الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 136 ] الطرف الثاني في وجوه النقل وفيه مسائل : إحداها : رمى المال إلى خارج الحرز من النقب أو الباب ، أو من فوق الجدار ، لزمه القطع ، سواء أخذه بعد الرمي ، أو تركه فضاع أو أخذه غيره ، وقيل : إن لم يأخذه ، فلا قطع ، فعلى هذا لو أخذه معينه ، ففيه تردد للإمام ، والصحيح الأول ، لو أدخل يده في النقب ، أو أدخل فيه محجنا ، وأخرج المتاع ، قطع ، ولو أرسل محجنا أو حبلا في رأسه كلاب من السطح ، وأخرج به ثوبا ، أو إناء ونحوه ، قطع .

                                                                                                                                                                        الثانية : لو أتلف المال في الحرز بأكل أو إحراق ، فلا قطع ، ولو ابتلع في الحرز جوهرة أو دينارا فثلاثة أوجه ، أصحها : أنها إن خرجت منه بعد ذلك ، قطع ، وإلا فلا ، والثاني : لا يقطع مطلقا ، والثالث : يقطع ، ونقل الغزالي وجها رابعا أنه إن أخذها بعد الانفصال عنه ، قطع ، وإلا فلا ، ولم أره لغيره ، ولو أخذ الطيب ، فتطيب به في الحرز ، ثم خرج ، فإن لم يمكن أن يجمع منه ما يبلغ نصابا ، فلا قطع ، وكذا إن أمكن على الأصح ؛ لأن استعماله يعد إهلاكا ، كأكل الطعام .

                                                                                                                                                                        الثالثة : لو كان في الحرز ماء جار فوضع المتاع عليه حتى خرج ، قطع على الصحيح ، وإن كان راكدا ، وحركه حتى خرج به ، فهو كالجاري ، وإن حركه غيره ، فخرج ، فالقطع على المحرك ، وإن زاد الماء بانفجار أو مجيء سيل ، فخرج به ، لم يقطع على الأصح ، ولو كان في بستان أترج والماء يدخل من أحد طرفيه ويخرج من الآخر ، فجمع نارا ووقودا ووضعه على الماء حتى دخل وعلا الدخان ، فأسقط الأترج في الماء ، وخرج من الطرف الآخر ، فأخذه ، أو رمى الأشجار بحجارة من خارج البستان حتى تناثرت الثمار في الماء ، وخرجت من الجانب الآخر ، لم يقطع على الصحيح ، ولو كانت الريح تهب ، فعرض المتاع [ ص: 137 ] حتى خرجت به ، أو وضعه على طرف النقب ، فطارت به الريح ، قطع ، ولا أثر لمعاونة الريح ، كما أنها لا تمنع وجوب القصاص وحل الصيد والحالة هذه ، ولو كانت الريح راكدة ، فوضعه على طرف النقب ، فهبت وأخرجته ، فلا قطع على الأصح .

                                                                                                                                                                        الرابعة : لو وضع متاعا في حرز على ظهر دابة ، وسيرها بسوق أو قود حتى خرجت ، أو عقد اللؤلؤة على جناح طائر وطيره ، قطع على المذهب ، وبه قطع الأصحاب ، وفي " البيان " وجه ، ولو كانت الدابة في السير ، فوضع المتاع عليها فخرجت به ، فلا قطع فهو كما لو سيرها ، ولو لم تكن سائرة ولا سيرها ، بل كانت واقفة ، فوضع المتاع عليها ، فسارت وخرجت به ، فلا قطع على الأصح ؛ لأن لها اختيارا في السير ، وقيل : لا قطع بلا خلاف ، وقيل : إن سارت في الحال ، قطع ، وإلا فوجهان ، وقيل : إن وقفت ، ثم سارت ، فلا قطع ، وإن سارت في الحال فوجهان ، ولو أخرج شاة ، فتبعها أخرى أو سخلتها ، ولم تكن الأولى نصابا ، ففيه هذا الخلاف ، والمذهب أنه لا قطع في الصورتين ، وفي دخول السخلة في ضمانه وجهان ، ولو نقب الحرز ، ثم أمر صبيا لا يميز بإخراج المال ، فأخرجه فقال الجمهور : يجب القطع على الآمر قطعا ، وقيل : على الخلاف في خروج البهيمة التي كانت واقفة ، وإن كان مميزا وله اختيار صحيح ورؤية ، فلا قطع ؛ لأنه ليس آلة له ، والعبد الأعجمي كالصبي الذي لا يميز .

                                                                                                                                                                        الخامسة : لو سرق عبدا صغيرا لا يميز ، قطع إن كان محرزا ، وإنما يكون محرزا إذا كان في دار السيد ، أو بفناء داره ، فإن بعد عنها ، ودخل سكة أخرى ، فليس بمحرز ، وسواء في المحرز بفناء الدار كان وحده ، أو كان يلعب مع الصبيان ؛ لأنه لا يعد مضيعا ، وسواء [ ص: 138 ] حمله نائما أو مستيقظا ، أو دعاه فتبعه ؛ لأنه كالبهيمة يساق أو يقاد ، ويجيء فيه الخلاف في تسيير البهيمة ، والمجنون والأعجمي الذي لا يميز كصغير لا يميز ، وإن كان الصغير مميزا ، فسرقه نائما أو سكران أو مضبوطا ، فعلى ما ذكرناه في غير المميز ، ولو دعاه وخدعه فتبعه باختياره ، فليس بسرقة ، بل هو خيانة ، ولو أكرهه بالسيف حتى خرج من الحرز ، قطع على الأصح ، ولو حمل عبدا قويا قادرا على الامتناع ، فلم يمتنع ، فلا قطع ، ولو حمله نائما أو سكران ، قال الإمام : الوجه عندي الجزم بثبوت يده عليه حتى لو تلف قبل التيقظ ، ضمنه ؛ لأن المنقول لا يتوقف ثبوت اليد عليه على الاستيلاء والتمكن من المقاومة عند طلب الاسترداد ، قال : وفي تحقيق السرقة نظر ؛ لأن مثل هذا العبد محرز بيده وقوته ، هكذا ذكر المسألة الإمام والغزالي في " الوسيط " على الترديد ، وأطلق في " الوجيز " أنه لا قطع ، قال الإمام : ولو جلس حيث لا مستغاث يصاح به ، وهو يلاحظ متاعه ، فتغفله ضعيف وأخذ المال ، ولو شعر به صاحب المال لطرده ، فهل نقول : لا قطع ، كما لو أخذه قوي لا يبالي بصاحب المال ، أم نقول : يختلف الحكم بحسب اختلاف الآخذين ؟ الظاهر عندنا أنه يختلف .

                                                                                                                                                                        السادسة : الحر لا يضمن باليد ، فلا قطع بسرقته وإن كان طفلا ؛ لأنه ليس بمال ، فلو كان مع الصبي مال ، أو في عنقه قلادة تبلغ نصابا ، فلا قطع أيضا على الأصح ؛ لأنه في يد الصبي ومحرز به فلم يخرجه من حرزه ، هكذا أطلق الجمهور الوجهين ، وصورهما الإمام فيما لو كان الصبي نائما أو مربوطا عند الحمل ، قال : ويجريان في أن من حمله على غير صورة السرقة هل تدخل الثياب التي عليه في ضمانه ؟ ولو حمل حرا مستقلا وأخرجه من الحرز وعليه ثيابه ، أو معه مال [ ص: 139 ] آخر ، قال الإمام : تقدم عليه مسألة وهي أنه لو نام على بعير عليه أمتعة . فجاء سارق فأخذ بزمامه ، وأخرجه عن القافلة ، وجعله في مضيعة ، وفيه أربعة أوجه ، أحدها : يجب القطع ؛ لأنه أخرج نصابا من الحرز والمأمن إلى المضيعة . والثاني : لا قطع ؛ لأن البعير وما عليه محرز بالراكب ولم يخرجه من يده . والثالث : إن كان الراكب قويا لا يقاومه السارق ، لو انتبه فلا قطع ، وإن كان ضعيفا لا يبالي به السارق ، قطع ولا أثر ليد الضعيف . والرابع وهو الأصح ، ولم يذكر كثيرون سواه : إن كان الراكب حرا ، فلا قطع ؛ لأن المتاع والبعير في يده ، وإن كان عبدا ، قطع ؛ لأن العبد في نفسه مسروق يتعلق به القطع ، ثم بنى الإمام على هذا الخلاف خلافا حكاه في أن المستقل إذا حمله حامل ، هل يدخل ما عليه من الثياب تحت يد الحامل ؟ قال : والقول بدخولها بعيد ، وهو في الحر القوي أبعد منه في الضعيف وحيث لا تثبت يد الحامل على الثياب فلا سرقة ، وأن ما مع الحر لا يدخل في يد الحامل ؛ لأن يد المحمول ثابتة على ما معه ، ولهذا نقول : ما يوجد مع اللقيط يحكم بأنه في يده .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو سرق حليا من عنق صبي ، أو سرق ثيابه ، قطع ، وفي الموضع الذي يكون العبد الصغير محرزا ، ولو سرق قلادة من عنق كلب ، أو سرقها مع الكلب ، قطع ، وحرز الكلب كحرز الدواب .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية