الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين ، فيحلفون خمسين يمينا ، ويختص ذلك بالوارث ، فتقسم الأيمان بين الرجال على قدر ميراثهم ، فإن كان الوارث واحدا حلفها ، وإن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم ، فإن كان فيها كسر جبر عليهم ، مثل زوج وابن ، يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا ، والابن ثمانية وثلاثين ، ولو خلف ثلاثة بنين حلف كل واحد سبع عشرة يمينا ، وعنه : يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث ، خمسون رجلا ، كل واحد يمينا ، فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يمينا ، وبرئ وإن لم يحلف المدعون ، ولم يرضوا بيمين المدعى عليه ، فداه الإمام من بيت المال ، وإن طلبوا أيمانهم فنكلوا لم يحبسوا ، وهل تلزمهم الدية ، أو تكون في بيت المال ؛ على روايتين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين ) أي : ذكور العصبة العدول أولا ، نص عليه لقوله عليه السلام : فيحلف خمسون منكم ( فيحلفون خمسين يمينا ) [ ص: 39 ] أيمان القسامة خمسون بالإجماع على المدعى عليه أنه قتله ، فإذا حلف ثبت الحق في قبله لحديث سهل ، ولما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا ، قال : البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر إلا في القسامة . رواه الدارقطني . من رواية مسلم بن خالد الزنجي ، وذكر أنه روي مرسلا ، وروي أيضا بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة مرفوعا كذلك ، وهذه الزيادة يتعين العمل بها ، لأن الزيادة من الثقة مقبولة ، ولأنها أيمان مكررة ، فيبدأ فيها بأيمان المدعين كاللعان ، وظاهره : أنه لا يشترط اتفاق المجلس من جميعهم ، وفيه قول حكاه في الرعاية ( ويختص ذلك بالوارث ) في ظاهر المذهب ، لأنها أيمان في دعوى ، فلم تشرع في حق غير الوارث كسائر الأيمان ( فتقسم الأيمان بين الرجال على قدر ميراثهم ) أي : تقسم بين الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر إرثهم إن كانوا جماعة ( فإن كان الوارث واحدا حلفها ) لأنه قائم مقام الجماعة في استحقاق الدية ، فكذا في الأيمان ، ونقل الميموني : لا أجترئ عليه ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يحلف منكم خمسون فمن احتج للأول يحتج بحديث معاوية ، فرددها على الثلاثة الذين ادعي عليهم ، فحلفوا خمسين يمينا ، وفي مختصر ابن رزين : يحلف ولي يمينا ( وإن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم ) لأن موجبها الدية ، وهي تقسم كذلك ، فكذا يجب أن تقسم هي ، فإن كانوا أكثر من خمسين حلف خمسون ، كل واحد يمينا ( فإن كان فيها كسر جبر عليهم ، مثل زوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا ، والابن ثمانية وثلاثين ) لأن تكميل الخمسين واجب ولا يمكن تبعيضها ، والخبر في كل واحد لعدم المزية ، فالزوج له الربع اثنا عشر ونصفا [ ص: 40 ] فيكمل ، والابن له الباقي ، وهو سبع وثلاثون ونصفا فيكمل ، فيصير كما ذكره فيهما ، فإن كان معهما بنت حلف الزوج سبع عشرة يمينا ، والابن أربعا وثلاثين ( ولو خلف ثلاثة بنين حلف كل واحد سبع عشرة يمينا ) لأن لكل ابن ثلث الأيمان : ست عشرة يمينا وثلثين ، ثم تكمل ( وعنه : يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث ، خمسون رجلا ، كل واحد يمينا ) لقوله عليه السلام : يحلف خمسون منكم مع علمه أنه لم يكن لعبد الله بن سهل خمسون رجلا وارثا ، لأنه لا يرثه إلا أخوه أو من هو في درجته ، أو أقرب منه نسبا ، ولأنه خاطب ابني عمه وهما غير وارثين ، لكن يحلف الوارث منهم الذين يستحقون دمه ، فإن لم يبلغوا يؤخذ الأقرب فالأقرب من قبيلته التي ينسب إليها ، ويعرف لنفسه نسبه من المقتول ، فأما من عرف أنه من القبيلة ولم يعرف وجه النسب لم يقسم ، ذكره جماعة ، وسأله الميموني : إن لم يكن له أولياء ؛ قال : فقبيلته التي هو فيها وأقربهم منه .

                                                                                                                          فرع : إذا مات المستحق فوارثه كهو ، ويستأنف وارثه الأيمان سواء حلف قبل موته شيئا أو لا ، لأنه لا يجوز أن يأخذ شيئا بيمين غيره ، ولو حلف المستحق بعض الأيمان ، ثم جن ، ثم أفاق ، أو عزل الحاكم ، فإنه يبني ( فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يمينا ، وبرئ ) في ظاهر المذهب ، وهو قول الأكثر ، لقوله عليه السلام : فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم أي : يبرءون منكم ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغرم اليهود ، وأنه أداها من عنده ، ولأنها أيمان مشروعة في حق المدعى عليه ، فتبرأ بها كسائر الأيمان ، وعنه أنهم يحلفون [ ص: 41 ] ويغرمون الدية لقضاء عمر بالدية مع اليمين ، والأول أولى ، لأن عمر إنما قضى على أهل المحلة ، وليس ذلك مذهبا لأحمد ، ويعتبر حضور المدعى عليه وقت يمينه كالبينة وحضور المدعي ، ذكره المؤلف ( وإن لم يحلف المدعون ، ولم يرضوا بيمين المدعى عليه ، فداه الإمام من بيت المال ) أي : أدى ديته من بيت المال لقضية عبد الله بن سهل ، ولم يجب على المدعى عليهم شيء ( وإن طلبوا أيمانهم ) أي : أيمان المدعى عليهم ( فنكلوا لم يحبسوا ) في الأشهر ، لأنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه فلم يحبس عليه كسائر الأيمان ، وعنه : يحبس حتى يقرأ أو يحلف ، لأنها دعوى فيحبس فيها بالنكول كالمال ، وعلى الأولى : لا يجب قود بنكول ، لأنه حجة ضعيفة كشاهد ويمين ، ذكره في المغني ( وهل تلزمهم الدية ، أو تكون في بيت المال ؛ على روايتين ) أظهرهما : تلزمه الدية ، اختارها أبو بكر وقدمها في الرعاية ، وهو الصحيح ، لأنه حكم ثبت بالنكول ، فيثبت في حقهم كسائر الدعاوى ، ولو لم يجب على المدعي عليه مال بنكوله ، ولم يجبر على اليمين لخلا من وجوب شيء عليه بالكلية . والثانية : في بيت المال ، لأنهم امتنعوا عن اليمين أشبه امتناع المدعيين ، إذا لم يرضوا بيمين المدعي عليه .

                                                                                                                          فائدة : يقول تالله ، وبالله ، ووالله بالجر ، فإن قاله مضموما أو منصوبا فقد لحن ، قال القاضي : ويجزئه إن تعمد ، أو لم يتعمد ، لأنه لحن لا يحيل المعنى ، ويستحب أن يستظهر في ألفاظ اليمين في القسامة تأكيدا .

                                                                                                                          فرع : سأله ابن منصور عن قتيل بين قريتين ، قال : هذا قسامة قال المروذي : احتج أحمد بأن عمر جعل الدية على أهل القرية ، ونقل حنبل : أذهب [ ص: 42 ] إلى حديث عمر : " قيسوا ما بين الحيين فإلى أيهما كان أقرب فخذهم به ، وعن أبي سعيد الخدري ، قال : " وجد قتيل بين قريتين ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فذرع ما بينهما ، فوجد إلى أحدهما أقرب ، فكأني أنظر إلى شبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فألقاه على أقربهما " رواه أحمد في مسنده .




                                                                                                                          الخدمات العلمية