الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
رابعا: مرض الملاريا (البرداء) مرض سار يسببه طفيلي يغزو كريات الدم الحمراء، وينتقل بواسطة نوع معين من البعوض اسمه: (أنوفيليس) .

والملاريا هـي أوسع الأمراض انتشارا في آسيا وأفريقيا؛ تقتل الأطفال إذا كانت من النوع الخبيث، عندما تحصل مضاعفات دماغية، وتعطل الشباب عن أعمالهم خاصة في الريف كلما جاءت نوباتها المتكررة التي تحدث شعورا بالبرد مع ترفع حراري، وإدمان الإصابة يؤدي إلى ضعف الدم (الأنيميا) ، وتضخم الطحال، والكبد، إلى حد ما.

يموت بهذا المرض حوالي مليون طفل كل عام في أفريقيا وحدها، ورغم المكافحة المستمرة للمرض لا يزال منتشرا في كثير من البلاد. والخريطة المرفقة تبين مناطق آسيا وأفريقيا؛ حيث يحصل انتقال المرض. (وهي تعرض ما كان عليه الحال عام 1980م) .

والملاريا مثل البلهارسيا، يؤثران سوية على الحياة الاقتصادية في الريف، ويعيقان بوجودهما التنمية في سائر الميادين الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وكلما توسعت أعمال الري -وهدفها التنمية الزراعية- ازدادت خطورة هـذين المرضين؛ لزيادة نسبة التعرض للإصابة بازدياد كثافة البعوض الناقل (للملاريا) ، وكثافة الحشرات المائية الناقلة (للبلهارسيا) .

وهناك علاج فعال للملاريا إلا أن استمرارية انتقال المرض عن طريق [ ص: 114 ]


- خريطة انتشار المرض في آسيا وأفريقيا (عام 1980م) [ ص: 115 ] البعوض يعرض السكان في البلاد التي يستوطنها المرض إلى إصابات متكررة، حيث يكون الانتقال على مدار السنة، أو يزداد في فصول معينة؛ (فصول الأمطار والارتفاع المعتدل لدرجات حرارة الجو) .

وباستثناء لبنان والأردن والبحرين وقبرص لا تزال جيوب الملاريا موجودة في كل الشرق الأوسط على درجات مختلفة من الشدة.

أما في أفريقيا فانتشار الملاريا واسع في كل المناطق الإستوائية، ولا يخلو بلد من المرض، (إلا في صحاري لا ماء فيها ولا ناس) ، حتى في الواحات -حيث يتوالد البعوض في تجمعات المياه الراكدة أو الجارية ببطء- يحدث انتقال المرض.

وتسجل مثلا ملايين الحالات في نيجيريا والسودان كل عام، وفي أندونيسيا 10% من السكان مصابون بالملاريا، فإذا علمنا أن سكان أندونيسيا هـم أكثر من 130 مليون نسمة؛ يعني أن هـناك حوالي 13 مليون مصاب بالملاريا.

ولا حاجة لتكرار القول: إن لهذا المرض علاقة بالتخلف والفقر أيضا، والمحرومون في الأرياف وعلى أطراف الحواضر المدنية الكبرى في آسيا وأفريقيا هـم أكثر تعرضا وأكثر إصابة بهذا المرض.

ولا يزال العلماء يبحثون في إمكانية تحضير مصل واق فعال ضد هـذا المرض، إلا أنه من المتيسر الآن تطبيق تدابير وقائية منه، إما باتقاء البعوض الناقل، خاصة في الليل، أو بأخذ أدوية باستمرار، أسبوعيا على الأقل. ولكن هـذه التدابير غير عملية بالنسبة لأهل البلاد التي يتوطن فيها المرض، وعلى وجه الخصوص سكان الأرياف المعدمين. لذلك يجب الاستمرار في مكافحة هـذا المرض على المستوى العام لتقليل [ ص: 116 ] نسبة الإصابات إلى الحد الأدنى الممكن، بانتظار أن يستأصل المرض كليا، وقد لا يحدث ذلك في أفريقيا وآسيا في المستقبل المنظور. وإلى أن يحدث يكتوي مئات ملايين الناس -والمسلمون من ضمنهم- بنار هـذا الداء، بالإضافة إلى الأمراض العديدة الأخرى التي تصيبهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية