الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وعلى الإمام أن يراسلهم ، ويسألهم ما ينقمون منه ، ويزيل ما يذكرونه من مظلمة ، ويكشف ما يدعونه من شبهة ، فإن فاءوا ، وإلا قاتلهم ، وعلى رعيته معونته على حربهم ، فإن استنظروه مدة رجا رجوعهم فيها أنظرهم ، فإن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم وقاتلهم .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وعلى الإمام أن يراسلهم ) للنص ، إذ المراسلة ، والسؤال طريق إلى الصلح ، لأن ذلك وسيلة إلى رجوعهم إلى الحق ، وقد روي أن علي بن أبي طالب راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل ، ولما اعتزلته الحرورية بعث إليهم عبد الله بن عباس ، فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف ( ويسألهم ما ينقمون منه ويزيل ما يذكرونه من مظلمة ) لأن ذلك وجب مع إفضاء الأمر إلى القتل والهرج والمرج ، فلأن يجب في حال يؤدي إلى ذلك بطريق الأولى ( ويكشف ما يدعونه من شبهة ) لأن كشفها طريق إلى رجوعهم إلى الحق ، وذلك مطلوب إلا أن يخاف كلبهم [ ص: 161 ] فلا يمكن ذلك في حقهم ، فإن أبوا الرجوع وعظهم ، وخوفهم القتال ، لأن المقصود دفع شرهم لا قتلهم ، ( فإن فاءوا ) أي : رجعوا إلى الطاعة ( وإلا قاتلهم ) أي : يلزم القادر قتالهم ، لإجماع الصحابة على ذلك ، وقال الشيخ تقي الدين : الأفضل تركه حتى يبدءوه ، وهو ظاهر اختيار المؤلف ، وقالا في الخوارج : له قتلهم ابتداء ، وتتمة الجريح ، وفي " المغني " و " الشرح " في الخوارج : ظاهر قول المتأخرين من أصحابنا أنهم بغاة ، لهم حكمهم ، وفرق جمهور العلماء بين الخوارج والبغاة المتأولين ، وهو المعروف عن الصحابة وغيرهم ( وعلى رعيته معونته على حربهم ) لقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ] النساء : 59 [ ولقوله عليه السلام : من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه . رواه أحمد ، وأبو داود من حديث أبي ذر رضي الله عنه ( فإن استنظروه مدة رجا رجوعهم فيها أنظرهم ) حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه ، وفي " الرعاية " : ثلاثا ، ولأن الإنظار المرجو به رجوعهم أولى من معالجتهم بالقتال المؤدي إلى الهرج والمرج ( فإن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم ) لأن الإنظار لا يؤمن منه أن يصير طريقا إلى قهر أهل الحق ، وذلك لا يجوز ، وإن أعطوه عليه مالا أو رهنا ، لأنه يخلي سبيلهم إذا انقضت الحرب كما يخلي الأسارى ، ولا يجوز قتلهم ، فإن سألوه أن ينظرهم أبدا ، ويدعهم وما هم عليه ويكفوا عن المسلمين ، فإن قوي عليهم لم يجز إقرارهم على ذلك ، وإلا جاز ( وقاتلهم ) حيث قوي على ذلك ، فإن ضعف عنه أخره حتى يقوى ، فإن حضر معهم من لا يقاتل لم يجز قتله ، وإذا قاتل معهم عبيد ، أو نساء ، أو صبيان ، [ ص: 162 ] فهم كالرجل البالغ الحر ، وفي " الترغيب " : ومراهق وعبد كخيل .



                                                                                                                          الخدمات العلمية