الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6525 6923 - حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن قرة بن خالد ، حدثني حميد بن هلال ، حدثنا أبو بردة ، عن أبي موسى قال : أقبلت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستاك ، فكلاهما سأل . فقال : " يا أبا موسى " . أو " يا عبد الله بن قيس " . قال : قلت : والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما ، وما شعرت أنهما يطلبان العمل . فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت ، فقال :" لن - أو لا - نستعمل على عملنا من أراده ، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى - أو يا عبد الله بن قيس - إلى اليمن " . ثم اتبعه معاذ بن جبل ، فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال : انزل ، وإذا رجل عنده موثق . قال : ما هذا ؟ قال : كان يهوديا فأسلم ثم تهود . قال : اجلس . قال : لا أجلس حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله . ثلاث مرات ، فأمر به فقتل . [ انظر : 2261 - مسلم : 1733 - فتح 12 \ 268 ]

                                                                                                                                                                                                                              تعليق ابن عمر - رضي الله عنهما - أخرجه ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الكريم ، عمن سمع ابن عمر - رضي الله عنهما - .

                                                                                                                                                                                                                              وتعليق الزهري أخرجه الدارقطني من حديث عبد الرزاق عن معمر عنه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 509 ] وتعليق إبراهيم أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الصمد ، عن هشام ، عن حماد ، عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وحدثنا محمد بن بشر ، عن سعيد ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم : تستتاب فإن ثابت وإلا قتلت .

                                                                                                                                                                                                                              وحدثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن سعيد ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم في المرتدة عن الإسلام قال : تستتاب فإن تابت وإلا قتلت ، وحدثنا حفص ، عن عبيد ، عن إبراهيم قال : لا تقتل .

                                                                                                                                                                                                                              وكأن البخاري أراد بهذا تضعيف حديث عدم قتلها . أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - رفعه :" لا تقتل المرأة إذا ارتدت " ثم قال : لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا رواه شعبة ، ورواه عنه عبد الله بن عيسى ، وهو كذاب يضع الحديث على عفان ، ثم رواه من حديث أبي رزين عنه في المرأة ترتد قال : ( تحبس ) ولا تقتل - وأورده ابن بطال بلفظ : لا تقتل النساء إذا هن ارتددن عن الإسلام ولكن يحبسن ويجبرن عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية لابن أبي شيبة من حديث أبي عاصم ، عن سفيان ، وأبي حنيفة ، عن عاصم [ عن ] أبي رزين بلفظ : [ يحبسن ] .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 510 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 510 ] وقال ابن معين : كان الثوري يعيب على أبي حنيفة حديثا كان يرويه [ ولم ] يروه غيره عن عاصم عن أبي رزين ، ثم ساقه من حديث عبد الرزاق عن سفيان ، عن أبي حنيفة ، عن عاصم . ومن طريق آخر عن أبي حنيفة ، ومن طريق أبي عاصم ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين . قال أبو عاصم : نرى أن الثوري إنما دلسه على أبي حنيفة ، فكتبتهما جميعا .

                                                                                                                                                                                                                              ثم رواه من طريق طلق بن غنام ، عن أبي مالك النخعي ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس مثله ، ولفظه : تحبس .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث محمد بن إسماعيل بن عياش ، عن أبيه ، ثنا محمد بن عبد الملك الأنصاري ثنا الزهري ، عن عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ارتدت امرأة يوم أحد فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تستتاب ، فإن تابت وإلا قتلت ، ومن حديث نجيح بن إبراهيم الزهري ، ثنا معمر بن بكار السعدي ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن ابن المنكدر ، عن جابر أن امرأة يقال لها أم ( رومان ) ارتدت عن الإسلام ، فأمر - عليه السلام - أن يعرض عليها الإسلام ، فإن رجعت وإلا قتلت . ومن حديث حصين ، عن ابن أخي الزهري ، عن عمه ، عن ابن المنكدر عن جابر - رضي الله عنه - بلفظ : إذا ارتدت عن الإسلام أن تذبح . وفي حديث الخليل بن ميمون الكندي ثنا عبد الله بن أذينة ، عن هشام بن الغاز ، عن ابن المنكدر عنه ، وفيه : فأبت أن تسلم فقتلت .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 511 ] ثم ساق البخاري آيات مناسبة للتبويب ، فقال : وقال الله تعالى : كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم إلى قوله : وأولئك هم الضالون ، وقال : يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ، وقال : إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا الآية ، وقال : من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ، ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ، إلى قوله : لغفور رحيم ، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إلى خالدون .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث عكرمة قال : أتي علي - رضي الله عنه - بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لا تعذبوا بعذاب الله " ولقتلتهم ؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" من بدل دينه فاقتلوه " .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي موسى قال : أقبلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعي رجلان من الأشعريين إلى أن قال :" اذهب أنت يا أبا موسى - أو يا عبد الله بن قيس - إلى اليمن " . ثم اتبعه معاذ بن جبل ، فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال : انزل . فإذا عنده رجل موثق . قال : ما هذا ؟ قال : كان يهوديا فأسلم ثم تهود . قال : اجلس . قال : لا أجلس حتي يقتل ، قضاء الله ورسوله . ثلاث مرات ، فأمر به فقتل .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عكرمة عن مولاه ، وسلف في الجهاد ، وهو من أفراده .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه الإسماعيلي بلفظ : إن عليا أتي بقوم قد ارتدوا عن الإسلام - أو قال : زنادقة - ومعهم كتب لهم ، فأمر بنار فأججت وألقاهم فيها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 512 ] وفي أبي داود من حديث أيوب أن عليا - رضي الله عنه - حرق ناسا ارتدوا عن الإسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس . . الحديث . لم يتردد فيهم .

                                                                                                                                                                                                                              والترمذي كذلك ثم قال : حسن صحيح ، والنسائي بلفظ : إن ناسا ارتدوا عن الإسلام . . . الحديث . وفي رواية من طريق قتادة أن عليا - رضي الله عنه - أتي بأناس من الزط يعبدون وثنا فأحرقهم ، فقال ابن عباس . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن الطلاع في " أحكامه " : لم يقع في شيء من المصنفات المشهورة أنه - عليه السلام - قتل مرتدا ولا زنديقا ، وقتل الصديق امرأة يقال لها : أم قرفة ارتدت بعد إسلامها .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن عبيد ، عن أبيه قال : كان أناس يأخذون العطاء والرزق ويصلون مع الناس ، وكانوا يعبدون الأصنام في السر ، فأتى بهم علي - رضي الله عنه - ، فوضعهم في المسجد - أو قال : في السجن - ثم قال : يا أيها الناس ما ترون في قوم كانوا يأخذون معكم العطاء والرزق ويعبدون هذه الأصنام ؟ قال الناس : تقتلهم . قال : لا ، ولكن أصنع بهم كما صنع بأبينا إبراهيم ، فحرقهم بالنار .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق عن أيوب بن النعمان قال : شهدت عليا - رضي الله عنه - في الرحبة وجاءه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إن هنا أهل بيت لهم وثن في دار يعبدونه . فقام علي - رضي الله عنه - يمشي حتى انتهى إلى الدار فأمرهم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 513 ] فدخلوا ، فأخرجوا إليه تمثال ( رجل ) ، فألهب على أهل الدار .

                                                                                                                                                                                                                              وعن سويد بن غفلة أن عليا حرق زنادقة بالسوق ، فلما رمى عليهم النار قال : صدق الله ورسوله ، ثم انصرف . وعن قابوس بن أبي المخارق ، عن أبيه قال : بعث علي - رضي الله عنه - محمد بن أبي بكر أميرا على مصر ، فكتب إليه يسأله عن زنادقة : منهم من يعبد الشمس ، ومنهم من يعبد غير ذلك ، ومنهم من يدعي الإسلام ، فكتب علي - رضي الله عنه - وأمره بالزنادقة أن يقتل من كان يدعي الإسلام ويترك سائرهم يعبدون ما شاءوا .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر أبو المظفر طاهر بن محمد الإسفرائيني في كتابه " التبصير في الدين " أن الذين حرقهم علي - رضي الله عنه - طائفة من الروافض تدعى السبائية ادعوا أن عليا إله ، وكان رئيسهم عبد الله بن سبأ وكان أصله يهوديا .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              اختلف العلماء في استتابة المرتد على قولين ، فروي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، وهو قول أكثر العلماء .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 514 ] وهل هي واجبة أو مستحبة ؟ قولان للشافعي ، أصحهما : أنها واجبة ، والخلاف عند المالكية أيضا ومذهبه الوجوب ، وإذا قلنا : واجبة هل تأخيره ثلاثا واجب أو مستحب ، فيه روايتان عن مالك وكذلك الشافعي ، وقالت طائفة : لا يستتاب ويجب قتله حين يرتد في الحال ، روي ( ذلك ) عن الحسن البصري وطاوس ، وذكره الطحاوي عن أبي يوسف وهو قول أهل الظاهر ، واحتج بحديث الباب :" من بدل دينه فاقتلوه " ولم يذكر فيه استتابة ، وكذا حديث معاذ وأبي موسى : لا أجلس حتى يقتل ، ولم يذكر استتابة هنا . نعم ، روى ابن أبي شيبة من حديث حميد بن هلال أن معاذا ( قال : ما هذا ؟ قيل : يهودي ) أسلم ثم ارتد وقد استتابه أبو موسى شهرين فقال معاذ : لا أجلس حتى أضرب عنقه .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي : جعل أهل هذه المقالة حكم المرتد حكم الحربيين إذا بلغتهم الدعوة أنه يجب قتالهم دون أن يؤذنوا ، قالوا : وإنما تجب الاستتابة لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرة ، فأما إن خرج منه عن بصيرة فإنه يقتل دون استتابة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 515 ] وقال عطاء : إن ولد في الإسلام ثم ارتد لم يستتب ، وإن كان كافرا وأسلم ثم ارتد فإنه يستتاب .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو يوسف : إن بدر بالتوبة خليت سبيله ووكلت أمره إلى الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : يستتاب ثلاث مرات في ثلاثة أيام في ثلاث جمع ، كل يوم مرة أو كل جمعة مرة . وعن علي - رضي الله عنه - : يستتاب شهرا . وعن الثوري : يستتاب أبدا ، واختلف في مذهب مالك هل يخوف في الثلاثة الأيام بالقتل ؟ وهل يقتل من ارتد إذا كان إسلامه عن ضيق أو غرم ؟ قال ابن القصار : والدليل على أنه يستتاب الإجماع ، وذلك أن عمر - رضي الله عنه - قال في المرتد الذي قتل : هلا حبستموه ثلاثة أيام ، وأطعمتموه كل يوم رغيفا ، لعله يتوب الله عليه ، اللهم لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني ، ولم يختلف الصحابة في استتابة المرتد ، فكأنهم فهموا من قوله :" من بدل دينه فاقتلوه " أن المراد بذلك إن لم يتب ، يدل له قوله تعالى : فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم [ التوبة : 5 ] عموم في كل كافر .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث معاذ وأبي موسى فلا حجة فيه لمن لم يقل بالاستتابة ؛ لأنه روي أنه كان استتابه أبو موسى كما سلف ، وقد جاء عدم الاستتابة أيضا وهو يخدش في الإجماع السالف . روى ابن أبي شيبة ، عن غندر ، عن سماك ، عن ابن الأبرص ، عن علي - رضي الله عنه - أنه أتي برجل كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر ، فسأله عن كلمة فقال له : ما أدري غير أن عيسى

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 516 ] ابن الله . فقام إليه ( علي ) نحاه برجله ، وقام الناس إليه فضربوه حتى قتلوه ، وفي رواية : ثم أحرقه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني من حديث عبد الملك بن عمير قال : شهدت عليا - رضي الله عنه - وجيء بأخي بني عجل تنصر بعد إسلامه ، فقال له علي : ما حديث حدثته عنك ؟ قال : ما هو ؟ ( قال : أنك تنصرت . قال : أنا على دين المسيح . فقال علي ) : وأنا على دين المسيح . قال علي : ما تقول فيه ؟ قال : فتكلم بكلمة خفيت عني ، فقال علي - رضي الله عنه - : طئوه ، فوطئوه حتى مات ، قال : فقلت لرجل ما قال ؟ فقال : المسيح ربه . وروى ابن أبي شيبة أيضا من حديث ليث عن طاوس ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : لا تساكنكم اليهود ولا النصارى إلا أن يسلموا ، فمن أسلم منهم ثم ارتد فلا تضربوا إلا عنقه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في استتابة المرتدة ، فروي عن علي أنها لا تستتاب وتسترق ، وبه قال عطاء وقتادة ، ولم يقل بهذا جمهور العلماء ، وقالوا : لا فرق بين استتابة المرتد والمرتدة .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن أبي بكر الصديق مثله ، وممن قال به ابن عمر والحسن والأوزاعي والليث ومالك ، وشذ أبو حنيفة وأصحابه فقالوا بما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في ذلك ، وقال : إنه راوي حديث

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 517 ] الباب ولم ير قتل المرتدة ، فهو أعلم بمخرج الحديث ، بل تحبس إن كانت في دار الإسلام حتى تسلم ، وإن لحقت بدار الحرب استرقت ، وإن كانت أمة أجبرها سيدها على الإسلام ، واحتجوا بأنه - عليه السلام - نهى عن قتل النساء ، قالوا : والمرتدة لا تقاتل فوجب ألا تقتل كالحربية ، حجة الجماعة حديث الباب و " من " فيه تصلح للذكر والأنثى فهو عموم يدخل فيه النساء أيضا ؛ لأنه - عليه السلام - لم يخص امرأة من رجل .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر : وإذا كان الكفر من أعظم الذنوب وأجل حرم احترمه المسلمون من الرجال والنساء ، ولله أحكام في عباده وحدود دون الكفر ألزمه عباده ، منها : الزنا والسرقة وشرب الخمر وحد القذف والقصاص ، وكانت الأحكام والحدود التي ( هي ) دون الارتداد لازمة للرجال والنساء مع عموم الحديث " من بدل في دينه فاقتلوه " فكيف يجوز أن يفرق أحد بين أعظم الذنوب ، فيطرحه عن النساء ويلزمهن ما دون ذلك ، هذا غلط ( بين ) .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث ابن عباس السالف من رواية الثوري عن بعض أصحابه عن عاصم بن بهدلة ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس - رضي الله عنها - قال : لا تقتل النساء إذا هن ارتددن عن الإسلام ولكن يحبسن ويجبرن عليه ، فإنما رواه أبو حنيفة ، عن عاصم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 518 ] وقد قال أحمد : لم يروه الثقات من أصحاب عاصم كشعبة وابن عيينة وحماد بن زيد ، وإنما رواه الثوري ، عن أبي حنيفة ، وقد قال أبو بكر بن عياش : قلت لأبي حنيفة : هذا الذي قاله ابن عباس إنما قاله فيمن أتى بهيمة أنه لا قتل عليه ، لا في المرتدة . قال : فتشكك فيه وتلون ولم يقم به . فدل على أنه خطأ ، ولو صح لكان قول ابن عباس - رضي الله عنهما - يعارضه ؛ لأن أبا بكر الصديق مخالف له ، وقد قال : تستتاب المرتدة ، ثم يرجع إلى حديث ابن عباس حديث الباب الذي هو حجة على كل أحد .

                                                                                                                                                                                                                              وأما قياسهم لها على الحربية فالفرق بينهما أن الحربية ( إنما ) لم تقتل إذا لم تقاتل ؛ لأن الغنيمة تتوقف بترك قتلها ؛ لأنها تسبى وتسترق ، والمرتدة لا تسبى ولا تسترق ، فليس في استبقائها غنم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في الزنديق هل يستتاب ، فقال مالك والليث وأحمد وإسحاق : يقتل ولا تقبل له توبة ، قال مالك : والزنادقة : ما كان عليه المنافقون من إظهار الإيمان وكتمان الكفر .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، فمرة قالا : يستتاب ، ومرة قالا : لا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 519 ] قال الشافعي : يستتاب كالمرتد ، وهو قول أبي عبيد الله بن الحسن ، وذكر ابن المنذر عن علي مثله .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل لمالك : لم تقتله ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل المنافقين وقد عرفهم ؟ فقال : لأن توبته لا تعرف ، وأيضا فإن الشارع لو قتلهم وهم يظهرون الإيمان لكان قتلهم بعلمه ، ولو كان قتلهم بعلم لكان ذريعة إلى أن يقول الناس : قتلهم للضغائن والعداوة ، ولامتنع من الإسلام والدخول فيه إذا رأى الشارع يقتل من دخل في الإسلام ؛ لأن الناس كانوا عهد بالكفر ، هذا معنى قوله .

                                                                                                                                                                                                                              وقد روي عنه - عليه السلام - أنه قال :" لئلا يقول الناس إنه يقتل أصحابه " ، وحكى بعض المتأخرين على مذهب مالك : إن أتى تائبا قبل أن يظهر عليه قبلت توبته ، وإن ظهر عليه فاعترف ولم يرجع قتل ولم يورث ، وإن اعترف ومات وكذب البينة وتمادى على الجحود قتل ولم تقبل توبته ، ولم ينظر إلى جحود الآخر .

                                                                                                                                                                                                                              واحتج الشافعي بقوله - عز وجل - في المنافقين اتخذوا أيمانهم جنة [ المجادلة : 16 ] وهذا يدل على أن إظهار الأيمان ( جنة من القتل . قال : وقد جعل الشارع الشهادة بالأيمان ) تعصم الدم والمال ، فدل أن من أهل القبلة من شهد بها غير مخلص وإنما تحقن دمه وماله وحسابه على الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 520 ] ( وقد أجمعوا ) أن أحكام الدنيا على الظاهر ، وإلى الله تعالى السرائر . وقد قال - عليه السلام - ( لخالد بن الوليد حين قتل الذي استعاذ بالشهادة ) :" أفلا شققت عن قلبه " فدل أن ليس له إلا الظاهر .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وأما قولهم : إن الشارع لم يقتل المنافقين لئلا نقول : إنه قتلهم بعلمه ، وأنه يقتل أصحابه ، قيل : وكذلك لم يقتلهم بالشهادة عليهم كما لم يقتلهم بعلمه ، فدل أن ظاهر الإيمان جنة من القتل .

                                                                                                                                                                                                                              وفي ( سنته )- عليه السلام - في المنافقين دلالة على أمور :

                                                                                                                                                                                                                              منها : أنه لا يقتل من أظهر التوبة من الكفر بعد الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها : أنه حصن دماءهم وقد رجعوا إلى غير يهودية ولا نصرانية ولا دين يظهرونه ، إنما أظهروا الإسلام وأسروا الكفر فأقرهم الشارع على أحكام المسلمين فناكحوهم ووارثوهم ، وأسهم لمن شهد الحرب منهم ، ونزلوا في مساجد المسلمين ولا أبين كفرا ممن أخبر الله تعالى عن كفره بعد إيمانه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن المواز : لو أظهروا نفاقهم قتلهم الشارع .

                                                                                                                                                                                                                              والاتفاق على انتقال حكمهم اليوم عن الحكم الأول ؛ لأن الحكم فيه اليوم القتل بما شهر من الكفر أحرى على مثل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 521 ] وذكر ابن حزم خلافا ( مستترا ) في المسألة فقال : اختلف الناس في حكم المرتد ، فقالت طائفة : لا يستتاب ، وقالت طائفة : يستتاب وفرقت طائفة بين من أسر ردته وبين من أعلنها ، وفرقت طائفة بين من ولد في الإسلام ثم ارتد وبين من أسلم بعد كفره ثم ارتد .

                                                                                                                                                                                                                              أما من قال لا يستتاب فانقسموا قسمين ، فقالت طائفة : يقتل تاب أو لم يتب ، راجع الإسلام أو لم يراجعه ، وقالت طائفة أخرى : إن بادر فتاب قبلت توبته وسقط عنه القتل وإن لم تظهر توبته أنفذ عليه القتل ، وأما من قال يستتاب فإنهم انقسموا أقساما ، طائفة قالت : يستتاب أربعين يوما فإن تاب وإلا قتل . وطائفة قالت : يستتاب شهرين فإن تاب وإلا قتل . وقالت أخرى : ( نستتيبه ) مرة فإن تاب وإلا قتلناه . وقالت أخرى : ثلاث مرات . وقالت أخرى : ثلاثة أيام . وقالت أخرى : شهرا .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن مالك ، والمشهور عنه : ثلاثة أيام وهو أحد قولي الشافعي ، وقالت أخرى : مائة مرة . وقالت أخرى : يستتاب أبدا ولا يقتل .

                                                                                                                                                                                                                              فأما من فرق بين المسر والمعلن ، فقالت طائفة : من أسر ردته قتلناه دون استتابة ولم تقبل توبته ، ومن أعلنها قبلناها . وقالت أخرى : إن أقر المسر وصدق البينة قبلت توبته ، وإن لم يقر ولا صدق البينة قتلناه ولم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 522 ] تقبل توبته ، قال هؤلاء : وأما المعلن فتقبل توبته . وقالت طائفة أخرى : لا فرق بين المسر والمعلن في شيء من ذلك ، فطائفة قبلت توبتهما معا أقر المسر أو لم يقر ، وطائفة لم تقبل توبة مسر ولا معلن .

                                                                                                                                                                                                                              قال : واختلفوا في الذمي أو الحربي يخرجان من كفر إلى كفر ، فقالت طائفة : يتركان على ذلك ولا يمنعان منه ، وهو قول أبي حنيفة ومالك . وقالت أخرى : لا يتركان على ذلك أصلا ثم افترق هؤلاء على فرقتين ؛ فقالت فرقة : إن رجع الذمي إلى دينه الذي خرج منه ترك ، وإلا قتل ، ( ولا يترك على الدين الذي خرج إليه ) ، ولا يمكن من ( الخروج ) إلى الدين الذي خرج منه .

                                                                                                                                                                                                                              قال الشافعي وأصحابنا : لا يقر على ذلك . ثم اختلف قول الشافعي ، فمرة قال : إن رجع إلى الكفر الذي كان عليه ترك ، وإلا قتل إلا أن يسلم . ومرة قال : لا يقبل منه الرجوع إلى الدين الذي خرج منه لا بد له من الإسلام أو السيف ، وهو ظاهر حديث الباب " من بدل دينه فاقتلوه " .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم وبه يقول أصحابنا : احتج لأبي حنيفة ومن تبعه بقوله تعالى : والذين كفروا بعضهم أولياء بعض [ الأنفال : 73 ] ، وقال أيضا : قل يا أيها الكافرون [ الكافرون : 1 ] قالوا : فقد جعل الله الكفر كله دينا واحدا ، وقال تعالى : لا إكراه في الدين [ البقرة : 256 ] فمتى أجبر على الرجوع إلى بلاد الإسلام فقد أكره ، وإن أجبر على الرجوع إلى دينه ودين الكفر فقد أجبر على اعتقاد الكفر ، قالوا : واعتقاد جواز

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 523 ] هذا كفر ، ولقائل أن يقول : قوله تعالى : بعضهم أولياء بعض [ الأنفال : 73 ] نحن نعلم ولاية بعضهم لبعض ، وليس فيها إقرارهم ولا حكم قتلهم ولا ما يفعل بهم أصلا ، وكذلك قوله : قل يا أيها الكافرون [ الكافرون : 1 ] ليس فيها إلا أنا مباينون لجميع الكفار بالعبادة ، والدين ، وليس فيها شيء من أحكامهم ، وقال تعالى مخاطبا لنا ومن يتولهم منكم فإنه منهم [ المائدة : 51 ] فمن تولاهم منا فهو منهم كقوله بعضهم أولياء بعض [ الأنفال : 73 ] فهلا تركوا المرتد إليهم منا على ردته ، وإخبار الله أنه منهم ، فإن لم تكن هذه الآية حجة في إقرار المرتد منا إليهم على ذلك قالوا : ليسا بحجة ، وأما آية الإكراه فلا حجة لهم فيها ؛ لأنه لم يختلف أحد من الأمة كلها في أن هذه الآية الكريمة ليست على ظاهرها ؛ لأن الأمة مجمعة على إكراه المرتد عن دينه ، فمن قائل : يكره ولا يقتل ، ومن قائل : ( يكره ) ويقتل .

                                                                                                                                                                                                                              فإن قالوا : خرج المرتد منا بدليل آخر عن حكم هذه الآية ، وإلا فهو كما قلتم ، وإن المحتجين بقوله تعالى : بعضهم أولياء بعض [ الأنفال : 73 ] وبقوله : لكم دينكم ولي دين [ الكافرون : 6 ] في أن الكفر كله شيء واحد .

                                                                                                                                                                                                                              وأما احتجاجهم بقوله تعالى : لا إكراه في الدين [ البقرة : 256 ] فغير جيد ؛ لأنها منسوخة بقوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ التوبة : 5 ] فإن احتجوا بما روي عن علي - رضي الله عنه - أنه رفع إليه أن يهوديا أو نصرانيا تزندق فقال : دعوه تحول من دين إلى دين . قيل لهم : هذا لا يصح ؛ لأن ابن جريج قال فيه : حدثت عن علي - رضي الله عنه - ، ولو لم يقله لعلمنا أن حديثه

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 524 ] عنه منقطع ؛ لأنه لم يوجد إلا بعد سنين كثيرة من ( موت ) علي - رضي الله عنه - .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في ميراث المرتد كما سلف في الفرائض ، فقال علي - رضي الله عنه - : هو لولده من المسلمين ، وعن ابن مسعود مثله ، وبه قال الليث بن سعد وإسحاق ، وقال الأوزاعي : إن قتل في أرض الإسلام فماله لورثته من المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : إن كان له وارث على دينه فهو أحق به ، وإلا فماله لورثته من المسلمين كما روينا عن إسحاق بن راشد أن عمر بن عبد العزيز كتب في رجل من المسلمين أسر فتنصر أن زوجته ترث منه وتعتد ثلاثة قروء ، ويدفع ماله إلى ورثته من المسلمين لا أعلمه ، قال : إلا أن يكون له وارث على دينه في أرضه فهو أحق به . وقالت طائفة : ميراثه لأهل دينه فقط ، رويناه عن قتادة . وقال ابن جريج : الناس فريقان منهم من يقول : ميراث المرتد للمسلمين ؛ لأنه ساعة يكفر يوقف فلا يقدر منه على شيء حتى ينظر أيسلم أم يكفر ، منهم النخعي والحكم بن ( عتيبة ) ، وفريق يقول : لأهل دينه . وقالت طائفة : إن راجع الإسلام فماله له ، وإن قتل فماله لبيت المال لا لورثته من الكفار ، قاله ربيعة ومالك وابن أبي ليلى والشافعي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 525 ] وقالت طائفة : إن راجع الإسلام فماله له ، وإن قتل فماله لورثته من الكفار ، قال بهذا الظاهريون . وقال أبو حنيفة : إن قتل فماله لورثته من المسلمين وترثه زوجته كسائر ورثته ، وإن فر ولحق بدار الحرب وترك ماله عندنا ، فإن القاضي يقضي بذلك ويعتق أمهات أولاده ومدبره ، ويقسم ماله بين ورثته من المسلمين على كتاب الله ، فإن جاء مسلما أخذ من ماله ما وجد في أيدي ورثته ، ولا ضمان عليهم فيما استهلكوه ، هذا فيما كان بيده قبل الردة ، وأما ما اكتسبه في حال ردته ثم قتل عنه أو مات فهو فيء للمسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : مال المرتد ساعة يرتد لجميع المسلمين قتل أو مات أو لحق بأرض الحرب أو راجع الإسلام ، كل ذلك سواء ، قال به أصحاب مالك فيما ذكره ابن شعبان عن أشهب ( وغيره ) فإن اختار رجل أرض الحرب أيصير بذلك مرتدا أم لا ، ولذلك اعتضدنا بأهل الحرب على المسلمين وإن لم يفارق دار الإسلام ، قال - عليه السلام - :" أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " وهو لا يبرأ إلا من كافر ، فأما إن كان فراره إلى أرض الحرب لظلم خافه ولم يحارب المسلمين ولا أعان عليهم ، ولم يجد في المسلمين من يجيره فلا شيء عليه ؛ لأنه مضطر مكره ، وقد ذكر أن ابن شهاب كان [ عازما ] على أنه إذا مات هشام بن عبد الملك يلحق بأرض الروم ؛ لأن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 526 ] الوليد بن يزيد كان نذر دمه إن قدر عليه ، فمن كان هكذا فهو معذور ، وكذلك من سكن بأرض الهند والسند والصين والترك والسودان والروم من المسلمين ، فإن كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر وقلة مال ، أو لضعف جسم ، أو لامتناع طريق فهو معذور ، فإن كان هناك مجاورا للكفار لخدمة أو كتابة فهو كافر ، وإن كانت إقامته هناك لدنيا وهو يقدر على اللحاق بالمسلمين فما يبعد عن الكفر ، وليس كذلك من سكن في طاعة أهل الكفر من العالية وممن جرى مجراهم ؛ لأن أرض مصر والقيروان وغيرهما فالإسلام عندهم ظاهر ، وهم على ذلك ( لا يجاهرون ) بالبراءة من الإسلام ، بل وإلى الإسلام ينتمون ، وإن كانوا في حقيقة أمرهم كفارا .

                                                                                                                                                                                                                              وأما من سكن في أرض القرامطة مختارا فهو كافر بلا شك ؛ لأنهم معلنون بالكفر وترك الإسلام ، وأما من سكن في بلد تظهر فيه بعض الأهواء المخرجة إلى الكفر فليس بكافر ؛ لأن اسم الإسلام هو الظاهر هناك من توحيد وإقرار بالرسالة وإقامة شرائع الإسلام ، يؤيد هذا أنه - عليه السلام - استعمل عماله على خيبر وهم كلهم يهود ، وإذا كان أهل الذمة في مدائنهم لا يمازجهم غيرهم ، فلا يسمى الساكن فيهم لإمارة عليهم أو لتجارة بينهم كافرا ، ولا مسيئا بل هو محسن مسلم ، ودارهم دار إسلام لا دار شرك ؛ لأن الدار إنما تنسب إلى الغالب عليها والحاكم عليها والمالك لها ، ولو أن كافرا ( مجاهرا ) غلب على دار من حد الإسلام وأقر المسلمين بها على حالهم إلا أنه ( هو ) المالك المنفرد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 527 ] بها ، وفي ضبطها وهو معلن بدين غير الإسلام كفر من بقي معه أو عاونه ، وإن ادعى أنه مسلم ، وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فأتى بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين أو على أخذ أموالهم أو سبيهم فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كالأتباع فهو هالك في غاية الفسوق ، ولا يكون بذلك كافرا ؛ لأنه لم يأت شيئا أوجب عليه كفرا من قرآن أو إجماع ، فإن كان حكم الكفار جاريا عليه فهو بذلك كافر ، فإن كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر ، فما تراه بذلك كافرا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين : اختلف عندنا في الميراث على ثلاثة أقوال ، فقال مالك : يرثه ورثته من المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أيضا : لا يرثونه وميراثه لجميع المسلمين ، وبه قال المغيرة وأشهب وابن عبد الحكم وابن نافع وعبد الملك وسحنون قالوا : ( سبيل ) ماله سبيل دمه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن القاسم : إن اعترف وتاب ولم تقبل توبته وقتل لم يرثه ورثته ، وإن جحد فقتل أو مات قبل أن يظهر عليه ورثوه . وفي كتاب محمد لمالك فيمن اعترف أن أباه مات على الزندقة وأنه كان يعبد الشمس قال : يرثه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ولد المرتد إن كان كبيرا فحكمه حكم نفسه لا حكم أبيه ، وكذا إن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 528 ] كان صغيرا ؛ لأنه قد صح له عقد الإسلام إذ ولد وأبوه مسلم ، فلا يكون مرتدا بارتداد أبيه ، ولا أعلم فيه خلافا كما قال ابن بطال ، فإن ادعى الكفر عند بلوغه استتيب فإن تاب وإلا قتل .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : وإحراق علي الزنادقة ليس بخطأ ؛ لأنه - عليه السلام - قال لقوم أخرجهم :" إن لقيتم فلانا وفلانا ( فأحرقوهم ) بالنار " ثم قال :" إن لقيتموهما فاقتلوهما ، فإنه لا ينبغي أن يعذب بعذاب الله " ولم يكن - عليه السلام - يقول في الغضب والرضا إلا حقا ، قال تعالى : وما ينطق عن الهوى [ النجم : 3 ] .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله في حديث أبي موسى : ( كأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت ) أي : انضمت وارتفعت .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( فقال أحدهما : أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي ) أي : أحتسب فيها من الثواب ؛ لأني أقوم بها على القيام .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : المجازاة على النية ، وقد جاء :" نية المؤمن خير من عمله " يعني : أنه ينوي ما لم يبلغه عمره .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 529 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              الزنديق : بكسر الزاي : فارسي معرب وجمعه : زنادقة . قال سيبويه : الهاء في زنادقة بدل من ياء زنديق . والاسم الزندقة ، قال ثعلب : ليس زنديق من كلام العرب إنما يقولون زندق ، وزندقي : إذا كان شديد البخل ، وفي " الصحاح " : الزنديق من الثنوية أي : الذين يزعمون أن مع الله إلها ثانيا - جل وتعالى عن ذلك - واختلف عندنا في حقيقته هل هو الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر ، أو الذي لا ينتحل دينا . وادعى بعضهم أن المشهور الأول ، لكن هذا هو المنافق فالأقرب الثاني .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية