الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        وأما تحمل الشهادة ، ففرض كفاية في عقد النكاح ، لتوقف الانعقاد عليه ، فإن امتنع الجميع منه ، أثموا . ولو طلب من اثنين التحمل ، وهناك غيرهما ، لم يتعينا بلا خلاف ، وأما في التصرفات المالية والأقارير ، فهل التحمل فرض كفاية أم مستحب ؟ وجهان الصحيح الأول ، وبه قطع العراقيون للحاجة إليها ، ومنهم من يقتضي كلامه طرد الخلاف في النكاح أيضا وليس بشيء وإذا قلنا بالافتراض ، فذلك إذا حضر المحمل ، أما إذا دعي للتحمل فقيل : تجب الإجابة أيضا ، والأصح الذي قاله القاضي أبو حامد ، والبغوي ، وأبو الفرج ، أنه لا يجب إلا أن يكون المحمل معذورا بمرض أو حبس ، أو كانت امرأة مخدرة إذا [ ص: 275 ] أثبتنا للتخدير أثرا وكذا إذا دعاه القاضي ليشهده على أمر ثبت عنده لزمه الإجابة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إن تطوع الشاهد بتحمل الشهادة وأدائها ، فقد أحسن ، وإن طمع في مال ، فهو إما رزق من بيت المال ، وإما من مال المشهود له ، فأما الرزق من بيت المال ، فقد ذكر الشيخ أبو حامد ، وابن الصباغ وآخرون أن الشاهد ليس له أخذ الرزق من بيت المال لتحمل الشهادة ، وقيل : له ذلك ، فإن قلنا بالأول ، فرزقه الإمام من ماله ، أو واحد من الرعية ، فالحكم كما ذكرنا في القاضي ، وأما مال المشهود له ، فليس للشاهد أخذ أجرة على أداء الشهادة ، ووجهوه بأنه فرض عليه ، فلا يستحق عليه عوضا ، ولأنه كلام يسير لا أجرة لمثله .

                                                                                                                                                                        وأما إتيان القاضي والحضور عنده ، فإن كان معه في البلد فلا يأخذ شيئا ، وإن كان نائبه من مسافة العدوى ، فما فوقها ، فله طلب نفقة المركوب . قال البغوي : وكذا نفقة الطريق ، وحكى وجهين فيما لو أعطاه شيئا ليصرفه في نفقة الطريق ، وأجرة المركوب هل له أن يصرفه إلى غرض آخر ، ويمشي ، وهما كالوجهين فيما لو أعطى فقيرا شيئا وقال : اشتر لك به ثوبا ، هل له أن يصرفه إلى غير الثوب ، والأصح الجواز فيهما ، فهذا ما قيل : إن الشاهد يأخذه من المشهود له ولم يتعرض أكثرهم لما سوى هذا ، لكن في تعليق الشيخ أبي حامد أن الشاهد لو كان فقيرا يكسب قوته يوما يوما وكان في صرف الزمان إلى أداء الشهادة ما يشغله عن كسبه ، لم يلزمه الأداء إلا إذا بذل له المشهود ( له ) قدر كسبه في ذلك الوقت ، هذا حكم الأداء . فلو طلب الشاهد أجرة لتحمل الشهادة ، فإن لم يتعين عليه ، فله ذلك ، وكذا إن تعين على الأصح ، قال أبو الفرج : هذا إذا دعي ليتحمل ، فأما إذا أتاه المحمل ، فليس للتحمل - والحالة هذه - أجرة ، وليس [ ص: 276 ] له أن يأخذ شيئا ، ومقتضى قولنا : له طلب الأجرة إذا دعي للتحمل أن يطلب الأجرة إذا دعي للأداء ، سواء كان القاضي معه في البلد أم لا ، كما لا فرق في التحمل ، وأن يكون النظر إلى الأجرة مطلقا لا إلى أجرة المركوب ونفقة الطريق خاصة ، ثم هو يصرف المأخوذ إلى ما يشاء ، ولا يمنع ذلك كون الأداء فرضا عليه كما ذكرنا في التحمل مع تعينه على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي أورده الرافعي - رحمه الله - ضعيف مع أنه خلاف قول الأصحاب كما سبق ، فإن فرض من يحتاج إلى الركوب في البلد ، فهو محتمل ، والوجوب ظاهر حينئذ . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        كتابة الصكوك هل هي فرض كفاية ، أم مستحب ؟ وجهان أصحهما الأول ، وبه قطع السرخسي ، فإن قلنا : مستحبة أو فرض ، ولم يتعين لها شخص ، فله طلب الأجرة . وإن تعين ، فكذلك على الأصح ، هذا إذا لم يرزق الكاتب من بيت المال لكتابة الصكوك ، فإن رزق لذلك ، فلا أجرة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية