الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الخامس : تعيين الرماة فلا يصح العقد إلا على راميين معينين ، أو رماة معينين ، وتجوز المناضلة بين حزبين فصاعدا ، ويكون كل حزب في الخطأ والإصابة كالشخص الواحد ، ومنع ابن أبي هريرة جواز الحزبين لئلا يأخذ بعضهم برمي بعض ، والصحيح الجواز ، وليكن لكل حزب زعيم يعين أصحابه ، فإذا تراضيا ، توكل عنهم في العقد ، ولا يجوز أن يكون زعيم الحزبين واحدا ، كما لا يجوز أن يتوكل واحد في طرفي البيع ، ولا يجوز أن يعقدا قبل تعيين الأعوان ، وطريق التعيين الاختيار بالتراضي ، فيختار زعيم واحدا ثم الزعيم الآخر في مقابلته واحدا ، ثم الأول واحدا ، ثم الثاني واحدا وهكذا حتى يستوعبوا ، ولا يجوز أن يختار واحد جميع الحزب أولا لأنه لا يؤمن أن يستوعب الحذاق ، ولا يجوز أن يعينا الأعوان بالقرعة لأنها قد تجمع الحذاق في جانب ، فيفوق مقصود المناضلة ، ولهذا لو قال أحد الزعيمين : أنا أختار الحذاق ، وأعطي السبق أو الخرق ، وآخذ [ ص: 372 ] السبق ، لا يجوز ، ولأن القرعة لا مدخل لها في العقود ، ولهذا لا تجوز المناضلة على تعين من خرجت القرعة عليهم ، وقال الإمام : لا بأس به ، لأن القرعة بعد تعديل الحصص والأقساط معهودة ، والذي قطع به صاحبا " المهذب " " والتهذيب " وغيرهما : المنع ، ونص في " الأم " أنهما لو تناضلا على أن يختار كل واحد ثلاثة ولم يسمهم ، لم يجز ، وأنه يشترط كل واحد من يرمي معه بأن يكون حاضرا أو غائبا يعرفه ، واحتج القاضي أبو الطيب بظاهره أنه تكفي معرفة الزعيمين ، ولا يعتبر أن يعرف الأصحاب بعضهم بعضا ، وابتداء أحد الحزبين بالرمي كابتداء أحد الشخصين ولا يجوز أن يشرطا أنه يتقدم من هذا الحزب فلان ويقابله من الحزب الآخر فلان ثم فلان ، لأن تدبير كل حزب إلى زعيمهم ، وليس للآخر مشاركته فيه .

                                                                                                                                                                        فروع ثلاثة

                                                                                                                                                                        أحدها : حضرهم غريب ، فاختاره أحد الزعيمين ، وظنه يجيد الرمي ، فبان خلافه ، نظر إن لم يحسن الرمي أصلا ، بطل العقد فيه ، وسقط من الحزب الآخر واحد بإزائه ، وهل يبطل العقد في الباقي ؟ فيه قولا تفريق الصفقة ، وقيل : يبطل قطعا ، فإن قلنا : لا يبطل ، فللحزبين خيار الفسخ للتبعيض ، فإن أجازوا ، وتنازعوا في تعيين من يجعل في مقابلته ، فسخ العقد لتعذر إمضائه ، وإن بان أنه ضعيف الرمي أو قليل الإصابة ، فلا فسخ لأصحابه ، ولو بان فوق ما ظنوه ، فلا فسخ للحزب الآخر هكذا أطلقوه ، وينبغي أن يكون فيه الخلاف السابق في أنه هل يشترط كون المتناضلين متدانيين وقد يستدل بإطلاقهم على أن الأصح : أنه لا بأس بهذا التفاوت ، وذكر الشيخ أبو محمد أن من فوائد المسألة أن المجهول الذي لم يختبر يجوز إدخاله في رجال المناضلة ، قال : وكان لا يبعد منعه للجهالة العظيمة ، لكن نص [ ص: 373 ] الشافعي - رحمه الله - على جوازه ، فلو تناضل غريبان لا يعرف واحد منهما صاحبه ، حكم بصحة العقد ، فإن بان أنهما أو أحدهما لا يحسن الرمي ، بطل العقد ، وإن بان أن أحدهما أخرق لا يقاوم الآخر ، ففي تبين بطلان العقد الوجهان السابقان فيما لو عاقد فاضل أخرق .

                                                                                                                                                                        الفرع الثاني : يشترط استواء الحزبين في عدد الأرشاق والإصابات ، وأما عدد الحزبين والأحزاب فوجهان ، أحدهما وبه قطع الإمام والغزالي : لا يشترط بل يجوز أن يكون أحد الحزبين ثلاثة والثاني أربعة ، والأرشاق مائة على كل حزب ، وأن يرامي رجل رجلين أو ثلاثة ، فيرمي هو ثلاثة وكل واحد منهم واحدا ، والثاني وبه قطع صاحبا " المهذب " " والتهذيب " وغيرهما : يشترط ، لأن به يحصل الحذق ، فعلى هذا يشترط كون عدد الأرشاق تنقسم صحيحا على الأحزاب ، فإن كانوا ثلاثة أحزاب ، فليكن للأرشاق ثلث صحيح ، وإن كانوا أربعة ، فربع صحيح .

                                                                                                                                                                        الثالث : من التزم السبق من الزعيمين ، لزمه ، ولا يلزم أصحابه إلا أن يلتزموا معه ، أو يأذنوا له أن يلتزم عنهم ، وحينئذ يوزع على عدد الرءوس ، وإذا فضل أحد الحزبين فهل يوزع المال على عدد رءوسهم أم على عدد الإصابات ؟ وجهان ، الصحيح : الأول ، ومنهم من قطع به ، فإن قلنا بالإصابات ، فمن لم يصب ، لا شيء له ، هذا إذا أطلقوا العقد ، فإن شرطوا أن يقتسموا على الإصابة ، فالشرط متبع وفيه احتمال للإمام .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية