الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : إذا أسلم الأسير وهو رجل حر مكلف قبل أن يختار الإمام فيه شيئا ، عصم دمه ، وهل يصير رقيقا بنفس الإسلام ؟ فيه طريقان ، أصحهما : على قولين ، أحدهما : نعم ؛ لأنه أسير محرم القتل فأشبه الصبي ، وأظهرهما : لا يرق ، بل للإمام أن يسترقه ، أو يمن ، أو يفادي ، والطريق الثاني : القطع بالتخيير ؛ لأنه كان ثابتا ، فلا يزول ، فإن اختار الفداء ، فشرطه أن يكون له فيهم عز أو عشيرة يسلم بها ديته ونفسه ، وسواء قلنا : يرق ، أو يجوز إرقاقه ، فأرقه ، كان غنيمة ، وكذا لو فاداه بمال ، كان غنيمة ، ولو أسلم قبل أسره والظفر به ، عصم دمه وماله ، سواء أسلم وهو محصور وقد قرب الفتح ، أو أسلم في حال أمنه ، وسواء أسلم في دار الحرب ، أو الإسلام ، ويعصم أيضا أولاده الصغار عن السبي ، ويحكم بإسلامهم تبعا له ، والحمل كالمنفصل ، فلا يسترق تبعا لأمه ، وهل يعصم إسلام الجد ولد ابنه [ ص: 253 ] الصغير ؟ فيه أوجه ، أصحها : نعم ، والثاني : لا ، والثالث : إن كان الابن ميتا ، عصم ، وإلا فلا ، والمجنون من أولاده ، كالصغير ، فلو كان بلغ عاقلا ، ثم جن ، عصمه أيضا على الصحيح ، ولو أسلمت المرأة قبل الظفر بها ، عصمت نفسها ومالها وأولادها الصغار ، وحكى الفوراني في الأولاد قولا ، وهو شاذ مردود ، وأما الأولاد البالغون العقلاء ، فلا يعصمهم إسلام الأب لاستقلالهم بالإسلام ، وهل يعصم إسلامه قبل الأسر زوجته عن الاسترقاق ؟ نص أنه يجوز استرقاقها ، ونص أن المسلم لو أعتق كافرا ، فالتحق بدار الحرب ، لا يجوز استرقاقه ، فقيل : فيهما قولان ، أحدهما : لا تسترق زوجته ولا عتيقه لئلا يبطل حقه ، كما لا يغنم ماله ، والثاني : يسترقان لاستقلالهما ، والمذهب تقرير النصين ؛ لأن الولاء لا يرتفع وإن تراضيا بخلاف النكاح ، ويجري الخلاف في استرقاق حربية نكحها مسلم وهو في دار الحرب ، فإن قلنا : لا يعصمها وكانت حاملا عند إسلامه ، ففي جواز استرقاقها وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأن الحمل محكوم بإسلامه ، فلا تملك دونه كما لا تباع دونه ، وأصحهما : نعم ؛ لأنها حربية ، فأشبهت غيرها ، وإذا استرقت ، فإن كان قبل الدخول ، انقطع النكاح في الحال ؛ لأنه زال ملكها عن نفسها ، فملك الزوج أولى ، ولأنها صارت أمة كافرة ، ولا يجوز إمساك أمة كافرة للنكاح ، وقيل : يستمر النكاح وإن استرقت ، حكاه صاحب " التقريب " والصحيح الأول ، وإن كان بعد الدخول فوجهان ، أصحهما : انقطاع النكاح ، والثاني : يتوقف مدة العدة ، فإن أعتقت ، وأسلمت قبل انقضاء العدة ، استمر النكاح ، وكذا لو أعتقت ولم تسلم ؛ لأن إمساك الحرة الكتابية للنكاح جائز ، فلو أسلمت ولم تعتق ، فإن كان الزوج ممن يجوز له نكاح الأمة ، فله إمساكها ، وإلا ففي جواز إمساكها وجهان ، ولو أسلم بعدما استرقت زوجته الحامل ، حكم بإسلام الحمل ، ولم [ ص: 254 ] يبطل رقه ، ولو أسلمت حامل تحت حربي ، لم تسترق هي ولا ولدها ؛ لأنهما مسلمان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو استأجر مسلم دار حربي في دار الحرب ، ثم غنمها المسلمون ، أو استأجر حربيا رقيقا ، أو حرا ، فاسترق ، لم تنقطع الإجارة ، بل يبقى للمستأجر استحقاق المنفعة ؛ لأن منافع الأموال مملوكة ملكا تاما مضمونة ، كأعيان الأموال بخلاف منفعة البضع ، فإنها تستباح ، ولا تملك ملكا تاما ، ولهذا لا تضمن باليد ، وقيل : في انقطاع الإجارة خلاف كانقطاع النكاح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يجوز سبي منكوحة الذمي إذا كانت حربية ، وينقطع به نكاحه ، وأما سبي عتيقه واسترقاقه فيبنى على استرقاق عتيق المسلم ، إن جوزناه ، فهنا أولى ، وإلا فوجهان ، أصحهما : يجوز ؛ لأن الذمي لو التحق بدار الحرب ، استرق ، فعتيقه أولى ، ولو أعتق ذمي عبدا ، ثم نقض السيد العهد وصار حربيا ، فالصحيح أن ولاءه على عتيقه لا يبطل ، حتى لو عتق كان ولاؤه باقيا عليه ، ولمعتقه أيضا الولاء على عتيقه ، ولو ملك عتيقه ، كان لكل واحد منهما الولاء على الآخر ، وفي وجه يبطل باسترقاقه ولاؤه على عتيقه ، كما يبطل ملكه على عبده .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا سبي الزوجان معا ، أو سبي أحدهما ، انفسخ النكاح ، صغيرين كانا أو كبيرين ، واسترق الزوج ، وسواء كان قبل الدخول أو بعده ، لقول الله تعالى : ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) [ ص: 255 ] ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا توطأ حامل حتى تضع " ولم يفرق ، ولأن الرق يزيل ملكها عن نفسها ، فعصمة النكاح أولى بالزوال ، وإن كان الزوجان رقيقين ، فغنما ، أو أحدهما ، ففي انقطاع النكاح وجهان ، سواء أسلما أم لا ، أصحهما : لا ينقطع إذا لم يحدث رق ، وإنما انتقل من شخص إلى شخص ، فأشبه البيع وغيره ، والثاني : ينقطع ، لحدوث السبي ، ولهذا لو سبيت مستولدة ، صارت قنة ، ومنهم من قطع بالأول .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية