الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإن زنى الحر غير المحصن ، جلد مائة جلدة ، وغرب عاما إلى مسافة القصر ، وعنه : أن المرأة تنفى إلى دون مسافة القصر ، ويخرج معها محرمها ، فإن أراد أجرة بذلت من مالها ، فإن تعذر فمن بيت المال ، فإن أبى الخروج معها استؤجرت امرأة ثقة ، فإن تعذر نفيت بغير محرم ، ويحتمل أن يسقط النفي ، وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة بكل حال ، ولا يغرب . وإن كان نصفه حرا فحده خمس وسبعون جلدة ، وتغريب نصف عام ، ويحتمل ألا يغرب . وحد اللوطي كحد الزاني سواء ، وعنه : حده الرجم بكل حال .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة ) ولا يجب غيره ، نقله أبو الحارث والميموني ، قاله في الانتصار ، لقوله تعالى : الزانية والزاني الآية [ النور : 2 ] ولقوله عليه السلام : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام وذلك وإن كان عاما فيخرج منه الرقيق كما يأتي ، والمحصن لما سبق ، فيبقى ما عداه على مقتضاه ، ولأن الخلفاء الراشدين فعلوا ذلك بالحر غير المحصن ، وانتشر ولم يعرف لهم مخالف ، فكان كالإجماع ( وغرب عاما ) في قول الجمهور ( إلى مسافة القصر ) لأن ما دون ذلك في حكم الحضر ، فإن عاد قبل الحول ، أعيد تغريبه ، ويبنى على ما مضى ، ونقل الأثرم : أنه لا يشترط مسافة القصر ، بل ينفى من عمله إلى عمل غيره ، وإن زنى في البلد الذي غرب إليه غرب منه إلى بلد آخر ، وظاهره : أن المرأة تغرب إلى مسافة القصر ، لوجوبه كالدعوى ( وعنه : أن المرأة تنفى إلى دون مسافة القصر ) قدمه في المحرر ، وجزم به في الوجيز ، لتقرب من أهلها فيحفظوها ، وعنه : تغرب إلى مسافة قصر مع محرمها ، ومع تعذره إلى دونها ( ويخرج معها محرمها ) وجوبا إن تيسر ، لأنه سفر واجب ، أشبه سفر الحج ، والمراد إذا كان باذلا ( فإن أراد أجرة بذلت من مالها ) لأن ذلك من مئونة سفرها ، أشبه المركوب والنفقة ( فإن تعذر [ ص: 65 ] فمن بيت المال ) لأن فيه مصلحة ، أشبه نفقة نفسها ، وهذا قول ، ويقيد بما إذا أمكن ( فإن أبى الخروج معها استؤجرت امرأة ثقة ) اختاره جماعة ، لأنه لا بد من شخص يكون معها لأجل حفظها ، وحينئذ لم يكن بد من امرأة ثقة ليحصل المقصود من الحفظ ، وأجرتها على الخلاف ( فإن تعذر نفيت بغير محرم ) قاله إمامنا والشافعي ، كسفر الهجرة والحج إذا مات المحرم في الطريق ، وفي الترغيب وغيره : مع الأمن ، وعنه : بلا محرم ، تعذر أو لا ، لأنه عقوبة ، ذكره ابن شهاب ( ويحتمل أن يسقط النفي ) عنها إذن كسقوط سفر الحج عنها ، فكذا هنا ، قال المؤلف : وهذا هو اللائق بالشريعة ، فإن نفيها بغير محرم إغراء لها بالفجور ، وتعريض لها بالفتنة ، لا يقال : حديث التغريب عام ، لأنه يخص بقوله عليه السلام : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم ( وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة ) لما روى أبو هريرة وزيد بن خالد ، قالا : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فقال : إذا زنت فاجلدوها . الخبر متفق عليه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين . رواه عبد الله بن أحمد ، ورواه مالك عن عمر ( بكل حال ) سواء كان مزوجا أو غير مزوج للعموم ، وخرق أبو ثور الإجماع في إيجاب الرجم على المحصنات ، كما خرق داود الإجماع في تكميل الحد على العبد ، وتضعيف حد الأبكار على المحصنات ( ولا يغرب ) ولا يعير نص عليهما ، وهو المشهور ، لأنه عليه السلام لم يذكره ، ولو كان واجبا لبينه كغيره ، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، ولأنه مشغول بخدمة السيد ، [ ص: 66 ] وفي تغريبه ضياع لها من غير جناية منه ، بدليل سقوط الجمعة ، ويتوجه احتمال بالنفي ، لأن عمر نفاه . رواه البخاري . قال في كشف المشكل : يحتمل قوله : نفاه ، أي : أبعده من صحبته ( وإن كان نصفه حرا فحده خمس وسبعون جلدة ) لأن أرش جراحه على النصف من الحر والنصف من العبد ، فكذا حده ، وفي الأول خمسون ، وفي الثاني خمس وعشرون ، وفي الفروع وغيره : والمعتق بعضه بالحساب ، وهو أولى ( وتغريب نصف عام ) في المنصوص ، لأن الحر تغريبه عام والعبد لا تغريب عليه ، فنصف الواجب من التغريب نصف عام ، وإن كان بعضه فبالحساب كالحد ( ويحتمل ألا يغرب ) لأن حق السيد بعضه ، فيقتضي بقاءه في بلده ، ليتمكن من الانتفاع بحصته ، فغلب حقه على التغريب ، لما في حق السيد من التأكيد .

                                                                                                                          فرع : إذا زنى عبد ثم عتق فعليه حد الرقيق ، وإن كان أحد الزانيين حرا والآخر رقيقا فعلى كل منهما حده ، وإن زنى بعد العتق وقبل العلم به فعليه حد حر ، وإن عفا السيد عنه لم يسقط حده في قول عامتهم ( وحد اللوطي كحد الزاني سواء ) قدمه في المحرر والمستوعب والرعاية ، وجزم به في الوجيز ، لقوله عليه السلام : إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان ولأنه زنا ، فكان فاحشة كالإيلاج في فرج المرأة ، فعلى هذا إن كان محصنا رجم ، وإن كان غير محصن جلد مائة وغرب عاما ، وإن كان عبدا جلد خمسون من غير تغريب ( وعنه : حده الرجم بكل حال ) بكرا كان أو ثيبا ، محصنا أو غيره ، وهو قول علي وابن عباس وغيرهما ، قال بعضهم : وهي أظهر الروايتين ، [ ص: 67 ] وصححه ابن هبيرة لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وإسناده ثقات . وعن ابن عباس في البكر : يرجم . رواه أبو داود بإسناد جيد . واحتج به أحمد ، وبالجملة فالإجماع منعقد على تحريمه ، وقد عابه الله في كتابه وذم فاعله ، ولهذا قال أبو بكر الصديق : يحرق اللوطي ، وهو قول ابن الزبير ، وقال أبو بكر : لو قتل بلا استتابة لم أر به بأسا ، وأنه لما كان مقيسا على الزاني في الغسل كذلك الحد ، وإن الغسل قد يجب ولا حد ، لأنه يدرأ بالشبهات ، بخلاف الغسل ، فدل أنه يلزم من نفي الغسل نفي الحد وأولى ، ونصره ابن عقيل ، لأنه أبعد من أحد فرجي الخنثى المشكل ، لخروجه عن هيئة الفروج وأحكامها .

                                                                                                                          مسائل : يعزر غير البالغ منهما ، ولا حد على من وطئ زوجته أو مملوكته في دبرها ، بل يعزر ، قال في الفروع : ومملوكه كأجنبي ، وفي الترغيب : ودبر أجنبية كلواط ، وقيل : كزنا ، وزان بذات محرم كلواط ، ونقل جماعة : ويؤخذ ماله ، لخبر البراء ، وأوله الأكثر على عدم وارث ، وأول جماعة ضرب العنق فيه على ظن الراوي ، قال أحمد : يقتل ويؤخذ ماله على خبر البراء ، إلا رجلا يراه مباحا فيجلد ، قلت : فالمرأة ؛ قال : كلاهما في معنى واحد يقتل ، وقال أبو بكر : هو محمول عند أحمد على المستحل ، وإن غير المستحل كزان .



                                                                                                                          الخدمات العلمية