الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        وأما المرجحات بحسب الأمور الخارجة فهي أنواع :

                        ( النوع الأول ) : أنه يقدم ما عضده دليل آخر على ما لم يعضده دليل آخر .

                        ( النوع الثاني ) : أن يكون أحدهما قولا والآخر فعلا ، فيقدم القول ؛ لأن له صيغة ، والفعل لا صيغة له .

                        ( النوع الثالث ) : أنه يقدم ما كان فيه التصريح بالحكم ، على ما لم يكن كذلك ، كضرب الأمثال ونحوها ، فإنها ترجح العبادة على الإشارة .

                        ( النوع الرابع ) : أنه يقدم ما عمل عليه أكثر السلف على ما ليس كذلك ؛ لأن الأكثر أولى بإصابة الحق وفيه نظر ؛ لأنه لا حجة في قول الأكثر ، ولا في عملهم ، فقد يكون الحق في كثير من المسائل مع الأقل ، ولهذا مدح الله القلة في غير موضع من كتابه .

                        ( النوع الخامس ) : أن يكون أحدهما موافقا لعمل الخلفاء الأربعة دون الآخر ، فإنه يقدم الموافق وفيه نظر .

                        ( النوع السادس ) : أن يكون أحدهما توارثه أهل الحرمين دون الآخر ، وفيه نظر .

                        ( النوع السابع ) : أن يكون أحدهما موافقا لعمل أهل المدينة ، وفيه نظر أيضا .

                        ( النوع الثامن ) : أن يكون أحدهما موافقا للقياس دون الآخر ، فإنه يقدم الموافق .

                        ( النوع التاسع ) : أن يكون أحدهما أشبه بظاهر القرآن ، دون الآخر ، فإنه يقدم الأشبه .

                        [ ص: 795 ] ( النوع العاشر ) : أنه يقدم ما فسره الراوي له بقوله ، أو فعله على ما لم يكن كذلك .

                        وقد ذكر بعض أهل الأصول مرجحات في هذا القسم زائدة على ما ذكرناه هاهنا ، وقد ذكرناها في الأنواع المتقدمة ؛ لأنها بها ألصق ، ومن أعظم ما يحتاج إلى المرجحات الخارجة إذا تعارض عمومان بينهما عموم وخصوص من وجه ، وذلك كقوله - تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين مع قوله : أو ما ملكت أيمانكم فإن الأولى خاصة في الأختين ، عامة في الجمع بين الأختين في الملك ، أو بعقد النكاح ، والثانية عامة في الأختين وغيرهما ، خاصة في ملك اليمين ، وكقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها مع نهيه عن الصلاة في الأوقات المكروهة فإن الأول عام في الأوقات ، خاص في الصلاة المقتضية ، والثاني عام في الصلاة ، خاص في الأوقات ، فإن علم المتقدم من العمومين ، والمتأخر منهما ، كان المتأخر ناسخا عند من يقول إن العام المتأخر ينسخ الخاص المتقدم .

                        وأما من لا يقول ذلك فإنه يعمل بالترجيح بينهما .

                        وإن لم يعلم المتقدم منهما من المتأخر وجب الرجوع إلى الترجيح ، على القولين جميعا ، بالمرجحات المتقدمة .

                        وإذا استويا إسنادا ومتنا ودلالة رجع إلى المرجحات الخارجية .

                        وإن لم يوجد مرجح خارجي ، وتعارضا من كل وجه فعلى الخلاف المتقدم ، هل يخير المجتهد في العلم بأحدهما ، أو يطرحهما ، ويرجع إلى دليل آخر إن وجد ، أو إلى البراءة الأصلية .

                        [ ص: 796 ] ونقل سليم الرازي عن أبي حنيفة أنه يقدم الخبر الذي فيه ذكر الوقت ، ولا وجه لذلك .

                        قال ابن دقيق العيد : هذه المسألة من مشكلات الأصول ، والمختار عند المتأخرين الوقف ، إلا بترجيح يقوم على أحد اللفظين بالنسبة إلى الآخر ، وكأن مرادهم الترجيح العام ، الذي لا يخص مدلول العموم كالترجيح بكثرة الرواة ، وسائر الأمور الخارجة عن مدلول العموم ، ثم حكي عن الفاضل أبي سعيد محمد بن يحيى أنه ينظر فيهما ، فإن دخل أحدهما تخصيص مجمع عليه فهو أولى بالتخصيص ، وكذلك إذا كان أحدهما مقصودا بالعموم رجح على ما كان عمومه اتفاقيا .

                        قال الزركشي في البحر : وهذا هو اللائق بتصرف الشافعي في أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة ، فإنه قال لما دخلها التخصيص بالإجماع في صلاة الجنازة ضعفت دلالتها ، فتقدم عليها أحاديث المقضية ، وتحية المسجد وغيرهما ، وكذلك نقول دلالة وأن تجمعوا بين الأختين على تحريم الجمع مطلقا في النكاح والملك - أولى من دلالة الآية الثانية على جواز الجمع في ملك اليمين ؛ لأن هذه الآية ما سيقت لبيان حكم الجمع .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية