الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الخامسة : هل يجوز أن يحكم الخصمان رجلا غير القاضي ، وهل لحكمه بينهما اعتبار ، قولان أظهرهما عند الجمهور نعم ، وخالفهم الإمام والغزالي ، فرجحا المنع ، وقيل القولان في الأموال فقط ، فأما النكاح واللعان ، والقصاص ، وحد القذف وغيرها ، فلا يجوز فيها التحكيم قطعا ، والمذهب طرد القولين في الجميع ، وبه قطع الأكثرون ، ولا يجزئ في حدود الله تعالى على المذهب ، إذ ليس لها طالب معين ، وفي " التهذيب " وغيره ما يقضي ذهاب بعضهم إلى طرد الخلاف فيها وليس بشيء ، وقيل القولان في التحكيم في حقوق الآدميين مخصوصان بما إذا لم يكن في البلد قاض ، فإن كان لم يجز ، وقيل : هما إذا كان [ ص: 122 ] قاض وإلا فيجوز قطعا والمذهب طردهما في الحالين ، فإذا جوزنا التحكيم اشترط في المحكم صفات القاضي ، ولا ينفذ حكمه إلا على من رضي بحكمه حتى لا تضرب دية الخطأ على العاقلة إذا لم يرضوا بحكمه ، ولا يكفي رضى القاتل ، وقيل : يكفي ، والعاقلة تبع له ، والصحيح الأول .

                                                                                                                                                                        قال السرخسي : الخلاف مخصوص بقولنا تجب الدية على الجاني ، ثم تحملها العاقلة ، فإن قلنا : تجب عليها ابتداء لم تضرب عليهم إلا برضاهم قطعا وهذا حسن .

                                                                                                                                                                        قال السرخسي : وإنما يشترط رضا المتحاكمين إذا لم يكن أحدهما القاضي نفسه ، فإن كان ، فهل يشترط رضا الآخر ؟ فيه اختلاف نص ، والمذهب أنه لا يشترط ، وليكن هذا مبنيا على جواز الاستخلاف إن جاز ، فالمرجوع إليه نائب القاضي .

                                                                                                                                                                        قال : ويشترط على أحد الوجهين كون المتحاكمين بحيث يجوز للمحكم أن يحكم لكل واحد منهما ، فإن كان أحدهما ابنه أو أباه ، لم يجز .

                                                                                                                                                                        وليس للمحكم الحبس ، بل غايته الإثبات والحكم وقيل : يحبس وهو شاذ وهل يلزم حكمهما بنفس الحكم كحكم القاضي أم لا يلزمه إلا بتراضيهما بعد الحكم ؟ فيه قولان ، ويقال : وجهان ، أظهرهما الأول ، ومتى رجع أحدهما قبل الحكم ، امتنع الحكم حتى لو أقام المدعي شاهدين ، فقال المدعى عليه : عزلتك ، لم يكن له أن يحكم .

                                                                                                                                                                        وقال الإصطخري : إن أحس المدعى عليه بالحكم فرجع ، ففي تمكينه من الرجوع وجهان خرجهما ، والمذهب الأول ، وإذا جوزنا التحكيم في غير الأموال ، فخطب امرأة ، وحكما رجلا في التزويج ، كان له أن يزوج قال الروياني : وهذا هو الأصح ، واختيار الأستاذين أبي إسحاق الإسفراييني ، وأبي طاهر الزيادي وغيرهما من المشايخ ، وإنما يجوز فيه التحكيم إذا لم يكن لها ولي [ ص: 123 ] خاص من نسيب أو معتق ، وشرط في بعض الشروح أن لا يكون هناك قاض ، وحكى صاحب العدة القاضي أبو المكارم الطبري ابن أخت الروياني وجهين في اشتراطه . وليكن هذا مبنيا على الخلاف في أنه هل يفرق في التحكيم بين أن يكون في البلد قاض أم لا ، وإذا رفع حكم المحكم إلى القاضي ، لم ينقضه إلا بما ينقض قضاء غيره .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية