الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وتكفي ) في صحة البيع ( رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه ) ( [ ص: 419 ] كظاهر الصبرة ) من نحو بر ولوز وأدقة ومسك وعجوة وكبيس في نحو قوصرة وقطن في عدل وبر في بيت وإن رآه من كوة ، وكذلك تكفي رؤية أعلى المائعات في ظروفها ; لأن الغالب استواء ظاهر ذلك وباطنه ، فإن تخالفا ثبت الخيار ، بخلاف صبرة نحو سفرجل ورمان وبطيخ لا يكفي فيها ما مر بل لا بد من رؤية جميع كل واحدة وإن غلب عدم تفاوتها ، فإن رأى أحد جانبي نحو بطيخة كان كبيع الغائب كالثوب الصفيق يرى أحد وجهيه وكذا تراب الأرض ، ومن ثم لو باعه قدر ذراع طولا وعمقا من أرض لم يصح ; لأن تراب الأرض مختف ( و ) تكفي رؤية بعض المبيع الدال على باقيه نحو ( أنموذج ) بضم الهمزة والميم وفتح المعجمة وسكون النون وهذا هو الشائع لكن قال صاحب القاموس : إنه لحن إنما هو بفتح النون وضم الميم المشددة وفتح المعجمة ( المتماثل ) أي المتساوي [ ص: 420 ] الأجزاء كالحبوب ويسمى بالعينة .

                                                                                                                            نعم يشترط إدخاله في عقد البيع وإذا لم يرده إلى المبيع واعتبار الإسنوي خلطه به قبل العقد كما أفتى به البغوي ممنوع لأن رؤيته كظاهر الصبرة وأعلى المائع في دلالة كل على الباقي ، ودعوى أنه إن لم يرده إليه يكون كبيع عينين رأى إحداهما غير صحيحة لظهور الفرق ; لأن ما هنا في المتماثل والعينتان ليستا كذلك ، فإن لم يدخله في البيع لم يصح وإن رده للمبيع لانتفاء رؤية المبيع أو بشيء منه كما لو قال بعتك من هذا النوع كذا ( أو ) لم يدل على باقيه بل ( كان صوانا ) بكسر أوله ويجوز ضمه ( للباقي خلقة كقشر ) قصب السكر الأعلى وطلع النخل ( الرمان والبيض ) والقطن بعد تفتحه وامتناع السلم فيه في هذه الحالة لانتفاء انضباطه ( والقشرة السفلى ) وهي التي تكسر عند الأكل وكذا العليا إن لم تنعقد ( للجوز واللوز ) لأن صلاح باطنه في بقائه فيه وإن لم يدل هو عليه ، فقوله أو كان قسيم قوله إن دل ، وتعبيره كأصله بخلقة صفة لبيان الواقع في الأمثلة المذكورة ونحوها أو احترز به عن جلد الكتاب فلا بد من رؤية جميع أوراقه ، ومثله الورق الأبيض .

                                                                                                                            ولا يرد على طرده بيع القطن في جوزه والدر في صدفه والمسك في فأرته : أي حيث لم يرها فارغة ثم يعاد إليها فإنه يكتفي برؤية أعلاها كما مر ، وعلى عكسه الفقاع في كوزه والخشكنان ونحوه والجبة المحشوة بالقطن لبطلان بيع الأول مع أن صوانها خلقي دون الآخر مع أن صوانها غير خلقي .

                                                                                                                            لأنا نقول : الغالب في الخلقي أن بقاءه فيه من مصالحه فأريد به ما هو الغالب فيه ومن شأنه ، وتردد الأذرعي في إلحاق الفرش واللحف بما مر ، ورجح غيره كالبدر ابن شهبة عدمه ; لأن القطن فيها مقصود لذاته بخلاف الجبة ، وبحث الدميري الإلحاق ، ولا يصح بيع نحو لب جوز وحده [ ص: 421 ] في قشره لأن تسليمه غير ممكن بدون كسر قشره فيؤدي لنقص عين المبيع .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وأدقة ) جمع دقيق ( قوله : وعجوة ) أي منسولة أما التي فيها النوى فلا يكفي فيها ذلك للعلة المذكورة ، ويحتمل العموم أخذا من إطلاق الشارح ، ويثبت الخيار له إذا اختلف الظاهر والباطن ، ولعله الأقرب ( قوله : في نحو قوصرة إلخ ) قال في شرح العباب : إن عرف عمق ذلك وسعته قال في شرحه : وهذا الشرط لا يختص بهذه الصورة بل يأتي في رؤية الحب من كوة أو نحوها خلافا لما يوهمه صنيعه ، على أن المانع من صحة البيع في ذلك الجهل بالمقدار لا عدم الرؤية الذي الكلام فيه ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ومنه يؤخذ أن محل الاكتفاء بالمعاينة في المعين عن معرفة القدر حيث أمكن معرفة القدر مع تلك الرؤية وإلا فلا تكفي ( قوله : وكذلك تكفي رؤية أعلى المائعات إلخ ) عبارة حج : ولا يصح بيع مسك في فأرته معها أو دونها إلا إن فرغها ورآهما أو رآها فارغة ثم رأى أعلاه بعد ملئها منه ، ويصح بيع نحو سمن رآه في ظرفه معه موازنة إن علما زنة كل وكان للظرف قيمة ، وقيده بعضهم بما إذا قصد الظرف أخذا من تعليلهم البطلان بشرط بذل مال في مقابلة غير مال .

                                                                                                                            ويرد بأن ذكره يشعر بقصده فلا نظر لقصده المخالف له انتهى .

                                                                                                                            فقوله : إن علما زنة كل مفهومه بطلان البيع مع الجهل . ويشكل ذلك بالصحة فيما لو باع صبرة مجهولة الصيعان كل صاع بدرهم اكتفاء بتفضيل الثمن ، وأشار للجواب عن مثله سم على منهج حيث قال : وأقول لعل وجهه أن المقصود هو السمن والمسك والجهل بوزنهما يورث الجهل بالمبيع كاللبن المشوب بالماء تأمل ا . هـ . ( قوله : فإن تخالفا ) أي الظاهر والباطن ( قوله : بخلاف صبرة نحو سفرجل إلخ ) من النحو العنب كما قاله الشيخان ونوزعا فيه ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            ولعل وجه المنازعة أن العنب كاللوز ونحوه في عدم شدة التفاوت بين حباته بخلاف البطيخ ، ولعل وجه ما قاله الشيخان منع عدم التفاوت بين حباته في الغالب بل المشاهد كثرة التفاوت سيما عند اختلاف الأشجار ( قوله : لا يكفي فيها ما مر ) هو رؤية الظاهر ( قوله : بل لا بد من رؤية جميع كل واحدة ) أي الرؤية العرفية فلا يشترط قلبها ورؤية وجهيها إلا إذا غلب اختلاف أحد وجهيها على ما يأتي ( قوله : كالثوب الصفيق ) قضية هذا التشبيه أن عدم الاكتفاء برؤية أحد الجانبين مفروض فيما لو اختلفت جوانبها ( قوله : إنه لحن ) قال النواجي : هذه دعوة لا تقوم عليها حجة فما زالت العلماء قديما وحديثا يستعملون هذا اللفظ من غير نكير ، حتى إن الزمخشري وهو من أئمة اللغة سمى كتابه في النحو الأنموذج ، وكذلك الحسن بن رشيق القيرواني وهو إمام المغرب في اللغة سمى به كتابه في صناعة الأدب .

                                                                                                                            وقال النووي في المنهاج : وأنموذج المتماثل ، ولم يعقبه أحد من الشراح بل نقل ابن الملقن في إشارات المنهاج عن كتاب المغرب بالغين المعجمة لناصر بن عبد السيد المطرزي شارح المقامات أنه قال : النماذج بالفتح والأنموذج بالضم تعريب نموذه . قال ابن خلكان : وله عليه شرح سماه المعرب بالمهملة في شرح المغرب وهو كبير قليل الوجود ( قوله : وإنما هو بفتح النون ) أي من غير الهمزة [ ص: 420 ] قوله : كظاهر الصبرة ) أي كرؤية ظاهر الصبرة وقد تقدم أنها كافية ( قوله : بل كان صوانا ) الأولى لكنه كان إلخ ( قوله : في هذه الحالة ) أي في جوزه بعد تفتحه ( قوله : ومثله الورق الأبيض ) أي في أنه لا بد من رؤية جميعه ( قوله : والجبة المحشوة إلخ ) أي فإنه تكفي رؤية ظاهرها ولا يشترط رؤية شيء مما في الباطن .

                                                                                                                            [ فرع ] سئل شيخنا الشهاب الرملي عن بيع السكر في قدوره هل يصح ويكتفى برؤية أعلاه من رءوس القدور ؟ .

                                                                                                                            فأجاب بأنه إن كان بقاؤه في القدور من مصالحه صح وكفى رؤية أعلاه من رءوس القدور وإلا فلا ا هـ .

                                                                                                                            ولعل وجه ذلك أن رؤية أعلاه لا تدل على باقيه لكنه اكتفى بها إذا كان بقاؤه في القدور من مصالحه للضرورة ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ثم إن اختلف الظاهر والباطن ثبت للمشتري الخيار ( قوله : الأول ) أي القسم الأول وهو القطن وما عطف عليه ، وقوله : دون الآخر : أي القسم الآخر ، وهو الفقاع وما عطف عليه ( قوله : بما مر ) أي من نحو الجبة المحشوة ( قوله : كالبدر بن شهبة ) معتمد ( قوله : عدمه ) أي الإلحاق فيشترط لصحة البيع رؤية باطنه ويكفي فيها [ ص: 421 ] البعض ( قوله : لنقص عين المبيع ) وهو القشر وذلك لأن القشر واللب فيه يرغب فيه حفظ اللب فتزيد قيمته وبعد الكسر إنما يراد لمجرد الوقود وقيمته بهذا الاعتبار تافهة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 419 ] قوله ( ومسك إلخ ) معطوف على صبرة [ ص: 420 ] قوله : والقطن بعد تفتحه ) لا يخفى أن إيراده هنا على هذا الوجه يقتضي أنه تكفي رؤية صوانه بعد تفتحه وحينئذ فلا معنى لاشتراط تفتحه إذ لا معنى له إلا التمكن من رؤية بعضه وحينئذ فهو من القسم الأول لا من الثاني .

                                                                                                                            وعبارة الروض : وتكفى رؤية الصوان كرمان إلخ .

                                                                                                                            قال شارحه : بخلاف جواز القطن ا هـ ( قوله : إن لم تنعقد ) يعني السفلى ( قوله : القطن في جوزه ) أي قبل تفتحه ( قوله : أي حيث لم يرها فارغة ) أي الفأرة ( قوله : كما مر ) الذي مر أنه يكتفى برؤية أعلى المسك ، وظاهره وإن لم ير الفأرة فارغة ففي قوله كما مر مسامحة ( قوله : والأول ) بضم الهمزة جمع أول وكذلك الأخر خلاف ما في حاشية الشيخ ( قوله : فأريد به ما هو الغالب فيه ) أي فليس المراد عموم الصوان الخلقي بل نوع منه وهو ما بقاؤه فيه من مصالحه ، وحينئذ فكان الأولى حذف قوله ومن شأنه لأنه يوهم أنه يكتفى برؤية الصوان الذي ليس البقاء فيه من المصالح لأن من شأنه أن البقاء فيه من المصالح ، ثم إن هذا الجواب لا يدفع ما ورد على العكس [ ص: 421 ] قوله : لأن تسليمه غير ممكن ) أي ولأن المبيع حينئذ غير مرئي أصلا




                                                                                                                            الخدمات العلمية