الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6429 6814 - حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يونس ، عن ابن شهاب قال : حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلا من أسلم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثه أنه قد زنى ، فشهد على نفسه أربع شهادات ، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجم ، وكان قد أحصن . [ انظر : 5270 - مسلم : 1691م - فتح 12 \ 117 ] .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 148 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 148 ] ذكر فيه : حدثنا آدم ، ثنا شعبة ، ثنا سلمة بن كهيل قال : سمعت الشعبي يحدث ، عن علي - رضي الله عنه - حين رجم المرأة يوم الجمعة قال : قد رجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث الشيباني : سألت عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما - : هل رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قلت : قبل سورة النور أم بعد ؟ قال : لا أدري .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن عبد الله الأنصاري أن رجلا من أسلم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثه أنه قد زنى ، فشهد على نفسه أربع شهادات ، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجم ، وكان قد أحصن .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              أثر الحسن أخرج نحوه ابن أبي شيبة عن حفص ، عن عمر ، قال : سألته ما كان الحسن يقول فيمن تزوج ذات رحم محرم منه وهو يعلم ؛ قال : عليه الحد .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف حديث المتزوج بامرأة أبيه ، رواه ( البراء ) قال : لقيت خالي ومعه الراية ، فقلت له ، [ فقال ] : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أقتله أو أضرب عنقه .

                                                                                                                                                                                                                              وللدارقطني من حديث معاوية بن قرة ، عن أبيه أنه - عليه السلام - بعث إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن يضرب عنقه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 149 ] زاد ابن ماجه : وأصفي ماله . وللطحاوي : ويخمس ماله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة عن جابر بن زيد فيمن أتى ذات محرم منه ، قال : ضرب عنقه ، وقال ابن عباس مرفوعا :" من وقع على ذات محرم فاقتلوه " . قال الطحاوي في " مشكله " : هذا الحديث يدور على إبراهيم بن إسماعيل وهو متروك الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " المصنف " عن بكر : رفع إلى الحجاج رجل زنى بأخته ، فقال : ما أدري بأي قتلة أقتله ؟ وهم أن يصلبه ، قال عبد الله بن مطرف وأبو بردة : ستر الله لهذه الأمة ، وأحب البلاء ما ستر الإسلام ، اقتله . قال : صدقتما . فأمر به فقتل .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي وأبا زرعة عن حديث هشام بن عمار ، ثنا رفدة بن قضاعة ، ثنا صالح بن راشد القرشي قال : أتي الحجاج برجل قد اغتصب أخته ( نفسها ) ، قال : سلوا من هنا من أصحاب رسول الله ، فسألوا عبد الله بن أبي مطرف ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :" من تخطى الحرمتين فخطوا وسطه بالسيف " ، وكتبوا إلى ابن عباس فكتب إليهم مثل قول عبد الله ، فقال لي : كذا رواه هشام ، وروي عن عبد الله بن مطرف بن الشخير هذا الكلام .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 150 ] قوله : فلا أدري هذا هو أو غيره ، قال أبو زرعة : وابن مطرف الصحيح . وقال العسكري : هو مرسل ، وقال ابن عبد البر : عبد الله بن مطرف حديثه في الشاميين سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :" من تخطى الحرمتين " الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وحديثه أيضا هذا عند رفدة ، ( ويقولون : إن رفدة ) غلط فيه ، ولم يصح ( عندي ) قول من قال ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              ولما ذكر ابن قانع هذا الحديث ، قال : قد وجدت علته ، ثم ساق إلى بكر بن عبد الله قال : أتي الحجاج برجل أعمى وقع على ابنته ، وعنده عبد الله بن مطرف بن الشخير وأبو بردة ، فقال له : أحدهما اضرب عنقه فضرب عنقه .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وصرح بصحبة عبد الله أصحاب كتب الصحابة ، ويحمل على استحلاله ، ( يوضحه عند الدابة ) .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث الشعبي عن علي فأخرجه النسائي من حديث بهز عن شعبة أن عليا - رضي الله عنه - جلد شراحة يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الدارقطني : رواه قعنب بن محرز ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن سلمة ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن أبيه ، عن علي - رضي الله عنه - .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 151 ] فوهم فيه في موضعين : قوله عن مجالد . وإنما هو سلمة ومجالد ، وقوله : الشعبي عن أبيه ، وإنما رواه عن علي ، كذا رواه ( الحسين ) المروذي وغيره ، عن شعبة ، عن سلمة ومجالد ، عن الشعبي ، ورواه عصام بن يوسف عن شعبة ، عن سلمة ، عن الشعبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن علي . ورواه غندر ، عن شعبة ، عن سلمة ، عن الشعبي ، عن علي وهو الصواب ، وكذا رواه إسماعيل بن سالم وحصين عن الشعبي ، عن علي . ورواه في " سننه " من طريق أبي حصين عن الشعبي قال : أتي علي - رضي الله عنه - بشراحة الهمدانية وقد فجرت ، فردها حتى ولدت ، فلما ولدت قال : ائتوني بأقرب النساء إليها ، فأعطاها ولدها ، ثم جلدها ورجمها ، وقال : جلدتها بالكتاب ورجمتها بالسنة ، ثم قال : أيما امرأة نعى عليها ولدها أو كان اعتراف ، فالإمام أول من يرجم ، ثم الناس ، فإن نعتها شهود ، فالشهود أول من يرجم ثم الناس . ومن حديث ( ابن ) هشيم ، أنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي قال : أتي علي ( بزان ) محصن فجلده يوم الخميس ثم رجمه يوم الجمعة ، فقيل له : أجمعت عليه حدين فقال : جلدته بكتاب الله ورجمته بالسنة . ومن حديث حصين عن الشعبي : أتي علي بمولاة لسعيد بن قيس قد فجرت ، فضربها مائة ثم رجمها ، ثم قال : جلدتها

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 152 ] بكتاب الله ورجمتها بالسنة
                                                                                                                                                                                                                              . ولفظ سنيد : أتي بشراحة حبلى فقال لها علي : لعل رجلا استكرهك ! قالت : لا ، قال : فلعله أتاك في منامك ! قالت : لا ، قال : فلعل زوجك أتاك سرا فأنت تكرهين إطلاعنا عليه ، قال : فأمر بها فحبست ، فلما وضعت أخرجها يوم الخميس فجلدها مائة ثم ردها إلى الحبس ، فلما كان يوم الجمعة حفر لها ورجمها . ونسبها في " التمهيد " : شراحة بنت مالك . فسأل الدارقطني : سمع الشعبي من علي ؟ قال : سمع منه حرفا ما سمع منه غير هذا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحازمي : لم يثبت أئمة الحديث سماع الشعبي من علي . وقد أسلفنا هذا في كتاب : الحيض أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما - فأخرجه البخاري أيضا بعد في باب أحكام أهل الذمة ، ثم قال : تابعه علي بن مسهر وخالد بن عبد الله والمحاربي وعبيدة بن حميد ، عن الشيباني ، وقال بعضهم : المائدة ، والأول أصح .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : أما متابعة ابن مسهر فأخرجها مسلم عن ابن أبي شيبة عنه ، ومتابعة عبيدة ، وهو بفتح العين ، أخرجها أحمد بن منيع في " مسنده " عنه

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 153 ] عن أبي بكر إسحاق ، عن ابن أبي أوفى قال : رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : بعد سورة المائدة أم قبلها ؟ قال : لا أدري ، وروى الطبراني من حديث أبي الوليد الطيالسي ، ثنا هشيم عن الشيباني عنه أنه - عليه السلام - رجم يهوديا ويهودية ، وقال البزار : هذا اللفظ لا نعلم أحدا رواه إلا هشيم بن بشير وحده .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              الرجم ثابت بالسنة الثابتة ، وبفعل الخلفاء الراشدين ، وبإجماع الصحابة بعده ، وباتفاق ( أئمة ) أهل العلم : الثوري ، وجماعة أهل العراق ومالك في أهل المدينة ، والأوزاعي في أهل الشام ، والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، قال الرب - جل جلاله - : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ النساء : 59 ] ، وقال : من يطع الرسول فقد أطاع الله [ النساء : 80 ] ، فألزم الله خلقه طاعة رسوله ، وثبتت الأخبار كما ذكرنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالرجم ورجم ، ألا ترى قول علي : رجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ورجم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .

                                                                                                                                                                                                                              فالرجم ثابت كما قررناه ، ولا عبرة بدفع الأزارقة من الخوارج والمعتزلة الرجم معللين بأنه ليس في كتاب الله ، وما يلزمهم من اتباع الكتاب مثله يلزمهم من اتباع السنة ، قال تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه [ الحشر : 7 ] فلا معنى لقول من خالف السنة وإجماع الصحابة واتفاق ( أئمة ) الأمة ، ولا يعدون خلافا ، ولا يلتفت إليهم ، بل إليه

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 154 ] يشير قوله تعالى : ويدرأ عنها العذاب [ النور : 8 ] ، كما بينه رسوله ، وقد كان فيما مضى : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، فنسخ لفظا وبقي حكما .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : ولا أعلم في ذلك خلافا ، وكذا قوله - عليه السلام -" لأقضين بينكما بكتاب الله " ثم أمر أنيسا الأسلمي بالرجم إن اعترفت ، وهذا رواه الحمادان - ابن زيد وابن سلمة - وهشيم ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : أيها الناس ، إن الرجم حق فلا تجزعن عنه ، فإنه - عليه السلام - قد رجم ، ورجم أبو بكر - رضي الله عنه - ، ورجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم والدجال وبطلوع الشمس من مغربها وبعذاب القبر والشفاعة ، وبقوم يخرجون من النار قد امتحشوا .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء فيمن زنى بأخته أو ذات رحم منه ، فقال بقول الحسن - حده حد الزاني - مالك ويعقوب ومحمد والشافعي وأبو ثور .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : إذا زنى بالمحرمية قتل ، روي عن جابر بن زيد وهو قول أحمد وإسحاق واحتجوا بحديث البراء السالف : أنه - عليه السلام - بعث إلى رجل نكح امرأة أبيه أن يضرب عنقه ، وقد أسلفنا ما فيه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : ( فشهد على نفسه أربع شهادات ) ، أخذ به من اعتبر تكرار

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 155 ] الإقرار والمذهب فيه ثلاثة : أحدها - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه - لا يجب إلا باعتراف أربع ( شهادات ) في أربع مجالس وهو أن يغيب عن القاضي حتى لا يراه ، ثم يعود إليه فيقر كما في حديث ماعز ، فإن اعترف ألف مرة في مجلس واحد فهو اعتراف واحد .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها : وهو قول ابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق والثوري والحسن بن حي والحكم بن عتيبة : يجب باعتراف أربع مرات في مجلس واحد ومجالس .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك والشافعي : يكفي مرة واحدة لحديث :" واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " علقه بمطلق ( الإقرار ) .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى ( وكان قد أحصن ) أي : تزوج فهو محصن ، قال ابن فارس والجوهري : هذا أحد ما جاء على أفعل فهو مفعل بفتح الصاد .

                                                                                                                                                                                                                              قال ثعلب : كل امرأة عفيفة فهي محصنة ومحصنة ، وكل امرأة متزوجة فالفتح لا غير .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية