الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الرابع : أن يكون الملك تاما قويا وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : إذا سرق أحد الشريكين من حرز الآخر مالهما المشترك ، فهل يقطع ؟ قولان ، أظهرهما : لا ; لأن له في كل قدر جزءا وإن قل ، فيصير شبهة ، كوطء المشتركة ، فعلى هذا لو سرق ألف دينار له منه قدر دينار شائعا ، لم يقطع ، والثاني : نعم ، إذ لا حق له في نصيب الشريك ، فعلى هذا ثلاثة أوجه ، قال الأكثرون : إن كان المال بينهما بالسوية ، فسرق نصف دينار فصاعدا ، فقد سرق من الشريك نصابا ، وإن كان ثلثاه للسارق ، فإذا سرق ثلاثة أرباع فقد سرق منه نصابا ، والثاني : إنما يجعل سارقا لنصاب من الشريك إذا زاد المأخوذ على قدر حقه بنصاب ، فلو كان بينهما مناصفة ، فسرق نصف المال وزيادة ربع دينار ، أو كان ثلثاه للسارق ، فسرق ثلثيه وزيادة لا تبلغ ربع دينار ، فلا قطع ، والثالث : إن كان المشترك مما يجبر على قسمته ، كالحبوب وسائر المثليات ، فلا قطع حتى يزيد المأخوذ على قدر حصته بنصاب ، وإن كان مما لا يجبر فيه ، كالثياب ، فإذا سرق نصف دينار إن اشتركا بالسوية أو ثلاثة أرباع دينار إن كان الثلثان للسارق ، قطع .

                                                                                                                                                                        الثانية : إذا سرق من مال بيت المال ، نظر إن سرق مما أفرز لطائفة مخصوصين وليس السارق منهم ، قطع ، قال الإمام : وكذا الفيء المعد للمرتزقة تفريعا على أنه ملكهم ، وإن سرق من غيره ، فأوجه ، [ ص: 118 ] أحدها وهو مقتضى إطلاق العراقيين : لا قطع ، سواء كان غنيا أو فقيرا ، وسواء سرق من الصدقات ، أو مال المصالح ، والثاني : يقطع ، وأصحها : التفصيل ، فإن كان السارق صاحب حق في المسروق ، بأن سرق فقير من الصدقات ، أو مال المصالح ، فلا قطع ، وإن لم يكن صاحب حق فيه ، كالغني ، فإن سرق من الصدقات ، قطع ، وإن سرق من المصالح ، فلا قطع على الأصح ; لأنه قد يصرف ذلك إلى عمارة المساجد والرباطات والقناطير فينتفع بها الغني والفقير ، أما إذا سرق ذمي مال المصالح ، فالصحيح أنه يقطع ; لأنه مخصوص بالمسلمين ، ولا ينظر إلى إنفاق الإمام عليهم عند الحاجة ; لأنه إنما ينفق للضرورة ، وبشرط الضمان ، ولا ينظر إلى انتفاعه بالقناطر والرباطات ; لأنه إنما ينتفع تبعا ، وفي وجه : لا قطع ، واختاره البغوي وقال : ينبغي أن لا يكون إنفاق الإمام عليه بشرط الضمان ، قال : وهذا في مال المصالح ، أما لو سرق من مال من مات ولم يخلف وارثا فعليه القطع ; لأنه إرث للمسلمين خاصة ، ولو كفن مسلم من بيت المال ، فسرق نباش كفنه ، قطع إذا لم يبق لغير الميت فيه حق ، كما لو كساه حيا .

                                                                                                                                                                        الثالثة : إذا سرق ستر الكعبة وهو محرز بالخياطة عليه ، فالمذهب وجوب القطع وبه قطع الجمهور ونقل ابن كج فيه قولين ، والمعروف الأول ، وألحقوا باب المسجد وجذعه وتأزيره وسواريه ، فأوجبوا القطع بسرقتها ، قالوا : ولا قطع بسرقة ما يفرش في المسجد من حصير وغيره ، ولا في القناديل المسرجة ; لأنها معدة لانتفاع الناس ، والقناديل التي لا تسرج ، ولا يقصد منها إلا الزينة كالأبواب ، هذه طريقة الجمهور ، ورأى الإمام تخريج وجه في الأبواب والسقوف ; لأنها من أجزاء المسجد ، والمسجد مشترك وذكر في الحصر والقناديل [ ص: 119 ] ونحوها ثلاثة أوجه ، ثالثها : الفرق بين ما يقصد به الاستضاءة أو الزينة ، وكل هذا في المسلم ، أما الذمي إذا سرق الباب أو الحصير أو غيرهما ، فيقطع بلا خلاف ، وذكر الفوراني في سرقة بكرة اليد المسبلة أنه يقطع ، وكذا حكاه البغوي قال : والوجه عندي أنها كحصير المسجد ; لأنها لمنفعة الناس .

                                                                                                                                                                        الرابعة : لو سرق مالا موقوفا ، أو مستولدة وهي نائمة ، أو مجنونة ، وجب القطع على الأصح بخلاف المكاتب ; لأنه في يد نفسه ، وكذا من بعضه حر ، ولو سرق من غلة الأرض الموقوفة أو ثمرة شجرة موقوفة ، قطع بلا خلاف ، فلو كان للسارق استحقاق ، أو شبهة استحقاق ، بأن وقف على جماعة ، فسرقه أحدهم ، أو سرق أبو بعض الموقوف عليهم ، أو ابنه ، أو وقف على الفقراء فسرق فقير ، فلا قطع بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الصحيح وجوب الحد على من زنى بجارية بيت المال ، وإن لم يجب القطع بسرقة مال .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية