الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
دليل من علم الفيزياء:

.. فمن عالم الذرة المتناهية في الصغر، إلى عالم المجرة المتناهية في الكبر، نجد أن السنن التي تحكم هـنا، هـي نفسها التي تحكم هـناك، فلا فرق ما بين صغير وكبير أمام السنن الربانية الشاملة، التي تحكم الكون كله..

وليس هـذا الكلام خيالا، ولا شطحات فيما وراء المعقول، كما يحلو لبعض الناس أن يصفوا كل حقيقة كونية تثبت وجود خالق لهذا الوجود، فالعلم نفسه يصوغ الحقائق صياغة علمية دقيقة، بالمعادلات والأرقام التي لا يسع أي عاقل إلا الوقوف عندها خاشعا لله، لما تدل عليه من عظمة في [ ص: 53 ] الخلق وإتقان في الصنعة.. فمن المعلوم أن التفاعلات أو الظواهر التي تسود الكون أربع، هـي: الكهربائية، والمغناطيسية، والنووية، والجاذبية.. وقد ظل العلماء زمنا طويلا يظنون أن هـذه الظواهر متميزة بعضها عن بعض، وأنه لا علاقة بينها البتة.. وظل الأمر كذلك حتى عهد قريب، حين أثبتت النظريات الجديدة، والتجارب التي تمت بناء عليها، أن هـذه الظواهر التي تبدو متباينة، يمكن توحيدها أو إرجاعها إلى ظاهرة واحدة، وقد بدأت مسيرة التوحيد هـذه مع الإنجليزي إسحق نيوتن ( 1642 - 1727م ) ، الذي وحد بين ظاهرتي الجاذبية الأرضية، والجاذبية بين الأجرام السماوية، وصاغ قانون الجاذبية العام، ثم تابعت عملية التوحيد مسيرتها مع الاسكوتلاندي جيمس ماكسويل ( 1831 - 1879م ) الذي وحد بين ظاهرتي الكهرباء والمغناطيس، في ظاهرة واحدة، هـي الحقل الكهرومغناطيسي ، وصاغ لها المعادلات الشهيرة التي مازالت تحمل اسمه.. وفي بداية القرن الحالي جرى تعميم نظرية ماكسويل في نظرية الإلكتروديناميك الكوانتية ( 1927م ) ، ومؤخرا في سبعينيات هـذا القرن نجح العلماء ومنهم الفيزيائي الباكستاني ( عبد السلام ) في التوحيد ما بين التفاعلات الكهرومغناطيسية، والتفاعلات النووية الضعيفة، في نظرية واحدة أطلق عليها اسم ( كهروضعيفة ) وعلى أثر اكتشاف هـذه النظرية ازداد أمل العلماء في إمكانية جمع ظاهرة التفاعلات النووية القوية إلى الشكلين المذكورين اللذين تم توحيدهما، وأطلق اسم ( نظرية التوحيد الكبير ) على النظرية المرشحة للقيام بذلك، ويفترض في هـذه النظرية أن تعبر عن نوع من التناظر في البنية الهندسية للمادة في أعمق أعماقها.. وعندما يكون هـذا التناظر قائما فهو يحتم وجود ظاهرة واحدة، أو حقل كهرنووي واحد، يجمع التفاعلات الثلاثة في تفاعل واحد.. ) [1] ويبدو واضحا من خلال [ ص: 54 ] هـذه الوقائع التي انتهى العلماء إليها حتى الآن أن العالم المادي يشكل معا وحدة متكاملة، ويخضع لمنهج واحد، وتحكمه سنن شاملة يكمل بعضها بعضا.

التالي السابق


الخدمات العلمية