الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3825 ) فصل : ولا يصح استثناء الكل بغير خلاف ; لأن الاستثناء رفع بعض ما تناوله اللفظ ، واستثناء الكل رفع الكل ، فلو صح صار الكلام كله لغوا غير مفيد ، فإن قال : له علي درهم ودرهم إلا درهما . أو ثلاثة دراهم ودرهمان إلا درهمين . أو ثلاثة ونصف إلا نصفا ، أو إلا درهما . أو خمسة وتسعون إلا خمسة . لم يصح الاستثناء ، ولزمه جميع ما أقر به قبل الاستثناء . وهذا قول الشافعي . وهو الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة ، وفيه وجه آخر ، أنه يصح ; لأن الواو العاطفة تجمع بين العددين ، وتجعل الجملتين كالجملة الواحدة ، ومن أصلنا أن الاستثناء إذا تعقب جملا معطوفا بعضها على بعض بالواو ، عاد إلى جميعها ، كقولنا في قول الله تعالى : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا : } إن الاستثناء عاد إلى الجملتين ، فإذا تاب القاذف قبلت شهادته . ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه } .

                                                                                                                                            والوجه الأول أولى ; لأن الواو لم تخرج الكلام من أن يكون جملتين ، والاستثناء يرفع إحداهما جميعا ، [ ص: 93 ] ولا نظير لهذا في كلامهم ، ولأن صحة الاستثناء تجعل إحدى الجملتين مع الاستثناء لغوا ، لأنه أثبت شيئا بلفظ مفرد ، ثم رفعه كله ، فلا يصح ، كما لو استثنى منها وهي غير معطوفة على بعضها ، فأما الآية والخبر ، فإن الاستثناء لم يرفع إحدى الجملتين ، إنما أخرج من الجملتين معا من اتصف بصفة ، فنظيره ما لو قال للبواب : من جاء يستأذن فأذن له ، وأعطه درهما ، إلا فلانا .

                                                                                                                                            ونظير مسألتنا ما لو قال : أكرم زيدا وعمرا إلا عمرا . وإن قال : له علي درهمان وثلاثة إلا درهمين . لم يصح أيضا ; لأنه يرفع الجملة الأولى كلها ، فأشبه ما لو قال : أكرم زيدا وعمرا إلا زيدا . وإن قال : له علي ثلاثة وثلاثة إلا درهمين ، خرج فيه وجهان ; لأنه استثنى أكثر الجملة التي تليه ، واستثناء الأكثر فاسد ، كاستثناء الكل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية