الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4179 ) فصل : القسم الثاني أن يحدث على العين ما يمنع نفعها ، كدار انهدمت ، وأرض غرقت ، أو انقطع ماؤها ، فهذه ينظر فيها ; فإن لم يبق فيها نفع أصلا ، فهي كالتالفة سواء ، وإن بقي فيها نفع غير ما استأجرها له ، مثل أن يمكن الانتفاع بعرصة الدار والأرض لوضع حطب فيها ، أو نصب خيمة في الأرض التي استأجرها للزرع ، أو صيد السمك من الأرض التي غرقت ، انفسخت الإجارة أيضا ; لأن المنفعة التي وقع عليها العقد تلفت ، فانفسخت الإجارة ، كما لو استأجر دابة ليركبها ، فزمنت بحيث لا تصلح إلا لتدور في الرحى . وقال القاضي ، في الأرض التي ينقطع ماؤها : لا تنفسخ الإجارة فيها

                                                                                                                                            وهو منصوص الشافعي ; لأن المنفعة لم تبطل جملة ; لأنه يمكن الانتفاع بعرصة الأرض بنصب خيمة ، أو جمع حطب فيها ، فأشبه ما لو نقص نفعها مع بقائه . فعلى هذا يخير المستأجر بين الفسخ والإمضاء ; فإن فسخ فحكمه حكم العبد إذا مات ، وإن اختار إمضاء العقد ، فعليه جميع الأجر ; لأن ذلك عيب ، فإذا رضي به ، سقط حكمه . فإن لم يختر الفسخ ولا الإمضاء ، إما لجهله بأن له الفسخ ، أو لغير ذلك ، فله الفسخ بعد ذلك . والأول أصح ، لأن بقاء غير المعقود عليه لا يمنع انفساخ العقد بتلف المعقود عليه ، كما في البيع

                                                                                                                                            ولو كان النفع الباقي في الأعيان مما لا يباح استيفاؤه بالعقد ، كدابة استأجرها للركوب فصارت لا تصلح إلا للحمل ، أو بالعكس ، انفسخ العقد . وجها واحدا ; لأن المنفعة الباقية لا يملك استيفاؤها مع سلامتها ، فلا يملكها مع تعيبها كبيعها . وأما إن أمكن الانتفاع بالعين فيما اكتراها له ، على نعت من القصور ، مثل أن يمكنه زرع الأرض بغير ماء ، أو كان الماء ينحسر عن الأرض التي غرقت على وجه يمنع بعض الزراعة أو يسوء الزرع ، أو كان يمكنه سكنى ساحة الدار ، إما في خيمة أو غيرها ، لم تنفسخ الإجارة ; لأن المنفعة المعقود عليها لم تزل بالكلية ، فأشبه ما لو تعيبت ، وللمستأجر خيار الفسخ على ما ذكرنا ، إلا في الدار إذا انهدمت ، فإن فيها وجهين أحدهما لا تنفسخ الإجارة ،

                                                                                                                                            والثاني تنفسخ ; لأنه زال اسمها بهدمها ، وذهبت المنفعة التي تقصد منها ، ولذلك لا يستأجر أحد عرصة دار ليسكنها . فأما إن كان الحادث في العين لا يضرها ، كغرق الأرض بماء ينحسر في قرب من الزمان لا يمنع الزرع ولا يضره ، وانقطاع الماء عنها إذا ساق المؤجر إليها ماء من مكان آخر ، أو كان انقطاعه في زمن لا يحتاج إليه فيه ، فليس للمستأجر الفسخ [ ص: 264 ] لأن هذا ليس بعيب . وإن حدث الغرق المضر ، أو انقطاع الماء ، أو انهدم بعض العين المستأجرة فلذلك البعض حكم نفسه في الفسخ أو ثبوت الخيار ، وللمكتري الخيار في تبقية العين ; لأن الصفقة تبعضت عليه

                                                                                                                                            فإن اختار الإمساك ، أمسك بالحصة من الأجر ، كما إذا تلف أحد القفيزين من الطعام في يد البائع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية