الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولهذا أشباه كثيرة في الأحاديث وإنما وضعت هذه الجملة لتدل على أمور غلط فيها بعض من نظر في العلم ليعلم من علمه أن من متقدمي الصحبة وأهل الفضل والدين والأمانة من يعزب عنه من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيء يعلمه غيره ممن لعله لا يقاربه في تقدم صحبته وعلمه ويعلم أن علم خاص السنن إنما هو علم خاص بمن فتح الله له علمه لا أنه عام مشهور كشهرة الصلاة وجمل الفرائض التي كلفتها العامة ولو كان مشهورا شهرة جمل الفرائض ما كان الأمر فيما وصفت من هذا وأشباهه كما [ ص: 618 ] وصفت ويعلم أن الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك ثبوته وأن لا نعول على حديث ليثبت إن وافقه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرد لأن عمل بعض أصحاب رسول الله عملا يخالفه لأن بأصحاب رسول الله والمسلمين كلهم حاجة إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم اتباعه لا أن شيئا من أقاويلهم تبع ما روي عنه ووافقه يزيد قوله شدة ولا شيئا خالفه من أقاويلهم يوهن ما روى عنه الثقة لأن قوله المفروض اتباعه عليهم وعلى الناس وليس هكذا قول بشر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) رحمه الله : فإن قال قائل أتهم الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خالفه بعض أصحابه جاز له أن يتهم الحديث عن بعض أصحابه لخلافه لأن كلا روى خاصة معا وأن يتهما فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن يصار إليه ، ومن قال منهم قولا لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز لأحد أن يقول إنما قاله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصفت من أنه يعزب عن بعضهم بعض قوله ولم يجز أن نذكره عنه إلا رأيا له ما لم يقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان هكذا لم يجز أن نعارض بقول أحد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لو قال قائل : لا يجوز أن يكون إلا عن رسول الله لم يحل له خلاف من وضعه هذا الموضع وليس من الناس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد أخذ من قوله وترك لقول غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد لقول أحد غيره فإن قال قائل : فاذكر لي في هذا ما يدل على ما وصفت فيه ؟ قيل له ما وصفت في هذا الباب وغيره مفرقا وجملة ومنه أن عمر بن الخطاب إمام المسلمين والمقدم في المنزلة والفضل وقدم الصحبة والورع والفقه والثبت والمبتدئ بالعلم قبل أن يسأله والكاشف عنه لأن قوله حكم يلزم كان يقضي بين المهاجرين والأنصار أن الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره أو كتب إليه الضحاك بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر وترك قوله وكان عمر يقضي أن في الإبهام خمس عشرة والوسطى والمسبحة عشرا عشرا وفي التي تلي الخنصر تسعا وفي الخنصر ستا حتى وجد كتاب عند آل عمرو بن حزم الذي كتبه له النبي صلى الله عليه وسلم { وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل } فترك الناس قول عمر وصاروا إلى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ففعلوا في ترك أمر عمر لأمر النبي فعل عمر في فعل نفسه في أنه ترك فعل نفسه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك الذي أوجب الله عليه وعليهم وعلى جميع خلقه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وفي هذا دلالة على أن حاكمهم كان يحكم برأيه فيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة لم يعلمها ولم يعلمها أكثرهم وذلك يدل على أن علم خاص الأحكام خاص على ما وصفت لا عام كعام جمل الفرائض . .

التالي السابق


الخدمات العلمية