الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6489 [ ص: 353 ] 10 - باب: العفو في الخطإ بعد الموت

                                                                                                                                                                                                                              6883 - حدثنا فروة ، حدثنا علي بن مسهر ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة : هزم المشركون يوم أحد .

                                                                                                                                                                                                                              وحدثني محمد بن حرب ، حدثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكرياء ، عن هشام ، عن عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : صرخ إبليس يوم أحد في الناس : يا عباد الله ، أخراكم . فرجعت أولاهم على أخراهم حتى قتلوا اليمان ، فقال حذيفة : أبي أبي . فقتلوه ، فقال حذيفة : غفر الله لكم . قال : وقد كان انهزم منهم قوم حتى لحقوا بالطائف . [ انظر : 3290 - فتح 12 \ 211 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا فروة بن أبي المغراء ، ثنا علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، وفي بعض النسخ : عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنها - : هزم المشركون يوم أحد .

                                                                                                                                                                                                                              وحدثني محمد بن حرب ، ثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكرياء - الواسطي ، وهو غساني شامي مات سنة ثمان وثمانين أو تسعين ومائة ، من أفراده - عن هشام ، عن عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : صرخ إبليس يوم أحد في الناس : يا عباد الله ، أخراكم . فرجعت أولاهم على أخراهم حتى قتلوا اليمان ، فقال حذيفة : أبي أبي . فقتلوه ، فقال حذيفة : غفر الله لكم . قال : وقد كان انهزم منهم قوم حتى لحقوا بالطائف

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في غزوة أحد ، وهذا أصل مجمع عليه ، أن عفو الولي لا يكون إلا بعد الموت ؛ لأنه يمكن أن يبرأ ، وأما عفو القتيل فإنه يكون قبله ، قال علي بن أبي طالب : إن أعش فأنا ولي دمي ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 354 ] وإن أمت فأنتم وذاك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن قتادة أن عروة بن مسعود الثقفي دعا قومه إلى الله وإلى رسوله ، فرماه رجل منهم بسهم فمات فعفا عنه ، رفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجاز عفوه ، وعن الحسن أنه كان يقول : إذا عفا الرجل عن قاتله في العمد قبل أن يموت فهو جائز . وقال ابن طاوس : قلت لأبي : الرجل يقتل فيعفو عن ديته . قال : جائز . قال : قلت : خطأ أم عمد ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                                                              وزعم أهل الظاهر أن العفو لا يكون للقتيل ولا يكون إلا للولي خاصة ، وهو خطأ ؛ لأن الولي إنما جعل إليه القيام لما هو للقتيل من أمر نفسه من أجل ولايته له ومحله منه ، فالقتيل أولى بذلك وإنما فهم العفو في هذا الحديث من قول حذيفة : ( غفر الله لكم ) ، وقد كان يتوجه الحكم إلى اليمان إلى أخذ الدية من عاقلة المقاتلين وإن لم يعرف منهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين : ويحتمل أن يريد بقوله : ( غفر الله لكم ) : ترك الدية ، ويحتمل أن يكون ذلك قبل أن تفرض الدية ، أو سكت عنها لعلم السامع . قلت : قد جاء مصرحا به أنه تصدق بديته على المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وترجم عليه باب : إذا مات في الزحام أو قتل .

                                                                                                                                                                                                                              وقد اختلف العلماء فيمن مات في يوم الزحام ولا يدرى من قتله ، فقالت طائفة : دمه في بيت المال ، روي ذلك عن عمر وعلي ، وبه قال إسحاق .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 355 ] وقالت أخرى : ديته على من حضر ، وهو قول الحسن البصري والزهري ومروان بن الحكم .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت أخرى : يقال لوليه : ادع على من شئت . فإذا حلف على أحد بعينه أو جماعة يمكن أن يكونوا قاتليه في الجمع ، ( و ) استحق على عواقلهم الدية في ثلاث سنين ، هذا قول الشافعي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك : دمه هدر .

                                                                                                                                                                                                                              ووجه من قال : إنه في بيت المال ، أنا قد اتفقنا أن من مات من فعل قوم من المسلمين ( ولم ) يتعين من قتله فحسن أن يودى من بيت المال ؛ لأن بيت مالهم كالعاقلة .

                                                                                                                                                                                                                              ووجه الثاني : أنا قد أيقنا أن من فعلهم مات فلا تتعدى إلى غيرهم ، وهو أشبه بحديث الباب ؛ لأن حذيفة قال : ( غفر الله لكم ) يدل أنه لم يغفر لهم ( إلا ما له مطالبتهم به ) ، ألا ترى قوله فيه هناك : فلم يزل في حذيفة منها بقية . يريد : أنها ظهرت بركة ذلك العفو عنهم .

                                                                                                                                                                                                                              ووجه قول الشافعي أن الدماء والأموال لا تجب إلا بالطلب ، فإذا ادعى أولياء المقتول على قوم وأتوا بما يوجب القسامة حلفوا واستحقوا ، ووجه قول مالك أنه لما لم يعلم قاتله بعينه علم يقين استحال أن يؤخذ أحد فيه بالظن ، فوجب أن يهدر دمه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 356 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( وكان انهزم منهم قوم حتى لحقوا بالطائف ) . قال الداودي : يعني من المشركين وكان الله تعالى أزال المشركين ، وقال رسوله لهم :" لا تبرحوا حتى يؤذن لكم " فهزم المشركون فمال القوم للغنيمة فصرف الله وجوههم وهزموا وقتل من المسلمين يومئذ سبعون .

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : قتل من المهاجرين أربعة ومن الأنصار سبعون .

                                                                                                                                                                                                                              وقال غيره : أربعة من المهاجرين وأحد وستون من الأنصار ، وفيها نزلت إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان [ آل عمران : 155 ] ، قال مالك : ولم يكن في عهده - عليه السلام - ملحمة هي أشد ولا أكثر قتلى منها وكانت سنة ثلاث ( من الهجرة ) .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية