الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني في سبي الكفار واسترقاقهم ، وفيه مسائل

                                                                                                                                                                        إحداها : نساء الكفار وصبيانهم إذا وقعوا في الأسر ، رقوا ، وكان حكمهم حكم سائر أموال الغنيمة ، فالخمس لأهل الخمس ، والباقي للغانمين ، والعبيد إذا وقعوا في الأسر ، كانوا كسائر أموال الغنيمة ، لا يتخير الإمام فيهم ؛ لأن عبد الحربي مال له ، واحتج له الشيخ أبو علي بأن عبد الحربي لو أسلم في دار الحرب ، ولم يخرج ، ولا قهر سيده ، [ ص: 251 ] لا يزول ملك الحربي عنه ، وإذا سباه المسلمون ، كان عبدا مسلما ، ولا يجوز المن عليه ، ويسترق ، ولولا أنه مال يخلى سبيله ، كالحر ، ولما جاز استرقاقه ، هكذا ذكره ابن الحداد ، وصرح بأنه ليس للإمام قتل العبيد ، ولا المن عليهم ، وتابعه الأصحاب على هذا ، وفي " المهذب " أنه لو رأى الإمام قتله لشره وقوته ، قتله وضمن قيمته للغانمين ، وأما الرجال الأحرار الكاملون إذا أسروا ، فالإمام مخير بين أن يقتلهم صبرا بضرب الرقبة ، لا بتحريق وتغريق ، ولا يمثل بهم ، أو يمن عليهم بتخلية سبيلهم ، أو يفاديهم بالرجال ، أو بالمال ، أو يسترقهم ، ويكون مال الفداء ورقابهم إذا استرقوا ، كسائر أموال الغنيمة ، وليس هذا التخيير للتشهي ، بل يلزم الإمام أن يجتهد ويفعل من هذه الأمور الأربعة ما هو الحظ للمسلمين ، فإن لم يظهر له وجه الصواب في الحال وتردد ، حبسهم حتى يظهر ، وسواء في الاسترقاق كان الأسير كتابيا أو وثنيا ، وقال الإصطخري : يحرم استرقاق الوثني ؛ لأنه لا يقر بالجزية ، والصحيح الأول ، وسواء كان الكافر من العرب ، أو غيرهم على الجديد المشهور ، وفي القديم لا يجوز استرقاق العرب ، وهل يجوز استرقاق بعض شخص ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، قال البغوي : فإن منعناه ، فضرب الرق على بعضه ، رق كله ، وكان يجوز أن يقال : لا يرق شيء ، وإذا اختار الفداء ، جاز بالمال سلاحا كان أو غيره ، ويجوز بأسارى المسلمين ، فيرد مشركا بمسلم ، أو مسلمين ، أو مشركين بمسلم ، ويجوز أن يفديهم بأسلحتنا التي في أيديهم ، ولا يجوز أن يرد أسلحتهم التي في أيدينا بمال يبذلونه ، كما لا يجوز أن يبيعهم السلاح ، وفي جواز ردها بأسارى المسلمين وجهان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو قتل مسلم أو ذمي الأسير قبل أن يرى الإمام رأيه فيه ، عزر [ ص: 252 ] ولا قصاص ولا دية ؛ لأنه لا أمان له وهو حر إلى أن يسترق ، ولذلك يجوز أن يخلى سبيله ، والأموال لا ترد إليهم بعد الاغتنام ، ولو وقع في الأسر صبي أو امرأة ، فقيل : وجبت القيمة ؛ لأنه صار مالا بنفس الأسر ، ثم إن سبي الصبي وحده ، فهو محكوم بإسلامه تبعا للسابي ، ففيه قيمة عبد مسلم ، وإن كان قاتله عبدا ، لزمه القصاص .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو أسر بالغ له زوجة ، لم ينفسخ عقد نكاحه بالأسر ، فإن فاداه الإمام ، أو من عليه ، استمرت الزوجية ، وإن استرقه ، ارتفع النكاح حينئذ ، وإن أسر صبي له زوجة ، انفسخ النكاح بنفس أسره .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو أسر كافر ومعه زوجته وصبيانه ، يخير الإمام فيه دونهم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية