الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال ابن القطان : لو رجع الشهود ، وقالوا : أخطأنا ، وادعوا أن العاقلة تعرف أنهم أخطئوا ، وأن عليهم الدية ، فأنكرت العاقلة العلم ، فليس للشهود تحليفهم ، وأنما يطالب العاقلة إذا قامت البينة ، قال ابن كج : ويحتمل أن لهم تحليفهم ، لأنهم لو أقروا لغرموا .

                                                                                                                                                                        النوع الثاني : غير العقوبات ، فمنه الإبضاع فإذا شهدوا بطلاق بائن أو رضاع محرم ، أو لعان أو فسخ بعيب ، أو غيرها من جهات الفراق ، وقضى القاضي بشهادتهما ، ثم رجعا لم يرتفع الفراق ، لكن يغرمان ، سواء كان قبل الدخول أو بعده ، فإن كان بعد الدخول ، غرما مهر المثل على المشهور ، وفي قول : المسمى ، وإن كان قبله ، فهل يغرمان مهر المثل أم نصفه ؟ فيه نصان ، ونص فيما لو أفسدت امرأة نكاحه برضاع أنها تغرم نصف مهر المثل ، وللأصحاب طرق ، المذهب وجوب النصف في الرضاع ، وجميع مهر المثل في الرجوع عن الشهادة ، وفي قول نصفه ، وفي قول نصف المسمى ، وفي قول جميعه ، وقيل : يجب جميع مهر المثل قطعا ، وقيل : نصفه قطعا ، وقيل : إن كان الزوج سلم إليها الصداق ، غرم الشهود جميع مهر المثل ؛ لأنه لا يتمكن من استرداد شيء ، وإلا فنصفه ، ولو تزوجها مفوضة ، وشهدا بالطلاق قبل الدخول والفرض ، وقضى القاضي بالطلاق والمتعة ، ثم رجعا فالخلاف في أنهما [ ص: 301 ] يغرمان مهر المثل أو نصفه ، كما في غير التفويض ، وفي قول قديم يغرمان المتعة التي غرمها الزوج ولو شهدا بطلاق رجعي ، ثم رجعا ، فلا غرم إذا لم يفوتا شيئا ، فإن لم يراجع حتى انقضت العدة ، التحق بالبائن ، ووجب الغرم على الصحيح ، وقيل : لا لتقصيره بترك الرجعة ، وأطلق ابن كج في وجوب الغرم بالرجوع عن شهادة الطلاق الرجعي وجهين ، فإن أوجبنا الغرم في الحال ، فغرموا ، ثم راجعها الزوج ، فهل عليه رد ما أخذ ، فيه احتمالان ، ذكرهما أبو الحسن العبادي .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب الجزم بالرد . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو شهد بطلاق ، وقضى به ، ثم رجعا ، وقامت بينة أنه كان بينه وبين الزوجة رضاع محرم ، أو شهدا بأنه طلقها اليوم ، ورجعا ، ثم قامت بينة أنه كان طلقها ثلاثا أمس ، فلا شيء عليهما ، إذ لم يفوتا ، فإن غرما قبل البينة استردا ، ولو شهدا أنها زوجة فلان بألف ، وحكم بشهادتهما القاضي ، ثم رجعا ، قال البغوي : لا غرم ، وقال ابن الصباغ : إن كان بعد الدخول غرما ما نقص عن مهر المثل إن كان الألف دونه ، قال وعلى هذا لو كان قبل الدخول ، ثم دخل بها ينبغي أن يغرما ما نقص ، وهذا هو الذي أطلقه ابن كج .

                                                                                                                                                                        ولو شهدا أنه طلقها بألف ، ومهرها ألفان ، فقال ابن الحداد ، والبغوي : عليهما ألف وقد وصل إليه من المرأة ألف ، وقال ابن كج : عليهما مهر المثل بعد الدخول ، ونصفه قبله ، كما لو لم يذكرا عوضا ، وأما الألف ، فهو محفوظ عنده للمرأة ، لأنها لا تدعيه ، وإن لم يكن قبضه ، فهو في يدها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 302 ] فرع

                                                                                                                                                                        ومن هذا النوع العتق ، فإذا شهدا بعتق عبد ، وقضى به القاضي ، ثم رجعا ، غرما قيمة العبد ، ولم يرد العتق ، سواء كالمشهود بعتقه قنا أو مدبرا ، أو مكاتبا أو أم ولد ، أو معلقا عتقه بصفة ، ولو شهدا بتدبير عبد ، أو استيلاد جارية ، ثم رجعا بعد القضاء ، لم يغرما في الحال لأن الملك لم يزل ، فإذا مات ، غرما بالرجوع السابق ، وهكذا لو شهدا بتعليق عتق أو طلاق بصفة ، ثم رجعا وفيهما وجه ، لأنهما لم يشهدا بما يزيل الملك ولو شهدا بكتابته ، ثم رجعا ، وأدى النجوم ، وعتق ظاهرا ، ففيم يغرمان ؟ وجهان ، أحدهما : كل القيمة ، والثاني : ما بين قيمته والنجوم . ولو شهدا أنه أعتقه على مال هو دون القيمة ، فالمنقول أنه كما لو شهدا أنه طلقها بألف ، ومهرها ألفان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ومنه أنه إذا شهدا أنه وقف على مسجد أو جهة عامة ، ثم رجعا بعد القضاء ، غرما قيمته ، ولا يرد الوقف ، وكذا لو شهدا أنه جعل هذه الشاة أضحية .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : ما لا يتعذر تداركه وهو الأموال أعيانها وديونها ، فإذا شهدوا لرجل بمال ، ثم رجعوا بعد دفع المال إليه ، لم ينقض الحكم ، ولم يرد المال إلى المدعى عليه ، هذا هو الصحيح ، وبه قطع الجمهور ، وحكى في " العدة " وجها أنه ينقض ، ويرد المال وهو شاذ ، وهل يغرمون ؟ قولان أظهرهما عند العراقيين والإمام وغيرهم : نعم ، وقيل : لا يغرمون قطعا ، وقيل : يغرمون الدين دون العين ، والمذهب الغرم مطلقا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 303 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية