان كان في غاية من القلة بحيث يظن أنه صام كله فكلمة بل للترقي ، ولا ينافي حينئذ قولها إلا قليلا ولا ما سبق من أنه ما صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا رمضان ، ويمكن أن يحمل أيضا كله هنا على حقيقته بأن كان هذا قبل قدومه - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، وحينئذ كان بل إضرابا عن قولها إلا قليلا ، وحكمة الإضراب أن قولها إلا قليلا ربما يتوهم منه أن ذلك القليل يكون ثلث الشهر ، فبينت بكله أنه كان قليلا جدا بحيث يظن أنه صامه كله وأما قول ابن حجر وإنما لم يكمله لئلا يظن وجوبه ففيه بحث ظاهر لا يخفى على ذوي النهى هذا وفي رواية الشيخين عن عائشة .
. ما رأيته استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان
وفي رواية لها ، وفي آخر لم يكن يصوم شهرا أكثر من شعبان ثم يصله برمضان للنسائي ، وفي أخرى له أيضا كان يصوم شعبان أو عامة شعبان وظاهر هذه الأحاديث أن كان يصوم شعبان كله أفضل من رجب وغيره من أشهر الحرم لكن يشكل بما رواه صوم شعبان مسلم عن مرفوعا . أبي هريرة
. أفضل الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم
وأجيب بأنه يحتمل أنه لم يعلم فضل صوم المحرم إلا في آخر حياته قبل التمكن من صومه أو كان يحصل له عذر من سفر أو مرض يمنعه عن إكثار الصوم فيه على ما قاله النووي وقال ميرك : كلا الوجهين لا يخلو عن بعد انتهى .
وبما رواه عن الطبراني عائشة كان - صلى الله عليه وسلم - ، فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان . يصوم ثلاثة أيام من كل شهر
وبأنه كان يخص شعبان بالصيام تعظيما لرمضان فيكون بمنزلة تقديم السنن الرواتب في الصلوات قبل المكتوبات ويؤيده خبر غريب عند المص ، ولو في إسناده صدقة ، وهو عندهم ليس بذلك القوي ، أنه لتعظيم رمضان وبأن صومه كالتمرن على صوم رمضان ، والنهي عن الصوم في النصف الثاني من شعبان محمول على من لم يصله بما قبله ، ولم يكن له عادة ، ولا قضاء ، ولا نذرا ، ويضعفه عن أداء رمضان أو يكسله ، فيصوم الفرض بلا نشاط . سئل - صلى الله عليه وسلم - أي الصوم أفضل بعد قال : شعبان
وبما ورد في الخبر الصحيح على ما رواه ، النسائي وأبو داود ، وصححه عن ابن خزيمة قال : أسامة بن زيد . يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال : ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ، ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي ، وأنا صائم
ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلى لكن قال فيه إن الله يكتب كل نفس ميتة تلك السنة ، فأحب أن يأتيني أجلي ، وأنا صائم .
ففيه إشعار بأن الناس كانوا يصومون في رجب كثيرا لكونه من الأشهر الحرم المعظم عندهم ، فنبههم بكثرة صيامه فيه أنهم لا يغفلون عنه مع زيادة إفادة أن الأعمال ترفع فيه ، والآجال تنسخ فيه ، ويؤيده ما روي عن عائشة .
قلت يا رسول الله أرى أكثر صيامك في شعبان قال [ ص: 122 ] إن هذا الشهر يكتب فيه لملك الموت من يقبض ; فأحب أن لا ينسخ اسمي إلا وأنا صائم ، ولعل هذا هو الحكمة في وجه اختصاص شعبان به عليه السلام حيث قال .
رجب شهر الله ، وشعبان شهري ، ورمضان شهر أمتي .
على ما رواه الديلمي وغيره عن أنس قال ابن حجر . وأما ما ذكره عن ابن ماجه أنه - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس أنهى عن صيام رجب فالصحيح وقفه على . ابن عباس
فمحل بحث لأن الموقوف إذا جاء بطريق آخر مرفوع فالمحققون يرجحون الرفع مع أن مثل هذا الموقوف في حكم المرفوع .
نعم يعارضه ما في سنن أبي داود أنه - صلى الله عليه وسلم - ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم ، فيمكن أن يقال ورجب أحدها ، ويمكن أن يقيد بغير رجب .
وكذا ينافيه أيضا ما رواه أبو داود ، وغيره عن عروة أنه قال لعبد الله بن عمر هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم في رجب قال نعم ، ويشرفه قالها ثلاثا .
وكذا ما روي عن أبي قلابة أن في الجنة قصرا لصوم رجب وهو من كبار التابعين لا يقوله إلا عن بلاغ كما قاله البيهقي فيحتاج إلى ترجيح بتصحيح أحدهما أو إلى نسخ أحدهما إن عرف تاريخهما .