الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الرؤية الإسلامية والمسألة الحضارية (دارسة مقارنة)

الأستاذ الدكتور / عبد الله محمد الأمين

المبحث الأول

العلاقة بين الحضارات في الرؤية الغربية

سعى النموذج المعرفي الغربي - في رؤيته للعالم وتقسيمه للمعمورة - إلى إلغاء (الآخر) والهيمنة على العالم، مروجا لفلسفة نهاية التاريخ وصدام الحضارات ليتم له بذلك ترسيخ العولمة بحيث تصير هي البديل الحضاري العالمي. فنهاية التاريخ ما هي إلا تبشير بانتصار الليبرالية على ما عداها من إيديولوجيات بالانتصار الساحق للنمط الحضاري الغربي، فبانتصار المعسكر الغربي وسقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة تنتهي التناقضات الأساسية في العالم بانتصار الليبرالية الاقتصادية والسياسية والديمقراطية الليبرالية ومن ثم تعلن الحضارة الغربية هيمنتها على بقية الحضارات







[1] .

إن الغرب قد روج لمفاهيم موجهة غير بريئة، في ظاهرها الفكر وفي باطنها السياسة، في تحديد علاقته مع (الآخر)، ومن هذه المفاهيم: نهاية [ ص: 117 ] التاريخ، صراع الحضارات، حوار الثقافات، أما نهاية التاريخ فتعني إيقاف الزمان واكتمال التاريخ وتحقق النبوة، فالرأسمالية المنتصرة بعد هزيمة الاشتراكية (1991م) هي "خاتم النبوة"، ونهاية المطاف، فعلى كل الأنظمة التكيف معه وتبنيها، وهي قادرة على تجـديد نفسها وتغيـير أشكالها حتى لا تتحجر وتنهار كما حدث للاشتراكية [2] . وهذه المفاهيم كلها مفاهيم أحادية الطرف تظهر جانبا واحدا من الحقيقة وتخفي الجانب الآخر عن قصد، تظهر جانب المركز، وتخفي جانب الأطراف، فصراع الحضارات يقابله حوار الثقافات، ونهاية التاريخ يقابله بداية التاريخ، ولا يقوم بإخراج هذه المفاهيم العلماء بدافع نظري خالص بل تخرج من مراكز أبحاث تخطط للسيطرة على العالم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وفنيا، فهي مفاهيم موجهة [3] .

وحينما تحدث "فوكوياما" عن الإسلام في "نهاية التاريخ" فإنه قرر:

"... ويمكن لنا أن نقول الآن إنه ليست هناك أيديولوجية ما يمكن أن تحل محل التحدي الديمقراطي التقدمي، ويصدق هذا على أغلب أجزاء العالم الحديث.... لكن يبدو أنه من الممكن استثناء الإسلام - مبدئيا على الأقل - من هذا الحكم العام حول الإيديولوجيات المنافسة للديمقراطية، فالإسلام يشكل إيديولوجية متجانسة ومنتظمة مثله في ذلك مثل الديمقراطية والشيوعية، مع دلالته الخاصة في الأخلاق ومذهبه في السياسة والعدالة [ ص: 118 ] الاجتماعية. وقد هزم الإسلام الديمقراطية الحرة في أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي لا تمثل قوة سياسية ذات بال. وقد شهدت نهاية الحرب الباردة في أوروبا تحديا سافرا للغرب من قبل العراق الذي يشكل الدين الإسلامي عاملا هاما في تكوينه الإيديولوجي. وعلى الرغم من الحديث عن جاذبية الإسلام العالمية إلا أنه تبقى الحقيقة الواضحة والأكيدة وهي أن هذا الدين ليست له جاذبية خارج المناطق ذات الثقافة الإسلامية. قد يكسب الإسلام أتباعا سـاخطين على أوضاع معينة لكن لا رنين له لدى الشباب في برلين أو موسكو مثلا. وبينما يوجد حوالي بليون مسلم -أي خمس سكان العالم- إلا أنهم لا يستطيعون تحدي الديمقراطية الحرة الموجودة في بلادهم على المستوى الفكري وفي الواقع. ولقد بات من الواضح اختراق العالم الإسلامي على المدى الطويل بالأفكار التحررية؛ لأن مثل هذه الأفكار قد جذبت العديد من المسلمين الأقوياء خلال القرن ونصف الماضيين. ويبدو أنه من أسباب إحياء الأصولية الإسلامية التهديد الذي أحست به هذه المجتمعات الإسلامية التقليدية بسبب اختراقها بالقيم والأفكار الغربية التحررية" [4] .

ولاشك أن هذا التصور عدواني للحضارة "إذ أن القول بنهاية التاريخ الرافع لشعار "لا حداثة بعدي" يتناقض جوهريا مع الدلالة الثقافية لعقيدة ختم النبوة وما تستتبعه من تصور مفتوح على المستقبل وثقة كاملة في ذرية آدم . إن مبدأ "لا نبي بعدي" في قراءة عصرية إيجابية يعني إمكانيات غير [ ص: 119 ] محدودة لإبداع مستقبليات إنسـانية لا هيمنة فيها لماض يستـقطب الزمن أو لتجربة تاريخية تنقلب إلى مرجع مطلق. أما القول بنهاية التاريخ وختم الحضارات فإنه لا يعدو أن يكون ضربا من ضروب الاعتداء على النبوغ الثقافي والحريات الحضارية للشعوب وتركيز محكم لأوضاع التبعية الاقتصادية والسياسية والجمود الفكري" [5] .

إن نظرية "فوكاياما" عبارة عن إعادة لأطروحات "هيجل" في الإصلاح الإنجيلي المستند إلى الأفلاطونية - التوراتية المحدثة الجرمانية، التي هي مجرد صياغة متنكرة لمبدأ التثليث المسيحي والذي تحدد نظريا في نظرية الحلول (حلول الله في المسيح والإنسان عامة) وهو ما يعني التمركز حول الذات بينما يطرح "اسبينوزا" وحدة الوجود المادية، ليجعل من العالم مكتفيا بذاته يحوي داخله ما يكفي لتفسيره فيتم تأليه الطبيعة وهو ما يعني التمركز حول الموضوع. وفي كلا الحالتين يتم تأليه الطبيعة والإنسان





[6] . [ ص: 120 ]

وهذا هو سبب أزمة الحضارة الغربية المعاصرة، فهي حضارة يقودها خطاب حصري ذو معجزات حسية محدودة بإطاري الزمان والمكان. وهذه المعجزات لا ترقى في عصر العقل والمنهجية إلى درجة الإقناع وهم مطالبون بالإيمان بها. ومن ثم فإن التبرير الوحيد أمام فلاسفة الحضارة الغربية هو القول: إن الدين لا يمكن أن يبنى على العقل ولكن على قواعد من الأخلاق. وعلى الرغم من أنها تتحرك وفق مقولات خطاب حصري إلا أنها تدعي العالمية بحيث يصير العالم بأسره مسيرا وفق خطابها الحصري المتمحور ثقافيا واجتماعيا حول الذات.

وقد أدى هذا الخلل -التمركز حول الذات والموضوع- إلى أن تحمل الحضارة الغربية بذرة فنائها في داخلها تبعا لنواميس الحق في الخلق، الذي يجعل من الإيمان بالإله الواحد المفارق لمخلوقاته - الذي يمثله النموذج التوحيدي الإسلامي - الأساس في ديمومة الحضارة. وهذا الطرح يتوافق مع الطرح القرآني في رؤيته لنهاية التاريخ "فختم تاريخ البشرية معناه حتمية إظهار دين الحق على الدين كله. أي أن للتاريخ معنى يسعى فيه المخلصون لتحقيق غاية الوجود الإنساني" [7] . وطرح القرآن هو: ( ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ) (الأنفال:8)، ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره [ ص: 121 ] الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) (التوبة:32-33)، و (الصف:8-9).

وهنا ينبغي عدم الخلط بين الإسلام كقيم ومفاهيم وبين واقع المسلمين المعاصر بحيث يتم معايرة الإسلام ومحاكمته بواقع العالم الإسلامي وهو الخطأ الذي وقع فيه فوكوياما وأمثاله من ممجدي الحضارة الغربية.

هناك من يعلن أنه بنهاية الحرب الباردة يبرز صراع من نوع جديد بين الحضارات، ويتبنى هذا الطرح "صمويل هنتيجتون"











[8] . وصراع الحضارات [ ص: 122 ] المقصود منه أن الصراع بين المعسكرات والغرب، الشمال والجنوب، الأغنياء والفقراء، المركز والمحيط، الاستعمار الجديد وحركات التحرر الجديدة، قد انتهى لصالح طرف واحد هو الطرف الأول، فقد كان الطرف الأقوى وعلى الطرف الثاني أن يعترف بالهزيمة. الصراع الآن لم يعد بين نظم سياسية وقوى اقتصادية، بل صراع حضارات، والمتفوق في السياسة والاقتصاد يكون متفوقا بالضرورة في الحضارة؛ لأنها هي التي جعلته متفوقا [9] .

ونظرية صدام الحضارات يمكن إجمالها في الآتي:

1- الديمقراطية نعمة غربية لا يمكن أن يتمتع بها المسلمون؛ لأنهم باسمها ينصبون في الحكم الاتجاهات المتطرفة.

2- السلام الدولي يجب أن يقتصر على الغرب؛ لأن انسحابه على العالم الإسلامي يحرم الغرب من بيع السلاح وشفط الاحتياطي من الثروات.

3- تحديد النسل عملية استعجالية للعالم الإسلامي نظرا لتزايد المسلمين واختلال التوازن الديمغرافي مع العالم الغربي.

4- من الحكمة أن يتم دعم وتأييد الجماعات الموالية للمصالح والقيم الغربية في العالم الإسلامي.

5- تقـوية المؤسـسات الدولية التي تعـكس المصالح الغربية وإعطاؤها الشرعية والعمل على دفع الدول غـير الغربية للانضواء تحت جناح هذه المؤسسات. [ ص: 123 ]

6- مزيد من تكريس الحضارة اليهودية المسيحية ذات المبادئ المشتركة بإزاء الحضارة الإسلامية

[10] .

وقد كان "صمويل هنتيجتون" الأكثر تعبيرا عن حقيقة مفادها أن الثقافات والحضارات المرشحة لأن تشكل عائقا أمام هذا الانتصار للحضارة الغربية وثقافتها تتمثل في الحضارة والثقافة الإسلامية و"الكونفوشيسية"



[11] . ومن وجهة نظر "هنتيجتون" أن العامل الذي يغذي الصراع بين الإسلام والغرب هو اختلاف الثقافات "المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام، فهو حضارة مختلفة، شعبها مقتنع بتفوق ثقافته وهاجسه ضآلة قوته، المشكلة المهمة بالنسبة للإسلام ليست المخابرات المركزية الأمريكية ولا وزارة الدفاع، المشكلة هي الغرب... حضارة مختلفة شعبها مقتنع بعالمية ثقافته ويعتقـد أن قوته المتفوقـة إذا كانت متدهورة فإنها تفرض عليه التزاما بنشر هذه الثقافة في العالم، هذه هي المكونات الأساسية التي تغذي الصراع بين الإسلام والغرب" [12] . [ ص: 124 ]

وكما لاحظ بعض الكتاب: "إن الغربيين يواصلون تقديم الإسلام على أنه مرادف للأصولية والإرهاب. هذه الكتابات تنطلق من شعور عميق بعداء يكمن في اللاوعي، يصور الإسلام على أنه الجانب الشرير والجاهل في الحضارة الغربية. وتصور هذه الكتابات الغرب على أنه العقل والإسلام على أنه الجسد، الغرب على أنه مذكر والإسلام على أنه مؤنث. وفي المحصلة الأخيرة يبدو الإسلام وكأنه مثير للغضب والهيجان والعنف والإرهاب، وكلها غرائز جسدية. وهي تحتـاج وفقا لمفهوم "العصرنة" إلى التدجين. وفي الوقت نفسه يرفض المفكرون الغربيون القبـول بشرعية أي فكر أو قيم أو معرفة تصدر عن الإسلام، فهل يمكن التعلم من الجسد؟ بهذا المعنى يصبح الإسـلام عن حـق (الآخر) السيكولوجى للحضارة الغربية. ويجري التعامل معه على هذا الأساس وهو الأساس الذي أقام عليه هنتيجتون نظريته الصدامية مع الحضارة الإسلامية"

[13] .

ففكرة البحث عن "عدو" فكرة كامنة في فلسفة الحضارة الغربية؛ لأن القيم التي تحكمها هي قيم المنفعة واللذة، ومن ثم فإن حركتها لابد أن تقوم على فلسفة الصراع، والصراع يتطلب القوة وبالقوة يكون البقاء للأقوى.

وقد أدت هاتان الأطروحتان إلى بروز العولمة كواقع معيش، حيث استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض زعامتها على العالم كقوة [ ص: 125 ] وحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وقد جرى تصوير الإسلام بأنه العدو



[14] ، ومن ثم فإن الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها ممثلة للحضارة الغربية تقوم بمهمة المواجهة مع الإسلام. ولقد استطاع الغرب خلال هذا القرن الأخير أن يكيف التغيرات وفق منظومته الفكرية ونسقه القيمي، وأن يدفع بتحولات شديدة التأثير كان من نتائجها الاستتباع الحضاري للغرب "فالغرب هو أكبر مؤثر على العالم في هذا الوقت، ويسيطر على أهم العوامل تأثيرا كالمؤسسات الإعلامية، السمعية والبصرية ووسائل الاتصال والمعلومات والمنظمات الاقتصادية والشركات متعددة الجنسيات... هذه العوامل والمؤسسات هي التي أنتجت العولمة وهي من أخطر محصلاتها... الغرب الذي ابتكر مفهوم العولمة هو الذي حدد مضامينها وهويتها ومكوناتها الفكرية والاقتصادية. وهو الذي يقود حركتها في العالم ويروج لهذا المفهوم وهذا هو مصدر الخوف الذي تظهره الأمم والحضارات تجاه قضية العولمة؛ لأن الغرب لا يريد إلا نفسه، ولا زالت نزعة التمركز حول الذات هي التي تشكل عقليته، وإن تاريخ علاقاته بالأمم والحضارات كان محبطا ومروعا للغاية" [15] . [ ص: 126 ]

والعولمة تعني نهاية عصر الاستقطاب، وبداية العالم ذي القطب الواحد تحت شعار "العالم قرية واحدة"، وهي بهذا محاولة تشكيل رؤية جديدة ومختلفة نحو العالم، والنظر له ككل واحد، وجعله إطارا ممكنا للتفكير دون وضع اعتبار لاختلاف الثقافات والهويات والديانات، فهي بهذا التصور "ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي بل هي أيضا وبالدرجة الأولى إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم" [16] ، حيث تبدأ بتكريس سيطرتها على السوق، وتجريد الدولة القطرية من سلطانها، وإشاعة ثقافة الاستهلاك، وتجاهل البعد الاجتماعي وحاجات الفقراء، ومع نمو العولمة يزداد تركز الثروة في أيدي مجمـوعة قليلة من الناس، وتتسع الفروق بين البشر اتساعا لا مثيل له







[17] . [ ص: 127 ]

فالعولمة على هذا الأساس "نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى، ويدفع إلى التفتيت والتشتيت ليربط الناس بعالم اللاوطن واللا أمة واللا دولة، أو يغرقهم في أتون الحرب الأهلية" [18] .

وهذه هي النتائج الحتمية لفلسفات ما بعد الحداثة، حيث الإعلان عن موت الإله ثم الإنسان، ومن ثم فلا مجال للقيم، فيتم تفكيك كل شيء ويظل المقياس والمعيار هو تحقيق المنفعة الفردية أو منفعة مجموعة من الناس على حساب السواد الأعظم من البشرية.

وابتداء من أطروحات الأفلاطونية - التوراتية المحدثة الجرمانية ومرورا بأطروحات البرجماتية وانتهاء بأطروحات الوجودية فإن الهدف الذي تسعى لتحقيقه هذه الفلسفات هو تكريس هيمنة الحضارة الغربية ببعديها الرأسمالي والاشتراكي على العالم والتي انتهت به "إلى هذا المآل المقيت الساعي إلى ابتلاع العالم في عولمة الشر المفسد لباطن الإنسان بالتلوث الثقافي الأمريكي ومحيطه الطبيعي بالتلوث الصناعي الأمريكي"





[19] . [ ص: 128 ]

إن العولمة في محصلتها النهائية هي محاولة لنفي (الآخر) و"أمركة" العالم من خلال فرض الثقافة الأمريكية وجعلها الثقافة العالمية المهيمنة بحيث تكون المرجعية لبقية الثقافات.

ولقد انتقد "صمويل هنتيغتون" من يدعون إلى ثقافة عالمية واحدة مرجعيتها الغرب بقوله: "كثيرون في الغرب يعتقدون أن العالم يسير نحو ثقافة عالمية موحدة وهي ثقافة غربية أساسا. ومثل هذا الاعتقاد متغطرس وزائف وخطر فانتشار السلع الاستهلاكية الغربية لا يعني انتشار الثقافة الغربية" [20] ، فحين تعرض سائر البلدان لعملية التحديث فإنها - وفقا لأطروحات هنتيغتون - قد تتغرب بأشكال سطحية دون أن تفعل ذلك على صعيد الأبعاد الأكثر أهمية للثقافة، أي على أصعدة اللغة والدين والقيم. وفي الحقيقة فإن البلدان حين تتحدث تلوذ بثقافتها ودياناتها التقليدية هربا من العالم الحديث [21] .

والشرط الموضوع أمام الحضارات للدخول في عصر العولمة هو القبول بالنموذج الغربي، وكمثال فإن "دانييل بايبس" يذكر "... التحديث يتطلب التغريب، والإسلام لا يقدم طريقا بديلة للتحديث... العلمانية لا يمكن [ ص: 129 ] تجنبها، العلم الحديث والتكنولوجيا يتطلبان استيعابا للعمليات الفكرية، التي تصاحبها، ونفس الشيء بالنسبة للمؤسسات السياسية، ولأن المضمون يجب ألا يحاكى بأقل مما يحاكى الشكل فلا بد من الاعتراف بهيمنة الحضارة الغربية حتى يمكن التعلم منها، اللغات الأوربية والمؤسسات التعليمية الفرعية لا يمكن تجنبها حتى وإن كانت الأخيرة تشجع على التفكير الحر والعيش السهل... فقط عندما يقبل المسلمون بالنموذج الغربي صراحة سيكونون في وضع يمكنهم من استخدام التقنية ومن أن يتقدموا" [22] .

وهـكذا، فإن العولمة ليست هي البديل الحضاري لحل أزمات العالم، إذ أنها وفقا لأطروحتها تساهم في زيادة حدة الصراع بين الدول والجماعات. [ ص: 130 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية